رؤية إسلامية لأدب الأطفال
في أشعار وقصص محمد الشرقاوي
بقلم/ د. صلاح عدس
محمد الشرقاوي أديب يكتب الشعر والقصة القصيرة للأطفال والكبار ، وبداية نقول بأن الأدب يجب أن يكون له رسالة هادفة وليس مجرد متعة فنية زائفة ، وهنا تظهر أهمية المضمون أي رؤية الكاتب للإنسان والحياة والكون والمجتمع ، وخاصة إذا كان العمل الأدبي موجه للناشئة إذ يجب أن يؤثر في نفسية القارئ تأثيرا طيبا ويسمو بوجدانه ويوسع آفاقه العقلية والروحية ويجعله إيجابيا منتميا.
ولدينا في مصر كتاب عديدون أجادوا فنيا كتابة القصة للأطفال على رأسهم كامل كيلاني وأحمد نجيب والشاروني وعبدالتواب يوسف وكاتبنا محمد الشرقاوي.
ويتميز أسلوب محمد الشرقاوي بالعذوبة والجاذبية والتشويق في السرد والبراعة في الحوار وفي رسم الشخصيات التي يختارها بحيث تكون إيجابية مكافحة مدافعة عن القيم الإسلامية وهي قيم إنسانية عامة مثل الحق والعدل والخير والجمال والسلام ، ونجده حين يعرض شخصيات سلبية فإنه لا يتناولها بالتحبيذ والإعجاب وإنما يتناولها بالنقد اللاذع كي لا ينبهر بها القارئ ولا يقلدها وإنما يتجنبها بازدراء ، وهذا هو جوهر الدعوة الأخلاقية الدينية وذلك بعكس ما نجده في قصص الأخرين من إفساد لعقول الصغار بتزببن الشرور والمفاسد والقيم المغلوطة خاصة في أفلام السينما ومسلسلات التليفزيون عن المخدرات والجنس والبلطجة.
وقصص الشرقاوي نجد أبطالها شخصيات من الصغار والناشئة وذلك ليتحقق التقمص للأطفال والقراء عامة ( empathy ) والتقمص مرحلة نفسية أبعد من التعاطف وأعمق لأن التعاطف ( sympathy ) هو شعور ( مع ) أما التقمص فهو شعور ( في ) والقصة القصيرة تصور حدثا أو شخصية أو فكرة وقد أجاد الشرقاوي في كل هذا.
فالحدث عند محمد الشرقاوي يتميز بالتكثيف والتركيز ويصور موقفا أو لحظة نفسية ويعمقها لأن القصة القصيرة ليست قصيرة لقلة عدد كلماتها وإنما هي قصيرة لصغر الحدث الذي تصوره وقلته في الزمن بينما الرواية تصور حدثا طويلاً ممتدا في الزمن وتشبه في ذلك النهر الممتد من المنبع إلى المجرى حتى المصب أي أنها تمتد امتدادا أفقيا بينما الحدث في القصة القصيرة يمتد رأسيا أي يتعمق إلى أسفل فيما يشبه الدوامة.
وهذا المفهوم الدرامي نجده يتحقق عند كاتبنا الذي يتميز الحدث في قصصه بالترابط الزمني والترابط المنطقي من البداية إلى الوسط حتى النهاية وذلك كي يكون دخوله إلى عقلية الطفل بل وعقلية الكبار دخولا سلسا وذلك بعكس من يكتبون قصصا فيها غموض وألغاز وتداخل في الأزمنة مما يسبب تفككا منطقيا وهذا ما لم يقع فيه كاتبنا محمد الشرقاوي الذي يتميز بالبساطة في أسلوبه اللغوي.
والقصة تتكون من حدث تقوم به شخصيات من خلال نسيج فني هو السرد والوصف والحوار بينما النسيج الفني في المسرحية يعتمد على الحوار فقط.
