المصريون والنبوة
أ.د. محمد السعيد عبد المؤمن
إذا قلت أنا أنتمي إلى المصريين القدماء أو الفراعنة، فأنت سلالة النبي مصرايم بن نوح، ألا ترى أن المصري نسبة إليه، وأن المصريين أول من عرفوا التوحيد من أبيهم مصرايم! وإذا قلت أنا عربي فأنت من سلالة النبي إسماعيل بن إبراهيم وأمه هاجر المصرية.
أيا ما سميت به نفسك أيها المصري فأنت من نسل النبوة، من ثم فعليك أن تلتزم بهذا النسب وتفخر به، وليكن فكرك متوجها لهدي الأنبياء، ولا تجعل فكر العلمانيين يقودك إلى الضلال.
الفرق بين فكر النبوة والفكر العلماني كالفرق بين الروح والطاقة، فالروح هي الحياة، وبدونها يكون الموت، وبها يكون البعث، والطاقة أساس الحياة عند العلمانيين، إذا انطفأت توقفت الحياة، ولا بعث لها.
فكر النبوة مصدره إلهي، ملتزم بتعاليم الدين، قيمه ومحظوراته، توجهاته علوية سامية، آلياته نبيلة، حتى عندما دخل مجال الفلسفة، أعمل العقل في حدود الأطر التي وضعها الخالق، وحتى عندما دخل مجال التصوف، كان تصوف الشريعة ثم تصوف الطريقة.
أما الفكر العلماني فهو فكر مخترق للحدود والأبعاد، بما لا طاقة للبشر به، يسمح للعقل بمصاحبة الخيال تجاوز المنطق العقلي والصوري، توجهه ينحو لتأليه الإنسان، آلياته دعوة الرفض لما هو ممكن إلى ما هو مستحيل، التجربة المادية منطلقه إلى تطوير خيالي غائم. من ثم اختلط ظنه بفكره، وعلمه بخياله، فأوصله إلى تجاهل الروح في وعي الإنسان وحركته، وجعل الطاقة أساس هذا الوعي وهذه الحركة، رغم أن الطاقة مادة، وليست أكثر من آلية.
فكر العلمانيين يدور في دوائر غائية حول خلود الإنسان في الدنيا، وحول صناعة الخلق، باحثا عن الحياة في الكواكب، متجاهلا أن الله سبحانه خلق كل شيء، وقدره تقديرا، ولم يترك مجالا لخالق غيره، فمن أشرك نفسه أو اتخذ شريكا غيره كان فكره سرابا وعمله سرابا بقيعة يحسبها الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا، أو رمادا اشتدت به الريح في يوم عاصف، لا يقدرون على شيء مما كسبوا.
فكر النبوة فكر علمي بتوجيه إلهي ومنطق مستدل عليه، يتجاوز الآفاق دون خدش، ويصل إلى سدرة المنتهى باقتداء المعراج.
أفتتخذون نظريات الفكر العلماني قدوة ومنهجا، وتتخذون آلياته نبراسا وهاديا! وقد بيَّن الله لكم أرقى المناهج، وضرب لكم الأمثال بآلياتها.
فكرنا فكر النبوة، وهو لم يكن ولم يعد اتباعا للآخرين، ولا نقلا لعلم ليس لدينا عنه حديث، ولا شكلا نحصل به على رمز الجودة الدولية. إنما هو صناعة تحتاج إلى بناء، له أساسيات، كل عمود فيها نتاج فكر، تعلوها درجات من التطوير والإجادة والإبداع، في قمتها ثمرة دانية للعامة قبل الخاصة، وهو لله قبل البشر، وللوطن قبل المواطنين. هكذا كانت الأهرام أساسها التوحيد فصارت أول معجزات إنجازات العالم وسابقتها، وهكذا كانت الحضارة الإسلامية ممكنا في شكل مستحيل.
قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين.
ألا هل بلغت اللهم فاشهد.