هل يقبل البرلمان الإيرانى رئيس الجمهورية وحكومته؟
أ.د. محمد السعيد عبد المؤمن
أستاذ الدراسات الإيرانية
ليست المرة الأولى التي يسعى فيها البرلمان الإيرانى للإطاحة برئيس الجمهورية وحكومتة، فقد سبق وأطاح بأول رئيس جمهورية فى إيران وهو أبوالحسن بنى صدر، بموافقة الزعيم الراحل آية الله الخمينى، بنفس الأسباب التى يتخذها البرلمان الحالى فى محاولتة الإطاحة بالرئيس حسن روحانى وحكومتة، رغم أن بعض المحللين السياسيين أكدوا أن ظروف الإطاحة بالرئيس الأول بنى صدر تختلف عن الظروف الحالية، حيث كان بنى صدر متهماً بالتقصير فى أزمة قضية الرهائن الأمريكيين، والحرب الطاحنة مع صدام حسين فى العراق، فضلا عن آلاف المشاكل المتعلقة بالإنقسام الداخلى. والإقتصاد إلا أن الظروف الحالية مع إختلافها عن الظروف السابقة تمثل ثقلاً ضاغطاً فى كافة الميادين الداخلية والخارجية، وتشكل منظومة من الأعباء التي لا تستطيع الحكومة الحالية أو سياسة رئيس الجمهورية أن تتحملها، من ثم فقد إرتفعت شعارات، منها على سبيل المثال: صححوا الأوضاع الاقتصادية المعقدة إما بعزل الحكومة وإجراء إنتخابات سريعة، وإما بالتعاون بدون شعارات. أو: الحكومة فى إنتظار الإقصاء من البرلمان. لماذا الرقابة الجادة على الحكومة أفضل من إقالة أكثر من وزيرين.
لقد كان وزير الخارجية محمد جواد ظريف أول كبش فداء فى مواجهة البرلمان، حيث واجة فى دفاعه عن السياسة الخارجية للحكومة نقداً واسعاً من أعضاء البرلمان، فقد إستغل النواب إثارة موضوع خروج أمريكا من الإتفاق النووي بين إيران والغرب وسيلة للنيل من السياسة الخارجية للحكومة، وكان من أقوى مهاجمية حجة الإسلام مجتبى ذو النورى رئيس لجنة الأمن القومى والسياسة الخارجية، فقد قال له فى جلسة علنية للبرلمان: أيها السيد ظريف إن مسار أهداف سياستنا الخارجية فى عهدكم كانت خطئاً منذ البداية، لقد أكد الزعيم المعظم مراراً أن السياسات العليا والسياسة الأصلية للنظام تؤكد على الإعتماد على القدرات الداخلية، وعدم الثقة فى أمريكا والغرب، لكنكم اشتغلتم على العكس، وتغاضيتم عن الداخل، ومن ثم لم تتحقق أهداف الشعب من المسار الذى حددتموه، إننا لا نعارض الدبلوماسية النشطة، ولا نعارض العلاقات مع العالم، ولا نقول بترك القضايا التي ينبغى أن تعرض على الأمم المتحدة، القضية هنا أننا لا ينبغى أن نخرج عن مسارنا، فى حين أنكم إنحرفتم عنه منذ البداية، ولم تحصلوا على ضمانات. لقد وضع الزعيم المعظم إثنى عشر شرطاً فى المباحثات، فلم لم تعملوا بهذه الشروط.(وكالة أنباء فارس فى ٥/٧/٢٠٢٠م)
لم يجد جواد ظريف فى رده على الإتهامات الموجة إليه إلا أن قال: إنني منفذ ولست سياسياً وإن كنت لم أصرح بذلك. يقول المحلل السياسي مهرداد خدير: إن مفهوم هذا التصريح من جانب وزير الخارجية أنه يتخذ موقع الدفاع، فى الوقت الذى يدرك فيه أن هذا الوضع لا يمكن تغييره، وعليه أن يصبر حتى الإنتخابات الرئاسية فى أمريكا حيث تتحدد السياسة الأمريكية تجاه الاتفاق النووى بذهاب ترامب أو بقائه. إن ظريف لم يقل سوى الواقع، ولم يكن لديه حيلة، وربما لم يدرك النواب الذين هاجموه لغة غير هذه.(صحيفة عصر إيران فى ٦/٧/٢٠٢٠م)
