الطبقية والعنصرية والمعايير الإلهية
أ.د. محمد السعيد عبد المؤمن
الطبقية هي الانتماء لطبقة ما في المجتمع البشري، والعنصرية انتماء لعنصر بشري. العنصر خلق الله، لكن التقسيم العنصري يحرمه الله، فلا فضل لعربي على عجمي ولا أبيض على أسود ولا أصفر على أحمر إلا بالتقوى، فالكل يرجع لآدم أبي البشر. أما الطبقية فهي تقسيم إلهي، شمل كافة مخلوقات الله، من الناس والملائكة والجن، وحتى النبات والحيوانات، بل والسماوات والأراضين. وقد خلطت النظم السياسية بين العنصرية والطبقية، حتى صارتا بنفس المعايير الحمقاء، حيث خرجت علينا النظم البشرية من ديمقراطية واشتراكية، من ليبرالية وعلمانية بتقسيمات طبقية وعنصرية تمثل اجتهادات موجهة بأفكار مادية أو فلسفية مطلقة.
في حين أنها تفرق بين العناصر بظلم واضح، وتخالف وتشوه الطبقية التي وضع الله أسسها ومعاييرها لكافة مخلوقاته، ومن ثم لا ينبغي أن ننخدع بشعارات ليبرالية أو علمانية حول الحرية والمساواة والتفرقة الطبقية، أو التفرقة العنصرية، ولا نرضى بأن يعاملنا الغرب أو الشرق وفق معاييره الأنانية، بل علينا أن نرجع إلى ما أقره الله في سنته الكونية، وما أمر به في هذا التصنيف والتقسيم الإلهي.
لقد جعل الله سبحانه العنصرية من أب واحد وأم واحدة، فلا معنى للتفرقة العنصرية، وتباهي عنصر على عنصر آخر، في حين انبثقت الطبقية التي أقرها الله من أسس الخَلق التي تدل على تفرده ووحدانيته، وقدرته العلمية على التنويع، وعدم التشابه بين الخلق، وسنته التي تضمن تطور الخلق واستمراره إلى أجل مسمى حدده سبحانه، لقد خلق الله السموات والأرض طبقات، يقول تعالى: ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات وهو بكل شيء عليم.(البقرة٢٩) ويقول: ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقا.(نوح١٥) ويقول: الذي خلق سبع سماوات طباقا ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت.(الملك٣) ويقول: ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق وما كنا عن الخلق غافلين.(المؤمنون١٧) ويقول: لتركبن طبقا عن طبق.(الانشقاق١٩) ويقول تعالى: الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن.(الطلاق١٢)
والطبقية أيضا في خلق الماء أساس الحياة، يقول سبحانه: وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج.(فاطر١٢)
كما شملت التفرقة بين الملائكة حسب تخصاصتهم، وبين الجن حسب سلوكهم، يقول تعالى: وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك كنا طرائق قددا(الجن١١)
كذلك خلق الله سبحانه البشر أطوارا، يقول تعالى: مالكم لا ترجون لله وقارا، وقد خلقكم أطوارا.(نوح١٣،١٤) بل وجعلهم درجات، يقول تعالى: وهو الذي جعلكم خلائف في الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم فيما آتاكم.(الأنعام١٦٥)
حتى الرسل والأنبياء جعلهم الله درجات، يقول تعالى: تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات.(البقرة٢٥٣)
وجعل الرجال قوامين على النساء، فرفع طبقتهم، يقول تعالى: وللرجال عليهن درجة.(البقرة٢٢٨)
من ثم فقد وضع الله سبحانه معايير للطبقية، كان التفريق فيها بين الخلق مسبَّبا ومعللا وحاكما، وجعل انتقال أي مخلوق من طبقة إلى طبقة وفق جهد المخلوق في تغيير ما هو عليه، يقول تعالى: إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.(الرعد١١) ويقول تعالى: ذلك أن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.(الأنفال٥٣)
ورغم أن الله الخالق سبحانه، وهو صاحب الأمر على خلقه، يرفع درجات من يشاء، كما في قوله: نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم.(الأنعام ٨٣) وقوله: نرفع درجات من نشاء وفوق كل ذي علم عليم.(يوسف ٧٦) إلا أنه وضع معايير وقواعد ثابتة وعادلة، ألزم نفسه بها عند التقسيم، بل وجعل لها آيات واضحة، يقول تعالى: وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها.(الزخرف ٤٨) ولتوضيح الأسباب يقول تعالى: قل هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات والنور.(الرعد ١٦) ويقول تعالى: لا يستوون عند الله.(التوبة١٩.) ويقول تعالى: هل يستوي هو ومن يأمربالعدل وهو على صراط مستقيم.(النحل ٧٦) ويقول تعالى: ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل هل يستويان مثلا.(الزمر٢٩) يقول تعالى: ليسوا سواء(آل عمران١١٣)
