قراءة في ديوان (وريقات من كتاب الشعر)
بقلم/ محمد حلمي السلاب
رئيس نادى أدب شربين
(وريقات من كتاب الشعر) ديوان جديد للشاعر حسن حجازي وهو أحدث إصدارات اتحاد الكتاب ، قصائد تتوالى وقد حددت وجهتها في محاولة لاستعادة ما يستحق ألا نفقده من وعى وإدراك . الديوان بقصائده يعلن أن الشعر رسالة في مختلف أغراضه سواء أكان في الموعظة أو الحكمة أو الغزل أو أي غرض من أغراض الشعر المتعددة وجمال الشعر يكمن في تكامل أركانه من قافية ووزن ومعنى وأجزاء القصيدة من مقدمة ومتن وخلاصة.
وكما يقولون أن الباب يقرأ من عنوانه فالقصيدة التي تصدرت الوجه الأخر للغلاف تعلن عن الديوان بأكمله حيث تقول ( البحر من أمامكم – والشعر من خلفكم – فإما الموت أو الكتابة .. فأين تذهبون ؟ ) فالشاعر يخاطب نفسه قبل أن يخاطب غيره من المبدعين .. يخاطب من لم يتخلوا عن ادركهم ووعيهم ويتشبث بحماه الوطن المدافعين عن قيم الجمال والرقى والإحساس والوعى .. أن يقوموا بدورهم وألا يتخلوا عن مواقعهم في مواجهة القبح .. ألا يحرقوا سفنهم .. ألا يمزقوا دفاترهم .. يسيطرون ويبشرون بالأمل والبهجة والفرح .. فهل يستجيبون لنداء الشاعر ألا يخيبوا أماله وظنه بهم ويسيطروا بيقينهم قبل أقلامهم بأن الغد أفضل أن مصر ستنتصر في كل معاركها ضد الإرهاب والفساد ومعركة بناء الإنسان .. يقول الشاعر ( ما خنت قلبي يوما .. وما جفوت قلمي .. ربما هي قسوة المحب .. فأينما كنتم نكون .. ومثلما هنتم .. نهون ! ) حسن حجازي يؤكد أن المبدع ان تخلى عن دوره فقد يتخلى غيره وان تشبث بقيم الجمال فقد يتشبث غيره ولا ينفرط عقد المبدعين ، ويقول ( الحرية هي الزاد .. وهى العماد .. فكم قتلنا الزيف .. والركض خلف الكلمات .. أما زلتم في كل واد تهيمون ) فعندما تعلن الدولة عن جهدها في بناء الإنسان يجب أن يكون المبدعين أول من يتقدم الصفوف وهى دعوة صريحة لعودة الإدراك والانتباه لكل أنواع المخاطر التي تحيق بالوطن من داخله وخارجه والشاعر يعلنها صريحة .. إن غاب وعى من يبشرون بالوعى فمن يحضر إذن فأي قيمة للحياة وأي قيمة تسود ان ساد الزيف.
تميزت قصائد الشاعر حسن حجازي بلغتها المتوثبة التي استمدت قوتها وألقها من طموح جامح لعبور المسافات ، حتى وان كانت طرقات الوصول خطرة ووعرة لكن الشاعر يصر على العبور كما عبر الجيش المصري من قبل ماء قناة السويس والوصول إلى الجانب الأخر الذى ينبغي الوصول اليه والشاعر عاقد العزم على أن يصل بنا إلى شاطئ الأمان .. إلى شاطئ القصيدة.
يقول حسن حجازي ( شهر زاد : باعت نفسها للجلاد – من باب القصر – وعليه القميص المقدس – ينتظر إذن الحرافيش – في يوم الزينة – بدخول القصر – يوم اجتمع القوم – فهل يهدأ السامري ؟ ويترك أهل مصر ) ونحن نتساءل معه هل يهدأ السامري ويعلن توبته واقلاعه عن بث سمومه وحقده على أهل مصر ؟ أعتقد أن لا ولن يهدأ يا شاعر ولا نستطيع أن نمنى أو نخدع أنفسنا بهذا الهدوء ! وفى قصيدة أخرى يقول ( وتهون الأرض الا موضعا – أما الوطن فلم ولن يهن – ندع قيسا لليلى – يجوب البراري – ويندب عمرا – من شجن – فخفف الوطء – فأنت في أغلى بقعة – وفى أطهر وطن – فاخلع نعليك – واخفض جناحك – حتى تؤتمن – واضرب بعصاك – على تجار الدماء – وصناع الفتن – طهر تراب الوادي – فما عدنا نخشى العدا – ولا نؤمن بفرعون – ولم نعد نسجد لصنم – والأرض جميعا لله – ولعباده المخلصين – على مر الزمان ) الشاعر يعبر عن يقين ويحاول أن يدفع كل ما يزعج هذا اليقين الذى هو الوطن فبناء الانسان واعداده وتحصينه بالقيم والمبادئ الأصيلة .. أمر يشكل الجوهر والأساس الذي ينهض به الوطن وينتصر.
وفى قصيدة ( هذا الشعب ) يقول : هذا الشعب وديع كالحمل – صبور كالجمل – شامخ كالجبل – ضارب بجذوره – في التاريخ – عبر الزمن – يغفر ويصفح – لكنه ما عرف الضيم يوما – وما اعتراه الوهن ) صدقت يا شاعر يا بن مدينة ههيا بمحافظة الشرقية ، صدق وصفك فمصر دائما تبهر العالم بأبنائها وتلجم من يحاول أن يعبث بأمنها ويشكك في قدرة أبنائها على الاستمرار المقدس في الحياة!
في هذا المناخ الشعرى نطل على قصائد ذات لغة حيوية وهادفة تعود مرة إلى الماضي الخصب المملوء بالمشاهدات والصور الأولى وتمضى مرة ثانية إلى تساؤلات الحاضر ووسط هذا الزخم الشعرى نجد أنها فرصة حقيقية لأن نقرأ ما يجب أن يقرأ ، وأن نتوحد مع الشاعر في مشاعره وإرهاصاته .. وأن نشق طريقنا وألا يزعجنا ضجيج التمني . وندرك أن القصيدة الجميلة الأصلية قادرة على أن تجمع مشاعر الناس حولها ، وأن تثبت هويتها وترسخها في الوجدان وقصائد الشاعر حسن حجازي تنتمى لهذا النوع من القصائد ، تعلى قيم الجمال والأصالة وتدعوا كل الشعراء والمبدعين أن يتشبثوا بدورهم وألا يتخلوا … فهل يستجيبوا لذلك؟