تحليل إخباري بقلم/ أحمد تركي
كشف تفشي فيروس كورونا (كوفيد 19) في مختلف دول العالم بشكل مخيف، عن بروز ظواهر جديدة في العلاقات الدولية أهمها دبلوماسية السرقة والقرصنة، بعد أن تعمدت بعض الدول السطو على شحنات اللوازم الطبية لمواجهة الفيروس القاتل، التي تمر من بلادهم في مشهد يعيد زمن القرصنة من جديد.
حيث يعيش العالم في الآونة الأخيرة حرب عالمية، ولكنها حرب من نوع خاص – إنها حرب الإمدادات الطبية -، إذ دخلت العديد من الدول في حرب مفتوحة على المستلزمات الطبية اللازمة لمواجهة فيروس كورونا المستجد، بسبب النقص الحاد في المستلزمات الضرورية، ليس فقط في عدد أسرة المستشفيات المجهزة للعناية المركزة وأجهزة التنفس الصناعية، بل لمستلزمات أساسية مثل الأقنعة الواقية والقفازات الطبية وحتى مواد التطهير العادية.
ولعل هذه الظواهر الجديدة قد تكون البدايات الأولي لشكل النظام العالمي لما بعد جائحة كورونا، وهو ما يعني تغيير موازيين القوى في هيكل النظام العالمي المستجد، فقد لاتكون معايير القوى في التسلح والطائرات والجيوش العسكرية بقدر ما تقاس قوة الدول بتقدمها العلمي وانفاقها على منظومة الأبحاث العلمية والطبية، فقد كانت جائجة كورونا كاشفة عن مدى قدرة الدول على استيعاب الأزمة وإدارتها بشكل يتسق مع قرارات منظمة الصحة العالمية.
وكان وزير الخارجية الإيطالي أطلق نداء استغاثة قبل أيام مطالباً دول العلم بدعم بلاده التي تحتاج مثلا إلى “عشرات ملايين الأقنعة الواقية”، وتعاني دول البلقان المشكلة نفسها، ولا تجد أي دعم من دول أوروبا، وحسب بعض التقارير فإن دول البلقان ودول وسط أوروبا كلها تعاني نقصاً شديداً في المعدات والمواد والمستلزمات الطبية وتسعى للحصول عليها بأي طريقة.
هذا العجز الدولي لمواجهة كورونا فتح الباب أمام ممارسة بعض الدول لما يمكن تسميته بـ “دبلوماسية السرقة والقرصنة والسطو والتهريب” والتي وصلت إلى مياه المتوسط كما حدث مع السفينة المتجهة إلى تونس وعلى متنها مادة للتطهير.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل وصل إلى السطو على السفن والطائرات الحاملة للإمدادات الطبية، مع سيطرة لمبدأ المصالح والعلاقات في تبادل تلك الامدادات ، حيث أصبح العالم مسرحا مفتوحا لصراع عالمي، يشكل خريطة العالم ما بعد كورونا.
نماذج دولية صارخة
إزاء النقص والضغط على أنظمتها الصحية، سلكت بعض دول العالم طريقين لمواجهة هذا النقص في مستلزماتها الطبية، إما التخزين وإما القرصنة والسطو، وإما الاثنين معاً، فقد اتخذت عدد من الدول، بما في ذلك فرنسا وألمانيا وروسيا، إجراءات مثل تخزين الكمامات والمواد الخطرة أو معدات الوقاية الشخصية، وهذا يعني الحد من عمليات تصدير المعدات الطبية الواقية.
الأمر لم يتوقف عند تخزين الكمامات بل تخطاه إلى أبعد من ذلك، حيث أشارت تقارير إعلامية إلى أن تركيا لم تكتفي بحظر تصدير معدات الحماية والوقاية فحسب، ولكن أيضا بتراجعها عن المبيعات الأجنبية للكمامات التي استلمت أنقرة ثمنها بالفعل من كل من بلجيكا وإيطاليا.
وفي الوقت الذي دعا فيه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيرتش مختلف دول العالم لنبذ الحروب والنزاعات والتوحد لمواجهة جائحة كورونا، تفشت سياسات عدائية جديدة من بعض الدول تجاه نظرائها تتمثل في السطو على سفن المستلزمات الطبية والوقائية من الفيروس مثل “الكمامات الطبية والمطهرات وغيرها.
ومع تفاقم الأوضاع والخسائر والمخاوف، تدافعت الدول إلى اتخاذ إجراءات وتدابير لتأمين المعدات والتجهيزات اللازمة، مثل الكمامات واختبارات كشف الفيروس، وتمكن أمريكيون، من السيطرة على شحنة من كمامات الوجه، كانت في طريقها من الصين إلى فرنسا، التي تعد واحدة من أكثر المناطق في العالم معاناة بسبب بفيروس كورونا، حيث كانت الكمامات على متن طائرة تستعد للإقلاع من مطار شنغهاي.
كما اتُهمت الولايات المتحدة “بالقرصنة الحديثة” بعد تحويل مسار شحنة من الأقنعة الموجهة للشرطة الألمانية، وشرائها لوازم طبية بأسعار أعلى لقطع الطريق على دول أخرى فى السوق العالمية للحصول على معدات الحماية من فيروسات التاجية، جري تحويل مسار الشحنة إلى الولايات المتحدة أثناء نقلها بين الطائرات فى تايلاند.