وقد وضع سبحانه العلم من أهم معايير الطبقية، وهو ما لا يحتاج إلى تبرير، يقول تعالى: يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات.(المجادلة١١)
كما جعل الجهاد في سبيل الله في أية ساحة معيارا آخر، يقول تعالى: فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة.(النساء٩٥)
ويأتي العمل الجاد المخلص والمجيد معيارا أساسيا للتفرقة بين الناس، يقول تعالى: ولكل درجات مما عملوا وما ربك بغافل عما يعملون.(الأنعام١٣٢)
كذلك يأتي الإنفاق في سبيل الله والصدقات من المعايير الأساسية، يقول تعالى: إلا من آمن وعمل صالحا فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات آمنون.(سبأ٣٧) ويقول: لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا.(الحديد١٠)
ويقول: هل جزاء الإحسان إلا الإحسان.(الرحمن٦٠) وقوله تعالى: ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون.(الحشر٩)(التغابن١٦)
كما يأتي التخصص أو تقسيم المعيشة حسب التعبير القرآني أحد المعايير الأساسية، يقول تعالى: أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا.(الزخرف٣٢) أي ليخدم بعضهم بعضا، وليقدموا لبعضهم احتياجاتهم، وذلك كمقياس لمدى عبوديهم لله، وتنفيذهم لأوامره.
من هنا فكما جعل الله سبحانه الدنيا طبقات، فقد جعل الآخرة طبقات أيضا، يقول تعالى: وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا.(الإسراء٢١) ويقول تعالى: وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات.(الأنعام١٤١)
هكذا جعل الجنة درجات، والتقسيم على هذه الدرجات له أيضا معايير، يقول تعالى: ومن يأته مؤمنا قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلى.(طه٧٥) ويقول تعالى: ولمن خاف مقام ربه جنتان.(الرحمن٤٦) ويقول: ومن دونهما جنتان(الرحمن ٦٢) ويقول: الذين آيتناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون، وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا ويدرءون بالحسنة السيئة ومما رزقناهم ينفقون.(القصص٥٤)
وكما جعل الله سبحانه الجنة درجات، جعل فروقا فيما تضمنته حسب ما يستحق كل من دخل الجنة، يقول تعالى: وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار.(البقرة٢٥) أي جنات على شواطئ الأنهار، ويقول تعالى: إن المتقين في جنات وعيون(الحجر ٤٥) ويقول تعالى: جنات عدن يدخلونها.(النحل ٣١) ويقول تعالى: كانت لهم جنات الفردوس نزلا.(الكهف١٠٧) ويقول تعالى: فالذين آمنوا وعملوا الصالحات في جنات النعيم.(الحج٥٦) ويقول تعالى: إن المتقين في جنات ونهر.(القمر٥٤) أي يتخللها نهر، ويقول تعالى: وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فها أبدا.(التوبة١٠٠) أي جنات عائمة في الأنهار.
وتتميز الجنة مع اختلاف درجاتها بأن من يدخلها يتمتع بصفات خاصة تجعله سعيدا بهذا المكان بغض النظر عن طبقته، يقول تعالى: ونزعنا ما في صدورهم من غل تجري من تحتهم الأنهار.(الأعراف٤٣) ويقول تعالى: ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين.(الحجر٤٧)
وكما جعل الله تعالى الجنة درجات، فقد جعل في الآخرة العذاب درجات، فجهنم جحيم من نار لها درجات، يقول تعالى: يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام.(الرحمن٤١) ويقول تعالى: لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش.(الأعراف٤١) ويقول تعالى: يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم.(التوبة٣٥) ويقول تعالى: من ورائه جهنم ويسقى من ماء صديد.(إبراهيم١٦) ويقول تعالى: إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا.(النساء١٤٥)
إن ما حدده الله سبحانه في قرآنه الكريم من موقف تجاه العنصرية، ومن تقسيم للطبقات ومعايير لهذا التقسيم، هو واجب الاتباع، والخروج عنه أ اتباع معايير الغرب والشرق فسق ونفاق، فاتقوا الله عباد الله حتي لا يصيبكم ما أصاب فرعون موسى من العقاب في الدنيا والعذاب في الآخرة.