الإتفاق الإيرانى الصينى وتغيرات الشرق الأوسط
أ.د.محمد السعيد عبد المؤمن
أستاذ الدراسات الإيرانية
تم فى إيران إقرار مسودة تفاهم لمدة خمسة وعشرين عاماً بين إيران والصين، وهو ما إعتبرته إيران دعماً قوياً للعلاقات الإستراتيجية الموثقة بين الدولتين، حيث يعتقد الإيرانيون أن إسم الصين يتداعى فى التاريخ الإيرانى منذ العصر الأسطورى، حيث كان طريق الحرير الذي بدأ منذ العصور القديمة بين الصين وإيران، وحقق إنجازات واضحة على مر العصور للبلدين، أما فى العصر الحديث فقد إتسعت العلاقات التجارية بشكل مستمر، والتي كانت بداية إذدهارها منذ مائتى عام، ثم تجاوزت العلاقات التجارية التجارة التقليدية إلى السلع الإستراتيجية كالنفط والأسلحة.
لقد رفعت إيران مستوى تعاملها مع الصين فى مواجهة العقوبات الغربية على إيران بالتدريج، وحسب ظروف العلاقات الغربية مع الصين، لكن توقيع مذكرة التفاهم لمدة ٢٥ عاماً يعتبر بداية لمسار جديد، كانت إيران تترقبه وتعمل من أجله، فى إطار شعار “النظر إلى الشرق” بعد انسحاب أمريكا من الاتفاق النووى، وفقدان الثقة بالغرب. لقد بدأ التفاهم بين إيران والصين خلال السنوات الأربع الماضية حول إمكانية إستثمار الصين فى إيران بمبلغ كبير، أوصلته الشائعات إلى حوالي أربعمائة مليار دولار، سواء فة مجال النفط أو السلاح أو جزيرة كيش، لكن هذه الأخبار لم تتأكد من المصادر المعنية، إلا أنها أثارت موجة من النقد، نتيجة الخوف من أن تصبح إيران مستعمرة صينية.
قام عباس موسوى المتحدث بإسم وزارة الخارجية الإيرانية بالرد على الشائعات التى تتهم النظام الإيرانى بمنح جزر إيرانية للإدارة الصينية، فكتب فى تغريدة له على موقع التواصل الإجتماعى “تويتر”: إن “برنامج التعاون الشامل بين إيران والصين” خارطة طريق واضحة وسكة أساسية للعلاقات بين البلدين المهمين فى عالم المستقبل؛ حيث أن الصين بصفتها القوة الإقتصادية الأولى فى العالم فى المستقبل القريب، وإيران بصفتها القوة الكبرى فى منطقة غرب آسيا، يمكنهما فى ظل علاقات مكملة ومستقلة عن القوى التقليدية والسلطوية الغربية، ضمان مصالحهما المشتركة والوقوف أمام ضغوط المتغطرسين. ليس هنالك لا منح جزر إيرانية، ولا تواجد قوات أجنبية، ولا سائر الأوهام!. إن الخدعة البالية لفبركة الأكاذيب، ونشر معلومات خاطئة للحصول على تفاصيل ومعلومات صحيحة، واللذين يتبعان جديا من قبل أعداء الشعبين، لن يحققا لهم شيئا.(صحيفة إيران فى ٧/٧/٢٠٢٠م)
كما فندت أمانة المجلس الأعلى الإيرانى للمناطق التجارية الحرة والإقتصادية، مزاعم تحدثت عن منح جزيرة كيش الواقعة بالخليج للصين. ورداً على شائعات منح أجزاء من الشواطئ الجنوبية، وجزيرة كيش للجانب الصيني، أوضحت الأمانة العامة للمجلس الأعلى للمناطق التجارية الحرة فى بيان لها، أن هذه الأخبار ليست ذات مصداقية وغير موثوقة، وثمة سوابق نشر مثل هذه الأكاذيب على صفحات بالفضاء المجازى لأشخاص مرتبطين بالخارج. إن الحفاظ على الإستقلال والوحدة الترابية للبلاد، أمر واضح ومشهود ويتقدم على كافة الأهداف، وأن كل أركان الدولة والأجهزة الحكومية تمضي بهذا الإتجاه. إن اتفاقية التعاون مع الصين لمدة 25 عاما، لاتنطوى على السرية، ولم يتم التعاقد الرسمي على منح أي أراض او موانئ حتى الآن.(صحيفة إيران فى٨/٧/٢٠٢٠م)
