كتب قمر الدعبوسي :
في يوم الثلاثاء الواحد والعشرين من الشهر الجاري يقام عُرسٌ أدبيٌّ نقديٌّ فريد، بكليتنا العامرة، يُدعَى إليه أهلُ الذوق والبلاغة، والنقد والأصالة، وذلك أن:
١ – الباحث هو: الباحث النيجيري المُميَّز الواعد
علي مصطفى لُون
وهو ليس باحثاً عادياً، ولكنه قد تمكن من العربية وآدابها تمكناً يجعلنا نحمد الله -تعالى- ونشكرُه أن جعل بلدنا بلد الأزهر الشريف؛ هذا المعهد الذي يأتي إليها هؤلاء الأفاضل من الناطقين بغير العربية، وإذ بهم رواد، شعراء، أئمة، دعاة إلى الله -تعالى- على بصير،ة ناشرون للدين الإسلامي الصحيح.
. إنَّ الذي جعل العَتيقَ مَثابَةً
جعل الكِنَانِيَّ المباركَ كوثرَا
هذا الباحث لا يكاد يرجع من محفل شعري في دولة، إلا ونراه على صفحات الفيس وقد غادر متوجهاً إلى أُخرى لحضور محفل شعري آخر، شاعرٌ مطبوع، شِعرُه رصين، محكمٌ عميق، كم مِن جوائزَ حَصَّلَ، وكم بِدرجات عُلا فاز!!
٢ – البحث الذي أعدَّه هذا الباحث ليحصُل به على درجة التخصص (الماجستير) يتعلق بشعر شاعر ناقدٍ عالمٍ بحر، يشهد بفضله وعلمه وخلقه القاصي والداني، الشرقي والغربي، العربي وغير العربي، ذلكم العلم الخفاق، الشاعر العملاق، أستاذ الأدب والنقد والبلاغة والأخلاق، الأستاذ الدكتور: محمد رجب البيومي، عليه من الله رحماتٌ بعدد ما علَّم، وبعدد مَن ربَّى، كلُّ مدح في حقه قاصر.
٣ – عنوان البحث يقود الفكر والخيال إلى جمال غير المتوقع من الكلام، لا سيما عند من لا يحصرون جمال التعبير بغير المتوقع في إيقاظ الفكر، ولفت الإنتباه، إنه (الإنزياح)، إنزياح الكلام عما يُتوقَّع أن يكون عليه، إلى غير المتوقع، ومن أمثلة هذا الإنزياح:
أ – قوله تعالى: (إني أراني أعصر خمرا)، والخمرُ لا يُعصَرُ، وإنما يُعصَر العنبُ، ثم بعد أطوار وأحوال يصير خمراً.
الباحث في مثل هذه التراكيب يحاول أن يصل إلى سبب ترك التعبير بلفظ (العنب)، أو قلْ: يحاول أن يصل إلى عِلة وقوع العَصر على الخمر، وحقُّه -أبدا- أن يقع على العنب.
ب – قوله تعالى: (وآتوا اليتامى أموالهم)، واليتامى لا يَأمر الدينُ الحنيفُ بإيتائهم أموالهَم إلا بعد بلوغهم سنَّ الرُّشد، وعندئذ تزول عنهم صفةُ اليُتْم، فكان المتوقَّع -إذن- أن يقول الله -تعالى-: (وآتوا الذين كانوا يتامى أموالهم).
والباحث في مثل هذا التركيب يحاول أن يصل إلى علة ترك التعبير القرآني وقوعَ الإيتاء على (الذين كانوا يتامى) إلى التعبير بوقوعه على (اليتامى).
ج – قوله تعالى: (يجعلون أصابعهم في آذانهم)، والأصابع لا تُجعلُ في الآذان، وإنما الذي يُجعلُ في الآذان هو الأنامل، أو قل: جزءٌ منها، والباحث في ذلك يحاول أن يصل إلى علة ترك القرآن الكريم التعبيرَ بالأنامل إلى الأصابع.
.
.
