نبهتنا إنتخابات نقابة الصحفيين التى إنتهت بالأمس ومازلنا نتعايش مع أجوائها لحقائق كثيره ، أهمها هذا التنافس الشرس الذى لم يحدث من قبل بين النقيب السابق عبدالمحسن سلامه ، والنقيب الحالى الفائز خالد البلشى ، وكذلك أعضاء مجلس النقابه ، ليقين الجميع أنه لاتزوير ، ولامظله تدعم مرشح ولو بغطاء مغلف ، وأن الإراده الحقيقيه عندما يتعايشها الناس تفرز قامات بحق ، وتكسب المنافس الخاسر إحتراما أشد ، ولو أدرك المرشحون أنهم ينعمون بتلك المظله ماأبدع أحدا فيهم وهو يتناول هموم الصحافه ورؤيته فى تجاوزها ، ومعاناة الصحفيين والمصداقيه فى رفعها عنهم ، وما وجدنا قامات بين المرشحين ينالوا كل الإحترام ، لأنهم ليسوا إلا مجرد أشخاص تم الدفع بهم وسيفوزوا والسلام رغما عن الجميع ، وما أدركت الجماعه الصحفيه بوجود فرض مرشح ماأتعب أحدا نفسه وذهب للإدلاء بالصوت أو يكون طرفا فى الدعاية لمرشح ، بل إن المرشح المحظوظ لن يطرح برنامج أو يناقش قضيه ، أو حتى يتواصل مع أى زميل صحفى ، يضاف إلى ذلك أن الكاسب بنزاهة ، والخاسر بشرف وكل الجماعه الصحفيه يصطفون فى خندق دعم الدوله التى إحترمت إرادتهم ، ومن الطبيعى أن يكون المنتج غاية فى الإيجابيه لصالح الدوله والجماعه الصحفيه .
كان من المناسب طرح ذلك والإنطلاق منه فى تناول الإنتخابات البرلمانيه القادمه شيوخ ونواب لعل يكون هناك من ينتبه لمايطرح ، ويتفاعل مع مايكتب ، خاصة وأنه لايوجد مرشح أو ناخب إلا داعما للدوله المصريه ، ومن لايكون داعما لايستحق أن يستظل بظلها ، أوحتى يعيش فى أجوائها ، هذا بوضوح ، ومصداقيه ، وبلاتزيد ، ومامنطلق الصراحه فى التناول إلا محاولة للتنبيه لموطن الخلل وتصويبه ، وليس إهالة التراب ، أو النيل من الإرادات ، أو حتى الأشخاص أو الأحزاب أوالكيانات ، لأن هذا لاشك ليس المنهج الذى إنطلقت منه فى حياتى ، ولامنطلقات الحفاظ على وطننا الغالى ، لذا يتعين قبل الدخول فى صخب الإنتخابات ، والتعايش مع أجواء الإستقطابات ، من الأهمية التوضيح أن الإنتخابات التى شهدتها أول أمس نقابة الصحفيين هى رساله مجتمعيه نبيله مؤداها أنه عند إجراء إنتخابات برلمانية حرة بين أحزاب ومستقلين ، لايلوثها خطيئة التزوير ، سيكون نتيجتها برلمان حقيقى يعبر عن إرادة الشعب ، ويعلى الإراده الوطنيه ، برلمان ندرك معه جيدا أن قوته تعد دعما للحكومه ، تلك الحكومه التى من الطبيعى أن يتعاظم الأداء بها عندما تدرك أن هناك مراقبه برلمانيه حقيقيه ، ويتهاوى الأداء لديها ويضعف عندما يستقر فى يقينها أن البرلمان ماهو إلا صورة لتكملة الديكور الديمقراطى أمام العالم وفقط ، وتتنامى قوة البرلمان حتى وإن كان مكوناته على طرفى نقيض بين أغلبيه ومعارضه ومستقلين ، أغلبيه حقيقيه قد تقترب من نسبة الـ 40% يفخر من فيها بأنهم يمثلون أغلبية الشعب ولايحملون خطيئة 99% من 100 ، ومن يليهم نسبته تكون مقنعه ولاتتجاوز نسبة الـ 25% ويضم البرلمان ، والمعارضه والمستقلين لن يحصدوا أكثر من نسبة الـ 20% ، أى برلمان به تنوع كما فى مجلس نقابة الصحفيين ، ليصبح البرلمان معبرا عن كل الشعب المصرى بصدق ، ويقين ، وإحترام ، يتعاظم ذلك عندما يستشعر القائمين على أمر الإنتخابات بقيمة المصداقيه وعدم التزوير ، فى النهاية يكون لدينا برلمانا حقيقيا لا كرتونيا ، برلمانا يعبر عن إرادة الشعب الذي يمثلونه .