وحول أهمية الإتفاق مع الصين قال نائب رئيس لجنة الصناعة والتعدين فى البرلمان الإيرانى: إن الحدود البرية والبحرية المشتركة للبلاد مع 15 بلداً، فضلاً عن القواسم الثقافية يمنح فرصة ذهبية لتوطيد العلاقات الإقتصادية بين إيران وبلدان الجوار. إن بلدان الجوار تتوفر فيها أسواق إستهلاكية جيدة، وتعد مناسبة لتصدير السلع الإيرانية. إن الصين والهند إستخدمتا الدبلوماسية الإقتصادية بشكل جيد، ولهذا السبب نجحتا فى تصدير السلع إلى بلدان الجوار، لذلك ينبغي لإيران تعزيز نشاطاتها التجارية والتصديرية فى هذا السياق.(صحيفة إيران فى ٧/٧/٢٠٢٠م)
وفى إطار دعم الحكومة للاتفاق مع الصين، صرح الرئيس روحاني فى حديثه خلال إجتماع الحكومة اليوم الاربعاء بقوله: لدينا علاقات جيدة مع جميع دول الجوار ما عدا دولتين، وبالطبع لو أرادنا فإنه يمكن أن تكون علاقاتنا جيدة معهما أيضا. إن لنا علاقات جيدة مع أوروبا أيضا ما عدا أنهم لم يفوا بإلتزاماتهم (فى إطار الإتفاق النووى). لقد تحققت خلال الأعوام السبعة الأخيرة أعمال عظيمة وكبيرة جداً، حتى العدو إعترف بعظمتها، حيث تم إلغاء قرارات مجلس الأمن والفصل السابع التي كانت صادرة ضد البلاد، وكان ذلك إنتصاراً سياسياً للبلاد. إن الجمهورية الإسلامية تمكنت من غلق ملف PMD (الدراسات المزعومة حول الأبعاد العسكرية المحتملة للبرنامج النووى الإيرانى)، وتم حذف الجمهورية الإسلامية من القائمة السوداء لـ FATF (مجموعة العمل المالي الدولية) وتحققت معاهدة بحر قزوين، والإتفاق مع العراق على تنظيف نهر أروند. إن إيران قد تجاوزت الموجة الأولى من فيروس كورونا المستجد (كوفيد -19) قبل شهرين، وبعد فترة إنحسار المرض نواجه الآن الموجة الثانية، وسنعبر منها أيضا.(وكالة أنباء فارس فى ٨/٧/٢٠٢٠م)
ومن جانب آخر أكد سايمون واتكينس المحرر الإقتصادي البريطانى، نقلا عن مصادر إيرانية مطلعة أن إتفاق الخمسة وعشرين عاما بين إيران والصين تضمن بنوداً سرية في مجالات النفط والسلاح والمعلومات، وأن الزعيم خامنئي قد وافق على إقتراح قيادات جيش حراس الثورة على زيادة التعاون العسكري والإستخباراتى الواسع مع الصين خلال هذا الإتفاق، حيث يتم في الشهر القادم إجتماع المسئولين من الطرفين للتفاهم حول التفاصيل، ومن المتوقع أن يكون للمقاتلات الصينية والروسية وجود فى قواعد جوية فى مدن همدان وبندر عباس وجابهار وعبدان، فى مقابل إستفادة إيران من تجهيزات عسكرية الكترونية من أجل المواجهة لتهديدات حلف الناتو، خاصة فى منطقة الخليج.(راديو فرانسا فى ٨/٧/٢٠٢٠م)
ولعل ما ذكره المحرر البريطاني يعكس قلقاً واضحاً تجاه التعاون الثلاثي بين إيران وروسيا والصين، وخاصة أن هاتين الدولتين تدخلان منعطفاً منافساً بقوة للغرب فى مناطق النفوذ فى الشرق الأوسط، وهو ما يجعل المحللين يتوقعون حدوث تغييرات جوهرية فى الخريطة السياسية والإقتصادية والعسكرية لمنطقة الشرق الأوسط.