ويحمد لكاتبنا أنه احتفظ في النسيج الفني لقصصه باللغة الفصحى حتى في الحوار ففي ذلك محافظة على لغة الأمة التي هدمها غيره من الكتاب الذين يروجون للحداثة والبنيوية وتقليد موضة الغرب لكن كاتبنا لم يقع في هذه الهوة التي يقلدون فيها طريقة ( تيار الوعي ) عند جيمس جويس أو طريقة ( اللا رواية ) عند آلان روب جرييه وناتالي ساروت وغير ذلك من التقاليع التي ترفضها طبيعة اللغة العربية وفلسفتها التي تتطلب في الكلام قدرا من المنطق وقدرا من الوضوح خاصة إذا كان الكاتب صاحب رسالة ورؤية إسلامية هادفة للدعوة إلى القيم الأخلاقية الدينية ، فمثلا نجده يدافع عن قيمة الجمال في قصته (الأزهار الضاحكة) إذ يصور لنا صبية يلعبون بالزهور يقطفونها ويرمونها على الأرض فأحضر لهم بطل القصة في رفق وأدب ولين كي لا يعبثوا بالزهور فاستجابوا له في حبور وسرور.
ونجده في قصة ( خيال واسع ) يصور لنا صبيا عبقريا صاحب خيال علمي ويشجعه والده ونجده في قصة ( حراس الوطن ) يصور لنا أمجاد حرب أكتوبر ليحقق الانتماء للوطن كقيمة.
ونجده ينقد سلبيات المجتمع مثل نقده لسوء استخدام الكمبيوتر بحيث يشغل الفرد عن العمل وجدية الحياة.
ومن أمثلة ذلك أيضا قصته ( هذا ملكي ) حيث يصور الشغب والاستهتار الذي يقوم به بعض الصبية في المترو إذ يتبادلون الكلمات الجارحة معتبرين ذلك نوعا من المزاح ويرفعون أصواتهم في ضجيج مزعج ويعطلون الأبواب عند فتحها وغلقها في المحطات لكن البطل يوجههم لخطأهم محاولا تعويدهم على الانتماء لبلدهم بقولهم ( هذا ملكي ) ليحافظوا على أي شيء يندفعون لتخريبه فإن حب الوطن من الإيمان.
وهكذا نجد أن الرؤية الإسلامية موجودة في أعمال محمد الشرقاوي حتى في الموضوعات الاجتماعية المأخوذة من الواقع.
وهنا تظهر أهمية قصصه وشعره وأهمية دور الأديب في توجيه المجتمع والسمو بأبنائه روحيا وعقليا خاصة إذا كانت أعماله يتلقاها الأطفال فهنا تكون الرسالة الهادفة للأدب أكثر وجوبا ونكون أكثر حاجة إليها لا سيما وأننا نتعرض كبارا وصغارا لأفلام وتمثيليات هابطة أو مترجمة لا تتلائم مع مجتمعاتنا لأنها تعبر عن مجتمعات غربية مادية يسودها الجنس والعنف والانحلال الأخلاقي مما يفسد أخلاق الكبار والصغار ويلوث أرواحهم ويقضي على الانتماء في داخلهم ويهدم البراءة في نفوسهم.
بل إن كثيرين ممن يكتبون للأطفال في بلادنا يسرقون أعمال الكاتب العالمي للأطفال ( أندرسون ) وغيره وهي أعمال متغربة بلا رسالة أو هدف يتناسب معنا.
ذلك ندعوهم إلى الكف عن هذا العبث لأنه هدم لثقافة الأمة وليتعلموا من كامل الكيلاني و محمد الشرقاوي معنى الالتزام ومعنى الرؤية الإسلامية والمحافظة على الأمة بالمحافظة على اللغة العربية والقيم الدينية خاصة فيما يقدم للطفل من شعر أو قصة حتى يتحقق له الانتماء ويكون مواطنا صالحاً وهذا ما نجح فيه كاتبنا سواء في مجموعته القصصية ( خطوة لبكرة ) أو في دواوينه الشعرية مثل ديوان خيوط الشمس وديوان حكايات المساء وديوان زهور الأمل ويطلق عليها شاعرنا اسم أناشيد للأجيال الصاعدة لذلك نرجو من وزارة التربية والتعليم تدريس هذه الأشعار في المدارس ونرجو من التليفزيون تحويل قصصه إلى أعمال درامية للصغار والكبار لأنها دعوة للقيم النبيلة بلا مواعظ مباشرة أو تقريرية منفرة.