٤ – المناقِش الداخلي عالم كبير، ورجل صالح، كلما ذهبتَ إلى صرح من صروح العلم والدعوة سمعتَ في حقه كلاما يُبشِّرُ بأنه من أهل الله -تعالى- وخاصته، جمع بين الأصالة والحداثة، كلما هممتَ أن تجزم بأنه تراثي، سارعتَ فحكمتَ بأنه حداثي، وكلما هممت أن تحكم بأنه حداثي، سرعان ما تراجعت عن حكمك هذا بسبب تمكنه في الحديث، هذا الرجل من أولئك الذين لا يدخرون جهدا -بكل إخلاص- في أداء أعمالهم -كل أعمالهم- ابتغاءَ وجه الله -رب العالمين، متواضع كريم، عفيف اللسان، كلما رأيته يكلم أحدا ظننتَ أنه يكلم أكبرَ منه سناً وأوسع علما، الله يشهد أنني لم أذكر شيئا مما يستحقه من المدح والثناء، ذلكم العالِم العَلَم هو الأستاذ الدكتور مصطفى:عبد الرحمن القاضي، إبن محافظة الشرقية المحترم.
.
٥ – أما المناقش الخارجي -وهو من أهداف هذا النشر الرئيسة- فهو عالمٌ أزهريٌّ أصيل، يُمثل الأزهري القديم، من حيث إلمامه بجميع علومه بتمكن رائع، عالِمٌ نحويّ، وعالمٌ صرفيّ، وعالمٌ في التفسير، بل هو محقق لأعظم أمهات كتب التفسير، وفي الفقه لا يُبارى، وفي الحديث كأنه متخصص، في البلاغة كان يسأل الطلاب -وقت أن تزاملنا في التدريس في أرض الحرمين الشريفين- أسئلةُ أقول لهم: مِن أين لكم بهذه الأسئلة؟! فيقولون: سألنا إياه الدكتور: فلان.
هذا العلم هو الأستاذ الدكتور: زكريا عبد المجيد النوتى، لا تظنوا -أصدقائي- أنه متخصص في البلاغة فحسب، ولا في الفقه فحسب، ولا في اللغة فحسب، ولا في التفسير فحسب، ولا في المذاهب النقدية الحديثة فحسب، ولكنه مع ذلك قد تقلد من المناصب عمادة كلية العلوم الإسلامية، وفي العلم: عضوا في اللجنة العلمية الدائمة لترقية الأساتذة والأساتذة المساعدين في تخصص (الأدب والنقد) بجامعة الأزهر.
وهذا غَيْضٌ من فيض من سيرة هذا العالم الكبير.
.
٦ – وقبل ذلك كله المشرف على هذه الرسالة، عالم أديب أريب، طاف بعصور الأدب عصراً عصراً، وبيئاته بيئةً بيئة، فألَّف ما ألَّف، وأشرف على ما أشرف، وناقش ما ناقش، ذلكم العالم الأديب الناقد الأستاذ الدكتور: محمد حسن عبد اللطيف.
.
.
هنيئا للباحث، وهنيئا للأزهر أن خرَّج مثلَه، وهنيئا لكليتنا أن تضيف إلى منجزاتها عملاً علمياً جليلاً، على يد شاعر ناقد أديب، بمناقشة هذين العَلمين الكبيرين، وذلكم المشرف العالم الكبير.
.
. (قُمْ) من الإقامة، أقام يقيم.
. و(قمْ) من القيام، فلا تجلس.
س – أين يقوم وأين يقيم يا أمير الشعراء؟
ج – في فم الدنيا!
س – فم الدنيا؟!
ج – نعم، حيث التحدث والمدح والثناء والذكر الحسن، موضع صناعة الكلام، والنطق به.
= وحَيِّ الأزهرا.
هكذا يجب أن تكون إذا أردت أن تحيي الأزهرا، وإذا فعلت ذلك فأنت لا محالة تقوم وتقيم في فم الدنيا كلها، فالكلام كله معك، والثناء كله معك، والفصاحة كلها معك.
= أُحَيِّيكَ أُحَيِّيك:
يا مَعهدًا أفنَى القرونَ جِدارُهُ
. وطوى اللياليَ رُكْنُه والأعصُرَا
الدعوة عامة لكل المتأدِّبين، بل والمؤدِّبين، لكل النقاد والباحثين، لكل المهتمين بالأزهر وعلومه، هلموا إلى مأدبة خاصة قلما تتوفر بتلك الأركان.
.
موفق يا علي يا ابن مصطفى لُون، أيها النيجيري الشاعر المهذب الخلوق..