ووصف أندرياس جيزيل، وزير داخلية ولاية برلين، التحويل بأنه “عمل من أعمال القرصنة الحديثة” وناشد الحكومة الألمانية مطالبة واشنطن بالامتثال لقواعد التجارة الدولية. وقال جيزل: “هذه ليست طريقة للتعامل مع شركاء عبر الأطلسى”. “حتى في أوقات الأزمات العالمية، يجب ألا تكون هناك طرق الغرب المتوحش”.
ومن جانبها أكدت إسبانيا أن تركيا استولت على طائرة قادمة من الصين محملة بمعدات طبية قامت إسبانيا بشرائها، واتهمت الخارجية الإسبانية تركيا بالاستيلاء على الطائرة التي كانت تحمل أجهزة التنفس ومعدات أخرى دفع ثمنها لعلاج مصابي فيروس كورونا.
وأكدت وزيرة الخارجية الإسبانية جونزاليس لايا، أن الحكومة التركية تحتجز في أنقرة شحنة من الإمدادات الطبية تم شراؤها من الصين منذ الأسبوع الماضي، مشيرة إلى أنها كانت قادمة لتقديم كافة المساعدات اللازمة التي تحتاجها إسبانيا لمواجهة فيروس كورونا.
لم تكن هذه أولي حالات القرصنة على الأدوات الطبية خلال أزمة كورونا، فإيطاليا التي تُعتبر من أكثر الدول تأثراً بكوفيد-19، وشهدت الآلاف من الإصابات، سُرقت منها شُحنة من الكمامات التي تبرعت لها بها الصين في جمهورية التشيك.
وأكدت تقارير فرنسية بأن جمهورية التشيك قامت، فعلاً، بالاستيلاء على شحنة من المعدات الطبية، تضم نحو 680 ألف قناع وأجهزة للتنفس، كانت موجهة من الصين لدعم إيطاليا لمواجهة فيروس كورونا المستجد.
وقد اعترفت جمهورية التشيك باستيلائها على شحنة كمامات من الصليب الأحمر من مقاطعة تشجيانج الصينية، والتي كانت مُتوجهة إلى العاصمة الإيطالية روما، وقالت على لسان وزارة الداخلية، بأن هناك “سوء فهم.. ولا مجال لإعادة المعدات بعدما تم توزيعها على المستشفيات في البلاد”.
كذلك اتهمت تونس إيطاليا بالاستيلاء على شحنة الكحول الطبية والتي كانت قادمة من الصين، في طريقها إلى تونس.
من يحكم العالم بعد كورونا؟
على ضوء هذه الظواهر المستجدة في العلاقات الدولية تواكباً ولمواجهة جائحة كورونا، بات التساؤل المهم هو من يحكم العالم بعد كورونا؟ وما هو شكل النظام العالمي الجديد وموازيين القوى فيه فيما بعد الجائحة؟
وفقاً لخبراء الاقتصاد، فإن مشهد النظام العالمي بعد كورونا سوف يختلف تماماً، وسوف تظهر قوى آخرى تؤثر على هيكل النظام الدولي المستجد، وفي هذا السياق يرى الخبير الاقتصادي طلال أبو غزاله، أن الحرب العالمية ستبدأ تدق طبولها بعد الإنتهاء من أزمة كورونا على خلفية التشابكات الحادثة بين الدول.
وقال غزالة “إن الأسوأ في العالم لم يأت بعد، ولا مفر من حرب يعقبها تفاوض لإعادة ترتيب أوضاع العالم”، مشيراً إلى أن الحرب هذه المرة لن تكون حرب للسيطرة أو الإحتلال أو الاستيلاء على مقدرات الطرف الثاني وثرواته، وتابع: إن الحرب ستكون بين قوتين عظمتين في العالم، هي الصين وأمريكا، مع امكانية وجود طرف ثالث مثل روسيا، بعدما بدأت الولايات المتحدة الأمريكية تفقد كثيرا من نفوذها لصالح الصين، الحرب هذه المرة ستكون على الظفر بـ “من يحكم العالم”.
وخلال الآونة الحالية يشهد العالم سباقاً محموماً على المعدات الطبية والكمامات الواقية من كورونا، مع تغيير عدد من الدول موقفها من أهمية ارتداء المواطنين أقنعة، إذ جاء التحول الأبرز من الولايات المتحدة، بعدما أكد الرئيس دونالد ترامب أن السلطات الصحية باتت تنصح الأمريكيين بوضع الأقنعة الواقية، وعزز هذه النصيحة الجهات الطبية في عدة دول غربية، الأمر الذي أثار سباقاً على شرائها من الصين، مصنّعها الأبرز، وهو ما أكده وزير الصحة الفرنسي أوليفيه فيران، كاشفاً أن بلاده قدمت طلباً لشراء نحو ملياري كمامة من الصين.
يبقى القول أن عمليات القرصنة ربما تظل مستمرة لحين انتهاء أزمة كورونا، ما لم يتم اتخاذ إجراءت صارمة ضد الدول التي تنفذ أعمال القرصنة، وقد تكون هذه الإجراءات الرادعة، إما في صورة فرض عقوبات، أو منع التعاون في حل أزمة كورونا مع الدول مرتكبة القرصنة.