جدل واسع النطاق يفتقد للمنطق السليم أعقب عملية وضع اللمسات النهائيه لأمر إلغاء مستشفى حميات بسيون من الوجود وجعلها قسما تابعا لمستشفى بسيون المركزى ، وذلك من خلال تجديد مقترح إستغلال مبناها ، ونقل تبعيتها فنيا وإداريا الي مستشفي بسيون المركزي ، وجعلها تحت الإشراف الكامل لها ، وهو ما يعني عمليا إلغاء مستشفى حميات بسيون نهائيا ، من خلال تحويلها إلى قسم ، أحدث ذلك زلزالا فى أعماق النفس ، وكشف عن إفتقادنا للمنطق والعقل ، وغياب الحكمه ، عظم ذلك هذا الجدل السوفسطائى الذى أعقبه ، وماأدركه من محاولات مستميته لشرعنة ذلك من خلال تقارير يتم إعدادها بدقه ، يحدث هذا دون إنتباه ، حيث يتعايش الجميع مع حاله من اللامفهوم واللامعقول . البعض إبتهج وأقام الأفراح والليالى الملاح فى تأكيد أنه تم إلغاء القرار ، وآخرين توجسوا خيفه بعد مطالبة المستشفى بنسب الإشغال وهذا يعنى إعداد تقرير يعظم الإلغاء وضمها كقسم لمستشفى بسيون المركزى .
هذا يجعلنى أخشى أن يكون هذا التطاحن والتلاسن والتناقض نهايته محو المستشفى من الوجود ، خاصة وأن هناك إفتقاد للمنطق السليم والحوار الموضوعى ، حيث وجدنا من قدموا الشكر لمحافظ الغربيه اللواء أشرف الجندى على قراره بإلغاء تحويل المستشفى كقسم تابع للمستشفى المركزى ، دون أن يتحققوا أو يكون لديهم هذا القرار الأمر الذى خلق حاله من الطمأنينه ، وإستشعارا بالمسئوليه طالبت بصوره من هذا القرار ليستقر اليقين بذلك ومشاركتهم تقديم الشكر للمحافظ لكن لم يرد أحد ، بالنفى أو بالإيجاب ، فى المقابل هناك من يصرخ حيث يلمس محاولات تتم فى الخفاء تقوم على تهدأة الأجواء ثم فجأه يتم إتخاذ إجراءات ضم المستشفى لمستشفى بسيون المركزى كقسم ، وهنا تضيع الحقيقه لإفتقاد الحوار السليم والموضوعى ، حيث الجميع منشغلون فى جدل عميق وعظيم ، وقبل الكشف عن تفاصيل ذلك يتعين تناول ازمة الرأى والرأى الآخر ، وخطورة نهج التطاحن ، إنطلاقا من ذلك لاأحد يخالفنى القناعه بأن الخلاف فى الرأى حق لكل مواطن ، ومنطلق لرؤيه صائبه يمكن البناء عليها فى إحداث أى تقدم ، وتحقيق إزدهار فى هذا الوطن الغالى ، لذا كان هذا الخلاف أمر مقرر ومشروع طالما كان فى إطار من الموضوعيه والإحترام ، والحجه والبيان ، لأنه لاأحد يستطيع الزعم بأنه يمتلك الحقيقه المطلقه وحده ، مادون ذلك من تطاولات وتجريح ، وسب وشتم ، وإتهامات شديدة الخطوره ، تمس السمعه ، وتحط من قدر الناس مواطنين أو مسئولين فى أى أمر عليه خلاف ، أو قضيه عليها صراع ، لايمكن إعتبارها تصب فى خانة الرأى المحترم ، أو الرؤيه الوطنيه الصادقه ، إنما تصب فى خانة التطاولات ، والتجاوزات التى يجب أن يتصدى لها القانون بقوه وحسم ، وردع .
يتعين لتحقيق هذا المبتغى أن يكون منطلق الخلاف مصداقيه حقيقيه ، وهذا لن يتأتى بالكلام المعسول والشعارات البراقه إنما بالتعايش ، والتفاعل ، والدخول بالعلاقات فى العمق ، وفى ذلك «يقول ابن القيم : ” الدين كله خُلق !! فمن فاقك في الخلق فقد فاقك في الدين” فكن شيئاً جميلاً في حياة من يعرفك ” لاتحدثنى عن كثرة صلاتك ، لاتحدثنى عن كثرة صيامك ، فهى عبادات بينك ، وبين خالقك ، ولكن دعنى أرى ذلك ، فى تعاملاتك ، وسلوكياتك ، وحسن أخلاقك ، وأبدا لايمكن لمحروم أن نقرر انه زاهد ومنطلق حياته تقديم الخير ، أو مسلوب الإراده منزوع السلطه أنه سوى ، إنما ندرك قدر المحروم عندما يعطيه الله المال فنجده يجرى الخير بين يديه ، أما قيمة الشخص تقدر بحق عندما يكون صاحب سلطه ، أو يتبوأ مكانا مجتمعيا مرموقا ونجده متواضع بين الناس لايتعالى عليهم ، أو يحدث مايؤلمهم ، أو يأتى بما يؤكد أنه بحق لاقدر له حيث الإختبار الحقيقى ليس عند الحرمان من السلطه ، إنما فى أن يكون صاحب قرار محترم وصائب ، الأمر الذى معه أدركنا إنهيارات كثيره طالت أشخاص كثيرا ماصدروا لنا أنهم منطلق التواضع ثم إذ بهم يتحولون إلى جبابره .
تلك القضايا الخطيره باتت من الثوابت المجتمعيه التي يتعين التفاعل معها لضبط الإيقاع ، وتحقيق الإستقرار ، والعمل على فرض واقع مجتمعى محترم يحقق التعايش الكريم ، وهذا لن يتأتى إلا بالتصدى لأوجه الخلل عبر آليات محترمه ، وضوابط حاكمه ، ونظم يقرها الجميع لأنها تعمل على إحداث إنضباط حقيقى بالمجتمع ، دون ذلك لن نستطيع تحقيق اى إستقرار أو التعايش مع الإحترام ، بل سيتنامى الهزل ويتوحش ويصبح عصيا على التصويب .
خلاصة القول .. أردت توضيح رؤيه ، وإقرار حقائق ، وتنبيه الغفلى ، ليس أكثر ، إنطلاقا من مسئوليه أخلاقيه ، وإنسانيه ، وقبلهما واجب دينى ووطنى يحتمان أمام ضميرى أن يكون لى موقف ، يجعلنى أدق ناقوس الخطر من أن هذا الذى رصدته بالمجتمع قد يكون له عواقب وخيمه ، إذا لم يواجه بالصراحه والوضوح بغية التصويب وتصحيح المسار ، إنما لم يكن ذلك يكون بالردع المجتمعى قبل القانونى ، لتجنب المجتمع التداعيات الكارثيه لذلك ، والتى قد يكون الثمن فادحا والتكلفته باهظه ، الأمر الذى أخاطب معه أصحاب الضمائر الحيه من أبناء الوطن أن ينقذوا مايمكن إنقاذه من كريم الخلق ، وأن ينتبه الآباء ويقوموا بواجباتهم التى فطرهم الله عليها قبل أبنائهم وينفضوا عن كاهلهم تلك السلبيه البغيضه ، قبل أن نصل إلى مرحلة اللاعوده ، مجتمعيا ، وخلقيا ، وسلوكا ، فياقوم أليس فيكم رجل رشيد يفرض الإحترام على مجرى حياتنا ، والتمسك بالتصدى لهذا النهج الغير سوى .