مشكلة اللغة العربية
أ.د. محمد السعيد عبد المؤمن
مشكلة اللغة العربية في من يعلم اللغة العربية، لأنه لا يستطيع أن يجتذب تلامذته إليها. لقد نسوا جميعا قول رسول الله عليه السلام: أحب العربية لثلاث، لأني عربي والقرآن عربي ولسان أهل الجنة في الجنة عربي، فإن لم يكونوا يعرفون هذا الحديث فتلك مصيبة، وإن كانوا يعرفونه فالمصيبة أعظم، لأن تعليم اللعة العربية يقتضي عشقها، وتعلم اللغة العربية يقتضي محبتها، وهي محبة ليست من فراغ، لأنها أولا محبة الأصل والهوية والنسب والقومية والوحدة، وثانيا هي محبة الدين والله والرسول، وثالثا هي محبة الآخرة والجنة والتواصل مع الجنة من الدنيا إلى الآخرة. صحيح أن اللغة العربية من أصعب اللغات بل أصعبها على الإطلاق، لكن الصعب ثمنه غال وقيم، يدوم ليس إلى آخر العمر بل إلى الأبدية.
لعل صعوبة اللغة العربية بسبب كثرة ما تحمله من ثمار، وما تحتويه من عناصر، وما لها من أصالة عريقة جمعت لها من كل طيب عبر الزمان.
لعل صعوبة تحصيلها ترجع إلى النظرة المتخلفة إليها، سواء من ناحية المكانة باعتبار أنها فقدت مكانتها في العالم، بعد أن كانت لغته الأولى منذ تعريب الدواوين في عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان، أو من ناحية تخلف الناطقين بها منذ الاستعمار، أو من ناحية الإرادة الشعبية والسياسية التي لا تعرف قيمتها من ناحية ثالثة.
لقد زاد أهل العربية من صعوبتها عندما تقعروا في مناهجها وقواعدها واستخداماتها ومؤلفاتهم، مع أن أصل اللغة العربية هو الوضوح، وبهذا الوضوح في الأسلوب نزل القرآن الكريم (بلسان عربي مبين.. لسانا عربيا غير ذي عوج). من الغريب أن يقرأ الحفاظ القرآن الكريم صحيحا ثم يخطئون في اللغة العربية على المنبر! أزعم أن السبب في ذلك أنهم لم يتدبروا القرآن، هم لا يخطئون في تلاوة القرآن لأن الله سبحانه قد ضمن حفظه صحيحا بعيدا عن أية شائبة (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) لكنه ترك إجادته للثواب والعقاب. من الغريب أن بعض أساتذة اللغة العربية يتقعرون حتى في تفسيرهم كلمات واصطلاحات وعبارات القرآن الكريم، وهو ما يزيد البعد بين اللغة والقرآن والمتذوق والمتعلم، في حين يقول الله تعالى: ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر؟!
إن الكتابة أو الحديث بالفرانكو آراب عيب أي عيب، لا يدل على ثقافة صاحبه بقدر ما يدل على عدم تمكنه من اللغتين معا، فالقاعدة أن فاقد الشيء لا يعطيه، ولا يستطيع أن يترجم عن اللغة العربية أو إليها من لا يجيدها، وإلا أصبح كالترجمان الذي يعرف شيئا من هنا وشيئا من هناك ولكنه لا يجيد شيئا، مع أن الأصل في تعلم اللغة هو إجادتها، قال رسول الله عليه السلام: من تعلم لغة قوم أمن شرهم، فجلب الخير من تعلم اللغة بديهي، لكن الأمن من الشر يقتضي الإجادة لمعرفة خبايا اللغة، ومن يتحدثون بها، ويجيد قراءة ماوراء السطور.
هذا ليس معناه إهمال تعلم اللغات الأجنبية، لأن تعلمها فريضة، قال الله تعالى: ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا) ولا يتم التعارف الحقيقي إلا بتعلم اللغات. واللغة العربية أولى وأهم. لقد أصبحت الترجمة الآلية منتشرة في كل الوسائل الالكترونية، ولم يعد صعبا على أحد أن يترجم نصا إلى أية لغة من خلال الانترنت، وهو ما يجعل اللغة العربية أصلا نعتز به ونحبه ونباهي باستخدامه على وجهه الصحيح.