دراما يوسف بك وهبي.. سوسيولوجيا علاج الأوبئة الاجتماعية
بقلم/ د. نجلاء الورداني
يوسف بك عبد الله باشا وهبى مواليد الفيوم ١٨ يوليو عام ١٨٩٨، ولد على بحر يوسف ولهذا سمى باسمه تيمنًا به، فقد كان والده عبد الله باشا وهبى مفتش الرى، والذي تم على يديه تحويل آلاف الأفدنة من الأراضى الصحراوية إلى أراضي زراعية مصرية خصبة.
عشق يوسف وهبى الفن منذ الصغر، حيث تعلق به منذ أن رأى الفرق المسرحية الغربية المختلفة، فتمنى أن يقدم مثلهم، ولكن بأسلوب عربي يعبر عن المجتمع وصراعاته، فقام بإنشاء مسرح وفرقة رمسيس، والذي يعد أشهر وأفضل مسرح عرفه التاريخ العربي.
قدم به عددا كبيرا من الروايات بلغ عددها إلى ما يقرب من300 مسرحية، كان أشهرها كرسى الاعتراف، بيومى أفندى ، المائدة الخضراء، بنات الشوارع، أولاد الفقراء، خليفة الصياد، صلاح الدين الأيوبى، هارون الرشيد،وغيرها.
واستطاع بواسطة فنه أن يناقش قضايا مجتمعية مهمة كمحاربة الفساد والتدخين حتى أنه منع التدخين والخمور في مسرحه، فكان يوقع العقاب على من يلجأ لذلك.
وبالمثل حارب الاستعمار والابتذال، وشجع الكفاح والجد والعمل، وناقش مشكلات اجتماعية تمخضت من الواقع المجتمعي كأطفال الشوارع، الفقر، مجانية التعليم، التسول، الزيادة السكانية، الاهتمام بالإنجاب دون التربية والتعليم، الإدمان، زيادة الانتاج، الاهتمام بالأيدي العاملة، التركيز على الصناعة… ولم يكتف بهذا بل قدم الحلول والمعالجات الاجتماعية والسياسية لها، وكان بحق مستشرفا لما نتج من عواقب تجاهل هذه القضايا والمشكلات وما نجنيه الآن في حياتنا المعاصرة.
فنحن اليوم نعيش ما تحدث عنه وتنبأ بعواقبه، والمراقب لتزايد معدلات الفقر والبطالة والإدمان والزيادة السكانية والعشوائية والسفه والابتذال والاستهلاك الترفي الجنوني وقلة الانتاج وانخفاض الاستثمار وقلة الإدخار، يستطيع تقدير فن يوسف وهبي تقديرا يستحقه عن جدارة، فضلا عن تحسره على أيام هذا الزمن الجميل.
ولا أحد يستطيع أن ينكر دوره في دعم الفصحي العربية والارتفاع بمستوى التذوق اللغوي، والعبارات اللغوية الموسيقية، فقاوم ما انتشر قبله وبعده من فنون الابتذال وما تضمنته من أغانٍ ركزت على الغرائز الجنسية دون تحقيق عائد معنوي يذكر.
واستطاع تكوين شركة سينمائية باسم رمسيس فيلم عام (1930) بالتعاون مع محمد كريم، وهي التي بدأت أعمالها بفيلم زينب، ثم توالت الأعمال المهمة بعد ذلك، حيث كون ثنائي رائع مع الراحلة القديدة ليلى مراد قدم خلاله عددا من الأعمال السينمائية الهادفة في تاريخ الدراما المصرية والعربية، والتي حملت اسمها في أغلب الأعمال مثل: ليلى بنت الفقراء، وليلى بنت المدارس، وليلى بنت الأغنياء، وليلى بنت الريف، والأخير مجّد من خلاله المرأة الريفية ودورها في المجتمع.
ولم يقف عند هذا الحد بل كانت فرقته التى كونها تجوب بلدان العالم بأسره عربيًا ودوليًا فكان سفيرًا لمصر في أنحاء العالم، مما جعل الملك فاروق يخصص لفرقته راتبًا شهريًا قدره (1000) جنيه مصرى.
وكان لهذه العناية الملكية أثره على الفرقة فضمت عمالقة الفن المصري والعربي، الذين أثروا السينما المصرية بالعديد من الأعمال الهادفة والمهمة حتى وقتنا هذا.
إنه عميد المسرح العربي العملاق “يوسف بك وهبي” صاحب أكثر الأعمال خلودًا وقيمة، إذ تضمنت العظة والدفاع عن حقوق الضعفاء والمهمشين، ورصد السلوكيات السلبية والخاطئة والتحريض المستمر والفعال على تركها، فانتقل بنا من: سفير جهنم، إلى رجل لا ينام، ابن الحداد، الفنان العظيم، ملاك الرحمة، ضربة القدر، ليلة ممطرة، بنت ذوات، الأفوكاتو مديحة، أولاد الشوارع، أبناء الفقراء، حياة أو موت، إشاعة حب … وغيرها.
وكان لا بد من الرحيل، فانتقل إلى رحاب مولاه في ١٧ أكتوبر ١٩٨٢ عن عمر ناهز (84) عام بعد رحلة عطاء دامت أكثر من نصف قرن “فن وإبداع” أسهم فيها في محاربة والجرائم والانحرافات ومن ثمَّ نهضة المجتمع، وكان مسرحه منبرا للموعظة والعبرة، مما جعل العديد من النقاد والجمهور يلقبوه بـ “مبعوث العناية الإلهية”.