وإنما نجد في قصائده التعبير بالصورة وهي جوهر الشعر مثل قوله في قصيدة قال جدي ( ديوان حكايات المساء ):
قال جدي ذات يوم
خذ سلاح العزم صاحب
واجعل الأحلام طيرا
طائرا فوق الكواكب
وقوله أيضا في ديوان ( حكايات المساء ) في قصيدة سر النجاح :
من عاش ينظر للعلا
لم يخش من قمم الجبل
ونجد في ديوان حكايات المساء من حيث المضمون تجسيدا للرؤية الإسلامية في تمجيد شاعرنا للقيم الأخلاقية العالية وذما للأخلاق السيئة لا تزيينها مثلما في قوله في قصيدة ( أبي في العيد ):
ولم أحسد ولم أطمع
إذا ما العيش أشقاني
ونجد في قصيدته ( رسالة في الهاتف المحمول ) أنها تحمل رسالة إلى العالم هي دعوة للسلام العالمي كقيمة إسلامية ينشرها الإنسان في كل مكان.
ونجد في قصيدته ( نصيحة أستاذتي ) تمجيدا للتفوق العلمي كقيمة كما نجد في الديوان تمجيدا لقيم العدل والحق والحرية والخير والمحبة والسلام بل إن هذه القيم هي الدعوة العامة في كل أشعاره وقصصه مثلما نجد في ديوانه (حكايات المساء) في قصيدة (بلاد العدل) إذ يقول:
بلاد العدل لا تخشى
سوى رب هو القادر
ففيها الشعب ذو فكر
إلى قصد العلا سائر
وفيها الأرض لا تعطي
إلى لاه إلى جائر
بلاد العدل أمنيتي
ولي حلم بدا عابر
ولذلك نجد شاعرنا يقدم لنا شخصيات إيجابية ويشجعها ويمجدها تمجيدا للكفاح والصبر والعمل والصدق والأمانة والشرف والشهامة مثلما فعل في قصيدته ( الطفل الأمين ) وفيها يستعمل وسائل درامية هي السرد القصصي والحوار وتكرر ذلك في البناء الدرامي لكثير من قصائده ، وفي هذه القصيدة يصور لنا صبيا رأى مالا على الأرض فقام برده للمسئول فأعلن عنها حتى جاء أصحاب المال فاستردوه وهو بذلك يجسد الرؤية الإسلامية في حكم الشرع في ( اللقطة ) ونجده يدافع عن قيمة الحرية في قصيدته ( عيون الخوف ) إذ يقول:
عيون الخوف لا تبصر
سوى وهم بها يغدر
تعيش العمر في صمت
ولا تبدي ولا تجهر
عيون الخوف لا تعلو
ولا تبني لأمجاد
ترى ضيقا على أرض
وإن كانت هي الوادي
ونجده مثلما يدعو لصحة الأخلاق والأديان يدعو في قصيدته ( طبيب الحي ) لصحة الأبدان ( إن لبدنك عليك حق ) ويهتم شاعرنا بتصوير العواطف البناءة والمشاعر الإنسانية النبيلة الإيجابية مثل عاطفة الأبوة الحانية في قصيدته ( إلى ابني الصغير مؤمن ).
