شبهات وردود (6)
هل نزل القراّن بلسان أعجمى؟
د. محمد العربي
جاء فى سورة الشعراء : ( نزل به الروح الأمين *على قلبك لتكون من المنذرين *بلسان عربى مبين ) ، وجاء في سورة الزمر : (قراّنا عربيا غير ذى عوج ) وجاء فى سورة الدخان: (فإنما يسرناه بلسانك لعلهم يتذكرون ) وجاء في سورة النحل: ( ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذى يلحدون إليه أعجمى وهذا لسان عربى مبين ).
ونحن نسأل: كيف يكون القراّن عربياً مبيناً ، وبه كلمات أعجميه كثيرة ، من فارسية ، وأشورية ، وسريانية ، وعبرية ، ويونانيه ، ومصرية ، وحبشة ، وغيرهما ؟
هذا نص الشبهة الواردة في هذا الصدد ، وتأكيدا لهذه الشبهة ذكروا الكلمات الأعجمية – حسب زعمهم – التي وردت في القرآن الكريم وهي : آدم – أباريق – إبراهيم – أرائك – استبرق- إنجيل- تابوت ۔ توراة – جهنم – حبر – حور ۔ زکاة – زنجبيل – سبت – سجيل – سرادق – سكينة – سورة – صراط – طاغوت – عدن – فرعون – فردوس – ماعون – مشكاة – مقالید – ماروت – هاروت – الله .
الرد على الشبهة:
هذه هى شبهتهم الواهية ، التى بنوا عليها دعوى ضخمة ولكنها جوفاء ، وهى نفى أن يكون القراّن عربياً.. ومثلهم في ذلك كمثل الذى يهم أن يعبر أحد المحيطات على قارب بوص ، لا يلبث أن تتقاذفه الأمواج ، فإذا هو غارق لا محالة .
ولن نطيل الوقوف أمام هذه الشبهة ، لأنها منهارة من أساسها بآفة الوهن الذي بنيت عليه ونكتفى في الرد عليها بالآتی :
– إن وجود مفردات غير عربية الأصل في القرآن أمر أقر به علماء المسلمين قديما وحديثا ، ومن أنكره منهم مثل الإمام الشافعی کان لإنکاره وجه مقبول سنذكره فيما يأتى إن شاء الله .
– ونحن من اليسير علينا أن نذكر كلمات أخرى وردت في القران غير عربية الأصل ، مثل : “منسأة ” بمعنى عصى فى سورة سبأ ومثل ” اليمَّ ” بمعنى النهر فى سورة القصص وغيرها .
– إن كل ما في القرآن من كلمات غير عربية الأصل إنما هی مفردات ، أسماء أعلام مثل : إبراهيم ، يعقوب ، إسحاق ، فرعون ، وهذه أعلام أشخاص ، أو صفات مثل : طاغوت ، حبر اذا سلمنا أن كلمة ” طاغوت “أعجمية .
– إن القرآن يخلو تماما من تراكيب غير عربية ، فليس فيه جملة واحدة إسمية ، أو فعلية من غير اللغة العربية .
– إن وجود مفردات أجنبية في أي لغة سواء كانت اللغة العربية أو غير العربية لا يخرج تلك اللغة عن أصالتها ، ومن المعروف أن الأسماء لا تترجم إلى اللغة التي تستعملها حتى الآن فالمتحدث بالإنجليزية إذا احتاج إلى ذكر اسم من لغة غير لغته ، يذكره برسمه ونطقه في لغته الأصلية ومن هذا ما نسمعه الآن في نشرات الأخبار باللغات الأجنبية فى مصر .
فإنها تنطق الأسماء العربية نطقاً عربياً ولا يقال : إن نشرة الأخبار ليست باللغة الفرنسية أو الإنجليزية مثلا ، لمجرد أن بعض المفردات فيها نطقت بلغة أخرى .
والمؤلفات العلمية والأدبية الحديثة التي تكتب باللغة العربية ويكثر فيها مؤلفوها من ذكر الأسماء الأجنبية والمصادر التي نقلوا عنها ، ويرسمونها بالأحرف الأجنبيه والنطق الأجنبى لا يقال: إنها مكتوبة بغير اللغة العربية لمجرد أن بعض الكلمات الأجنبية وردت فيها ، والعكس صحيح.
ومثيرو هذه الشبهة يعرفون ذلك كما يعرفون أنفسهم فکان حريًا بهم ألا يتمادوا في هذا اللغو الساقط إما إحتراماً لأنفسهم ، وإما خجلاً من ذكر ما يثير الضحك منهم.
– إنهم مسرفون فى تسمية بعض هذه المفردات التى ذكروها وعروها إلى غير العربية:
فالزكاة والسكينة ، وآدم والحور، والسبت والسورة، ومقاليد، وعدن، والله، كل هذه مفردات عربية أصيلة لها جذور لغوية عريقة في اللغه العربيه، وقد ورد فى المعاجم العربية وكتب فقه اللغة وغيرها تأصيل هذه الكلمات عربياً فمثلا: الزكاة من زكا يزكو فهو زاك وأصل هذه المادة في الطهر والنماء، وكذلك السكينة بمعنى الثبات والقرار ضد الاضطراب لها جذر لغوى عميق في اللغة العربية، يقال: سكن بمعنى أقام، ويتفرع عنه: يسكن ، ساكن ، مسکن ، اسكن.
– إن هذه المفردات غير العربية التي وردت في القرآن الكريم ولم تكن عربية في أصل الوضع اللغوى فهي عربية باستعمال العرب لها قبل عصر نزول القرآن وفيه.. وكانت سائغة ومستعملة بكثرة في اللسان العربى قبل نزول القرآن وبهذا الاستعمال فارقت أصلها غير العربي وغدت عربية نطقا واستعمالاً وخطاً.
إذن فورودها في القرآن مع قلتها وندرتها إذا ما قيمت بعدد كلمات القراّن لا يخرج القرآن عن كونه ” بلسان عربي مبين” .
ومن أكذب الادعاءات أن يقال: إن لفظ الجلالة “الله” عبرى أو سريانى وإن القرآن أخذه عن هاتين اللغتين:
لكن العبرية مثلاً تطلق على “الله” عدة إطلاقات، مثل ايل، الوهيم، وأدونای، ويهوا أو يهوذا فأين هذه الألفاط من کلمة “الله” في اللغة العربية؟
وفي اللغة اليونانية التي ترجمت منها الأناجيل إلى اللغة العربية حيت نجد الله فيها “الوي” وقد وردت في بعض الأناجيل يذكرها عيسى عليه السلام مستغيثاً بربه هكذا “الوى الوى” وترجمتها إلهى إلهى.
إن نفى عروبه القراّن بناء على هذه الشبهه الواهيه أشبه ما يكون بمشهد خرافى فى أدب اللامعقول.