مذكرات موشي دايان
قراءة نقدية بقلم/ د. منى بركات
من النادر ان تقرأ مذكرات لإنسان ما في موقع المسؤولية، أو غيرها، وتجده موضوعيا، وصادقا في سرد الوقائع على حقيقتها.
لكن هذا الاستنتاج، أو العامل ليس كل ما يصيب المذكرات من نواقص وعيوب، بل هناك مذكرات يميل أصحابها لإسقاط رغباتهم، وغاياتهم على ما يدعون.
كما يوجد عامل آخر يعيب ويشوه تلك المذكرات، حين يقوم البعض بنفي وشطب، وعدم ذكر أشخاص لازموهم في تجربتهم، وصورهم منشورة في سياق العرض لسيرورة المذكرات، ومع ذلك يقومون بشطبهم، أو إغفال ذكرهم، إلآ إذا لم يكن مفر من ذلك، فيذكرونهم لماما، وكأنهم صفر على الهامش. بالإضافة لقيامهم بشطب محطات كبيرة من حياتهم، لأنها لا تنسجم مع الرغائبية الشخصية، وتتصادم مع صورة الذات في المخيلة الافتراضية في المستقبل.
وقد يكون هناك عدة نقاط ضعف في مدونات المذكرات الشخصية ليس هنا المجال لذكرها.
أوردت عددا من النواقص في كتابة المذكرات الشخصية إرتباطا بما سأدونه الآن عن قراءتي لمذكرات موشي دايان، وزير حرب دولة الاستعمار الإسرائيلية، التي صدرت بعنوان داخلي “قصة حياتي” عن دار الخلود للتراث الطبعة الأولى عام 2011/ القاهرة، إعداد الحسيني الحسيني معدي، وجاءت المذكرات في 432 صفحة من القطع المتوسط.
ومن بين أهم نواقص الطبعة الأخطاء الإملائية، والترجمة غير الدقيقة في بعض المفاصل، وهي موجودة إجمالا في كل الفصول.
لكن النص ورسالته بالمحصلة واضحة ومفهومة. إضافة إلى ملاحظة للمعد الحسيني، الذي ادعى، أنه المؤلف، وتناسى أن الكتاب من تأليف صاحب المذكرات، وهذة نقيصة بحق دار النشر والمعد أو المترجم، وهي من النواقص، التي لا تغتفر، ولا يجوز تمريرها.
يبدأ موشي دايان مذكراته في المقدمة بذكر تاريخ ميلاده في 20 مايو 1915 في مستعمرة “دغانيا” لأبوين صهيونيين هاجرا لفلسطين من أوكرانيا، وتلقى تعليمه في مستعمرة “ناحلال”، ولهاتين المستعمرتين في الجليل الفلسطيني الأعلى دور في محطات ديان المختلفة.
وحرص على ذكر تسميته باسم “موشي”، الذي يعود لأول صهيوني قتل دفاعا عن فكرة الاستعمار الصهيوني لفلسطين، ويدعى موشى بارسكي. وهو أيضا مستعمر جاء من قريته في روسيا للاستيطان في فلسطين في نفس الكيبوتس، الذي ولد فيه ديان، وربط ذلك بشعار “أرض المعياد”. وهذه من الثوابت في عرضه لسيرورة حياته، والتي تحمل إسقاطا رغائبيا على علاقته وعلاقة كل المستعمرين الصهاينة بالرواية الزائفة والمفبركة لتعميم وترسيخ الفكرة في وعي المضللين من اليهود. لا سيما وأن لا صلة لهؤلاء ذات الأصول الخزارية بفلسطين.
طبعا لا مجال في هذه العجالة تغطية المحطات، التي توقف عندها ديان. لكن سأحاول تسليط الضوء على ابرز النقاط الواردة في مذكراته، ومنها أولا في مسيرته ضمن منظمة “الهاجاناة” إبراز قدراته الفردية، مع توليه مسؤولية تدريب المستعمرين الآخرين للالتحاق بالعصابات الصهيونية؛ ثانيا رغم الدورالاستراتيجي الذي لعبته بريطانيا في تأمين المناخ والشروط السياسية والقانونية والاقتصادية للهجرة الصهيونية لفلسطين، وإقامة الكيان الصهيوني، ودورها في خلق وإنشاء الجيش الإسرائيلي من خلال مدهم بالسلاح، وتدريبهم والحاقهم بالجيش البريطاني قبل الحرب العالمية الثانية وأثنائها، ومشاركته هو شخصيا في القتال في الحرب، غير أنه بين الفينة والأخرى يحاول أن يوحي، وكأن بريطانيا تعمل ضدهم، والجميع يذكر الرواية الإسرائيلية، التي يسردها الصهاينة عن “القتال” ضد الجيش البريطاني بذريعة، أنه يحاول “تقويض” مشروعهم؛ ثالثا حتى في حرب السويس ومن خلال عرض ديان للمفاوضات مع الفرنسيين والبريطانيين عشية حرب السويس عام 1956 يشير بشكل مفرط بالكذب عن دورهم الأساسي في الحرب، ويظهر الدور البريطاني والفرنسي، كأنه دور ثانوي؛ رابعا كذلك الأمر في حرب حزيران 1967 يسعى لتجاهل الدور الأميركي المركزي في دعمهم، ويشير بشكل واضح إلى أنهم يكادوا أن يتقاعصوا عن إمدادهم بالسلاح. مع أنه يعترف في السياق بذلك، ولكن يأتي متأخرا؛ خامسا والأمر ذاته في حرب أكتوبر 1973 يتخذ ذات التوجه. مع أن العالم أجمع يعلم علم اليقين، أنه لولا تدخل إدارة نيكسون، ودور هنري كيسنجر اليهودي الصهيوني لما أمكن لإسرائيل أن تحقق أي إنجاز عسكري؛ سادسا في كل الحروب السابقة 1948 و1956 و1967 يظهر دوره بشكل متميز، ورئيسي في كل المعارك، إلا أنه في حرب 1973 يحاول أن يبرىء نفسه بهذا القدر أو ذاك باعتبار أن المسؤولية الأساسية تقع على عاتق رئيس الأركان فؤاد بن اليعازر. رغم اعترافه بالتقصير؛ سابعا وبعد احتلال الضفة وغزة يسلط الضوء على دوره المركزي، ولا يشير من قريب أو بعيد لمشروع إيغال آلون السياسي؛ ثامنا في كل المحطات التاريخية، كما ذكرت من البداية دائما يستحضر التوراة وأسفارها بغائية واضحة للتأكيد على العلاقة بين الرواية السياسية المزورة والعهد القديم والعلاقة مع أرض فلسطين التاريخية؛ تاسعا في كل مسيرته التاريخية يحاول الإشارة لدوره في استثمار واستغلال دور الفلسطينيين والعرب المتعاونين معهم لترسيخ المشروع الصهيوني … إلخ
مذكرات موشي دايان نموذج لمذكرات القادة الصهاينة، والتفاوت بينهم نسبي. حيث تتسم كتابته لها باقتطاع المراحل التاريخية، التي لا تستجيب لغائيته الإستعمارية والشخصية. ولكن من الضروري الإطلاع عليها والإستفادة منها في قراءة العقل الصهيوني.