لتحقيق تلك الغايات النبيله يتعين البدء فى الحديث عن هذا الشأن الإنتخابى بصراحه ، والتناول بمصداقيه لعل ذلك يساهم فى رصد مواطن الخلل وإصلاحه ، شريطة أن ينطلق ذلك من التأكيد على أننا نعانى من فساد المناخ الإنتخابى ، وضعف طال الواقع السياسى ، وسحق للمنظومه الحزبيه خلف واقع إنتخابى متردى ، ونوابا بالبرلمان لايدينون بالولاء للشعب ، وهذا طبيعى لأن الشعب لم يكن شريكا رئيسيا لنيل شرف تمثيلهم تحت قبة البرلمان ، يبقى من يتعايش مع ذلك ويستسلم لتداعياته من عموم الناس لايحق لهم أن يبكون على فقدانهم لقيمتهم ، وعدم وجود من يسمع لهم ، أو ينجدهم ويزيح الظلم عنهم ، نظرا لأنهم شركاء فى هذا التردى بسلبيتهم ، وخنوعهم ، وخضوعهم ، وتعايشهم مع التضليل ، وإنصهارهم مع نهج الإنبطاح والقبول بما يفرض عليهم ، وخذلانهم لأصحاب العطاء الحقيقى على خلفية قبولهم الرشاوى الإنتخابيه .
أتعجب من الذين يولولون من تصدر المشهد الإنتخابى لمرشحين محتملين كثر منهم دون المستوى الثقافى ، وكذلك بالنسبه للفهم والوعى ، ويتندرون كالولايا والمساكين ويقيمون الدنيا ولم يقعدوها تأثرا بذلك ، دون إدراك منهم أنهم هم من شاركوا فى صنعهم ، بصمتهم حيال ما لمسوه لديهم من نقائص ، وإدراكهم لفساد المال السياسى المستخدم ، وهؤلاء الذين يقبلون على ضمائرهم أن يبثوا الشائعات بحق الكرام والكفاءات ، ويسمموا المناخ العام لصالح من منحهم حفنه من المال على سبيل الرشوه ، أتعجب من البكائين على أحوالهم لوجود نوابا ضعاف ، لأنهم هم من أتوا بهم بسلبيتهم ، وخنوعهم ، ورضاهم بالواقع المرير الذى يحاول هؤلاء وأعوانهم فرضه بالكذب والبهتان كل دورة إنتخابيه ، إنطلاقا من ضعف إعتراهم ، وفشل غاص فى أعماقهم ، وسقوط مدوى أفقدهم قيمتهم ، وإنهيار كبير طال شعبيتهم لدى الناس ، لذلك يلجؤؤن للكذب والشائعات التى أصبحت معلومه لدى الجميع ، لمحاوله إيهام الناس بعكس واقعهم المرير.
