كتب أحمد آدم
حي “الجمالية” في القاهرة ، هو أحد أهم أحياء العاصمة القديمة ، يقع في قلب القاهرة الفاطمية وتمثل مساحته حوالي ٢.٥ % من مساحة القاهرة الحالية . ويحظى حي “الجمالية” بشهرة تاريخية وعالمية .
ويضم الحي العريق مجموعة من النفائس المعمارية الشاهدة على تاريخ المحروسة ، حتى ان التجول في هذا الشارع العتيق يعود بالمرء إلي حقب تاريخية قديمة ، فكأنك احد بطال قصص تاريخية قديمة او ربما بطل لإحدى روايات “نجيب محفوظ” ، فبمجرد الدخول فى حرم الشارع تشم روائح البخور الممتزجة بعبق التاريخ ، وسيقابلك قصر الغوري و ستلمح محلا للطرابيش ، لتذهب بعدها الي شارع الكحكيين وحارة الزيت نسبة إلى صناع الكحك وتجار الزيت ، كما يقع هناك جامع الفكهاني – الأفخر سابقاً- وفى وسط الشارع سبيل محمد علي وجامع المؤيد شيخ ، لترى بعد ذلك احد أشهر الابواب التاريخية وهو باب زويلة والذي شهد إعدام وفد من جيش التتار بقرار من السلطان قطز وكذلك شهد إعدام طومان باي آخر سلاطين المماليك.
ويلي البوابة شارع الخيامية بألوانه المتميزة وفنانيه المهرة . وبالطبع لن يفوتك زيارة الجامع الأزهر ،الذي يمثل عدة مراحل فى تاريخ مصر بدءا بالفاطميين منذ الف عام و حتى الآن ، كذلك لن يفوتك زيارة “خان الخليلي” وهو اشهر أسواق الشرق ويزيد عمر الخان عن ٦٠٠ عام ومازال معماره الأصيل باقياً على حاله منذ عصر المماليك وحتى الآن . هذا و لا ننسى ان الحي العريق يحوي الكثير من النفائس المعمارية الاخرى مثل جامع الحاكم بأمر الله، والجامع الأقمر والمدارس الأيوبية والمملوكية وأحياء الصاغة والنحاسين وغيرها .
هذا وقد خرج من حي “الجمالية” مفكرين وأدباء وعلي رأسهم الأديب العالمي “نجيب محفوظ” والذي ولد وتربى بين حواريه وأزقته وقال عنه : ” إن هذا الحي التاريخي حي الجمالية أو شياخة الجمالية ظل يأسرني داخله مدة طويلة من عمري وحتى بعد أن سكنت خارجه وحين استطعت أن أفك قيود أسره من حول عنقي ، لم يأت هذا ببساطة ،إنك تخرج منه لتعود إليه ، كأن هناك خيوطاً غير مرئية تشدك إليه وحين تعود إليه تنسى نفسك فيه ، فهذا الحي هو مصر ، تفوح منه رائحة التاريخ لتملأ أنفك، وتظل تستنشقها من دون ملل” .
اما عن تاريخ الحي العريق ، فقد بدأ “الجمالية” في الظهور عام ١٤٠٨ م ، عندما انتهك الأمير “جمال الدين يوسف الأستادار” أملاك الغير وحلّ الوقفيات في منطقة رحبة باب العيد أحد أجزاء القصر الفاطمي، لبناء مدرسته وقصره، ومن بعده سكنت عامة الشعب الحي ، فظهرت فيه الأزقة وتشعبت مع مرور الأيام ليظهر “الجمالية” ويؤدي دوره في تاريخ القاهرة المحروسة.
وعن “جمال الدين يوسف الاستادار” فهو من مواليد مدينة البيرة فى فلسطين عام ١٣٥١م ، لأب كان يعمل واعظا ، وبعد وفاة والده ، رباه خاله وتقدّمت به الحال حتى ارتبط بمجالس السلطان المملوكي “الناصر فرج” الذي نصّبه في عام ١٤٠٥م في وظيفة الاستادار – وتلك الوظيفة كانت معنية بتوزيع الجوامك والعليق والكسوة ، كما يقوم شاغلها برعاية أمر البيوت السلطانية كلها من المطابخ إلى احتياجات الحاشية والغلمان والتصرف التام في استدعاء ما يحتاجه كل بيت من بيوت السلطان من النفقات والكساوي وغيرها .
أطلق السلطان يد “جمال الدين” في شؤون الدولة، فتجبر وبغى ولم يسلم من شره عزيز أو ذليل واشتهر بالقسوة والظلم، وصادر أموال الناس وأخذ في طرد السكان من منازلهم وحل أوقاف بعض الأماكن ليبني مسجده وقصره . زاد ظلم “جمال الدين” على الحد ، بل وبدأ الاتصال بأعداء السلطان “فرج” ، فسارع الأخير إلى عزله وسلمه لخليفته في منصب الأستادارية الذي أخذ في معاقبته حتى مات خنقاً ، بعد أن استخرج من خزائنه أكثر من مليون دينار وكان يعدّ مبلغاً كبيراً في ذلك الوقت !