فى حين يقول المحلل السياسي الإصلاحى جعفر محمدي متهكماً: ما كان وزير الخارجية يمكن أن يلاقى كل هذا الأذى لو أنه إتخذ نسج الشعارات فى الداخل بدلاً من المباحثات فى الخارج، أو التملق فى الداخل بدلا من إضاعة جهده فى خداع الخارج. ومن الإنصاف أن أطرح على من هاجمة من أعضاء البرلمان سؤالين: ماذا كان ينبغى أن يفعل ظريف ولم يفعله؟ وماذا لم يكن على ظريف أن يفعله وفعله؟! وقد قال الإمام علي: زكاة القدرة الإنصاف.(صحيفة عصر إيران في٧/٢٠٢٠/٥م)
لقد كان أسوأ ما واجه وزير الخارجية محمد جواد ظريف أمام البرلمان هو إتهامه بالكذب، وقد رد على هذا الإتهام بقوله: إنكم تقولون إنى كاذب لكن الزعيم قال إن ظريف صادق! إن الزعيم هو من يحدد كل حركة النظام في مجال السياسة الخارجية، وأنا لم أحمل إلى الخارج أى من القضايا الداخليةقط، إن الأكثر أهمية من أي شيء الآن هو الإنسجام الداخلى، فليست السياسة الخارجية مجالًا لصراع الأحزاب والتيارات، حيث ينبغى إجتناب أى نوع من الخلاف الحزبى في هذه الساحة. أشكركم على حسن إستضافتكم! وإن كنتم لا تطيقون وجودي أستأذنكم فى الإنصراف.(وكالة أنباء إيسنا فى ٥/٧/٢٠٢٠م)
إزدادت المعركة سخونة مع قيام حجة الإسلام سيد ناصر موسوى ألأركانى بتقديم طرح البرلمان بمساءلة رئيس الجمهورية حسن روحانى عن القضايا الإقتصادية فى البلاد، ومنها فوضى سوق الإسكان والسيارات والتضخم وإنخفاض سعر العملة المحلية وزيادة أسعار الذهب.(وكالة أنباء فارس فى ٥/٧/٢٠٢٠م) يقول سعيد ليلاج خبير الشئون الإقتصادية: لقد كسر روحانى مصداق الإقتصاد بدون نفط، وينبغى أن تنتهى إزدواجية الإدارة.(صحيفة عصر إيران فى ٤/٧/٢٠٢٠م)
وحول الموقف بعد إستدعاء رئيس الجمهورية لمساءلته، وهو ما قد يترتب عليه سحب الثقة منه أو من وزيرين في حكومته، فتسقط الحكومة تلقائياً، ولا يكون أمام رئيس الجمهورية إلا طلب الإستفتاء أو التنحى أو الإقالة، تقول صحيفة تابناك فى تحليل لها: ليس أمام السلطتين التنفيذية والتشريعية أكثر من طريقين، أولها وأحسنها التعاون المثمر والمفتوح بينهما طوال السنة الباقية من عمر الحكومة من أجل حل كثير من المشكلات، أما السبيل الثاني فهو في حالة عدم قبول أى من السلطتين التعاون، يكون إقالة الحكومة بأسرع وقت، وتشكيل حكومة يمكنها التوافق مع البرلمان. لأنه إذا إستمر معدل زيادة السخط الجماهيرى فإنه لا الأصوليون ولا الإصلاحيون سيكونون قادرين على الحصول على دعم جماهيرى. وإذا أدرك البرلمان أن الحكومة الحالية ليست لديها طاقة أكثر مما تفعله لحل المشكلات، يكون من الضرورى إقالة هذه الحكومة، فليس هناك ما يمنع ألا تكمل الحكومة ثمانى سنوات فى الإدارة، خاصة مع توقيع أكثر من ١٤٠ عضوا من أعضاء البرلمان، وهى أغلبية، على قرار مساءلة رئيس الجمهورية.(صحيفة تابناك فى ٧/٧/٢٠٢٠م)
يقول على ربيعى المستشار السابق للرئيس حسن روحانى: إن أسلوب البرلمان فى مناقشة الأزمة لا يدعو للأمل، لكنه سوف يفتح فصلاً جديدًا للمجتمع المعاصر.(صحيفة تابناك فى ٧/٧/٢٠٢٠م)
إن مراجعة متأنية لحدة الهجوم الذى تواجهه الحكومة ورئيس الجمهورية من البرلمان، وقد إهتمت به أجهزة الإعلام والصحف اهتماماً بالغاً، وخاضت فى تفاصيله وتحليله وتوقعاته، بحيث أصبح فضيحة تنبئ بأحداث قاصمة، أو تدخل من الزعيم، تجعل الباحث يرى إحتمال إقالة رئيس الجمهورية وحكومته، وسوف تكشف الأحداث القادمة مع مساءلة الرئيس أو إمتناعه عن الحضور للبرلمان عدداً من التوقعات، وللحديث بقية.