بلا مزايدات أتصور أن هذا يجعل كثر يقولون لالوم على من يختار هؤلاء ويفرضهم من فوق وبالمعنى الأدق من الأجهزه عبر القنوات الحزبيه والتنسيقات التشاوريه ، لأن تدخلهم أتصور أنه صواب لأنهم سيفرضون نوابا على الناس أفضل ألف مره من خيارات الناس المأجورين ، الذين يباعوا ويشتروا ، وأشرف من آلية حصول الأحزاب السياسيه على الملايين من الناخبين لوضعهم بالقائمه مما يعنى انهم نواب جاءوا عبر شراء الذمم ، وتقطيع الهدوم ، وتشويه الشرفاء بنشر الشائعات المغرضة ، وتبنى نهج السب والقذف .
الغريب إنكار البعض على المثقفين وأصحاب التاريخ لأنهم أخذوا خطوات للخلف وجلسوا فى مقاعد المتفرجين على سرك ليس له مثيل فى العالم ، لإنطلاقه من الهزل ، ويطالبونهم بالترشح وعدم ترك المشهد لهؤلاء ، وهذا الخيار له تبعات ثقيله لا يستقيم الأمر إلا بها ، منها وجود وقفه حقيقيه من الشعب تنطلق بالتمسك بإختيار حقيقى لأصحاب الكفاءات ليمثلونهم تحت قبة البرلمان ، وحماية الصناديق ، ولفظ المأجورين ، وهذا بات من المستحيلات بعد أن أصبح الشعب يعيش الآن فى تيه ، وليس لديه إستعدادا لمواجهة كل هؤلاء المرتزقه ومن خلفهم بكل قوه ، وكشف فسادهم ، والرد على أكاذيبهم وكل ما ينشرونه من شائعات وكذب وبهتان مهما كانت العواقب ، خاصة وأن الأجهزه تركت الأمر سداح مداح حتى فاق مستوى الصفحات على الفيس الردح الحقيقى ، وباتت لغة المهمشين المقهورين من سكان الأزقه والمقيمين بالحوارى والمقابر هى لغة الخطاب والتى باتت تشمئز منها النفس ، ويحتقر كل من يتابعها كثر من البشر ، بل ويجعل صورة المصريين أمام الجنسيات الأخرى صورة وضيعه ، المؤسف أن المنوط بهم ضبط ذلك لايدركون تلك الحقائق المأساويه التى ينميها عدم ردعهم لتلك الظاهره .
إنطلاقا من ذلك أجد من الطبيعى عزوف القامات عن الترشح لأنهم لايشرفهم أن يكونوا نوابا عن منبطحين يباعوا ويشتروا ، إنطلاقا من خنوع ، وتحقيقا لمغنم ، وهؤلاء لالوم عليهم ولاملامه لإنتقالهم لصفوف المتفرجين الراصدين لخيبة الناخبين الذين لم يدركوا أن هؤلاء غير مضرورين بل إنهم هم المضرورين من توقف عطائهم أو حتى تراجعه .
خلاصة القول .. يتعين أن يتوقف فورا البكاؤون على أحوال بلدانهم تأثرا بعدم وجود نائبا بالبرلمان يتبنى قضاياهم ، ويزيح همومهم ، ويعمل على تحسين مستوى معيشتهم ، ويتصدى لمن ينالهم بسوء مدافعا عنهم ، لأنهم أحد أسباب تلك الإختيارات بضعفهم ، وقلة فهمهم ، وخنوعهم لمن يفرض عليهم أو يمنحهم بعضا من المال لنيل أصواتهم ، أتصور أن أصحاب المبادىء والمواقف ينالوا إحترام حتى من جاء نائبا على غير إرادتهم ، أو رغما عنهم ، بل إن مثل هؤلاء النواب سيكونوا حريصين على ترضيتهم ، وبحث همومهم إبتغاء رضائهم ، لأنهم أدركوا أنهم أمام أشخاص لهم موقف ، لايباعوا ولا يشتروا ، بل موقفهم فى التصدى لمن يباع ويشترى يلاقى إحتراما من خصومهم .