ونجده يمجد قيمة العلم والمعرفة والثقافة تطبيقا لدعوته سبحانه وتعالى في سورة ( إقرأ ) إذ يقول شاعرنا في قصيدته (كتابي):
يا كتابي يا كتابي
أنت لي خير الصحاب
أنت زاد في حياتي
في ذهابي في إيابي
يا كتابي أنت شمس
أنت نحو المجد بابي
يا صديقي خذ طريقي
ناظرا نحو السحاب
فهنا تعبير بالصورة وإن كان شاعرنا يلجأ أيضا للتعبير المباشر في بعض الأحيان إلا أن تبرير ذلك هو طبيعة تلك القصائد التي تميل إلى الكلاسيكية والتي تتسم بالتعبير المباشر لتهز العقول بينما الاتجاه الرومانسي يتسم بالتعبير بالصورة لتهز القلوب أكثر، لذلك نجدها لا تحدثنا إلا عن الحب والعواطف الذاتية بينما شعراء الكلاسيكية يحدثوننا عن الموضوعات العامة التي تهم وتشغل الوجدان الجماعي لذلك يسمونها شعر المناسبات الاجتماعية والوطنية والقومية ، وما أحوجنا إليها الأن لتحريك الناس وتثويرهم ضد الهجمة الصهيونية الأمريكية وضد موجات التغريب والتخريب التي يقوم بها في الداخل دعاة العلمانية والماركسية لهدم الهوية وقيم الأمة الأخلاقية والدينية فما أحوجنا الآن لهذه الكلاسيكية لا الرومانسية الحالمة المغيبة لأنه ما أشبه حالنا الآن بفترة مطلع القرن العشرين حيث كان الاحتلال البريطاني وحيث كان دعاة العلمانية والإلحاد الأوائل أمثال ( شبلي شميل ) وإسماعيل أدهم في كتابه ( لماذا أنا ملحد ) وسلامة موسى في كتابه ( هؤلاء علموني ) وطه حسين في كتابه ( عن الشعر الجاهلي ).
أجل ما أحوجنا الآن إلى شعراء على طريقة شوقي وحافظ الكلاسيكية التي كان يردد الناس أشعارهم بينما انفضوا الآن عن الشعر بفضل الشعارير كتبة ما يسمونه ( قصيدة النثر ) والتي دقوا بها أخر مسمار في نعش الشعر العربي حيث هدموه بهدم موسيقاه وما أحوجنا الآن لإحياء الشعر في حركة إحيائية أي كلاسيكية جديدة كالتي نجدها في شعر محمد الشرقاوي وزملائه من شعراء جامعة الأزهر ورابطة الأدب الإسلامي المتمسكين بعمود الشعر العربي لإقامته وإقامة الأمة بإحياء قيمها وبذلك يتكامل الشكل والمضمون مثلما نجد في كل أعمال شاعرنا.
ولنستمع إليه في قصيدته ( الطفل المخترع ) حيث يمجد العلم كقيمة ويروج للعمل والعلم لا الترويج للهو والسلبية وانتظار الذي لا يجيئ أو الترويج للفاحشة والإنحلال ، فيصور لنا شخصيات إيجابية وهي هنا لتشجيع الطفل المصري على التفوق العلمي والاختراع والكشف والبحث والإطلاع ويتكرر ذلك في كثير من قصائده مثل قصيدة ( إن رأيت ) وهي أيضا في ديوان ( حكايات المساء )::
إن رأيت الخير يحيا
بين أحضان المزارع
إن سمعت العزم يشدو
عند أنغام المصانع
قل بفخر مصر عادت
نورها للكون ساطع
ويتكرر في شعر محمد الشرقاوي التأكيد على القيم الإسلامية الاجتماعية مثل بر الوالدين ( ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا ) (سورة الأحقاف أية ١٥) إذ يقول في ديوانه ( حكايات المساء ) في قصيدة ( طاعة الوالدين ):
طاعة الأباء فرض
قاله الشرع الحكيم
من رعاها نال فضلا
عاش يكسوه النعيم
في رياض الأمن يحيا
ما له يوما خصيم
وتتردد هذه النغمة أيضا في ديوانه ( زهور الأمل ) إذ يقول في قصيدة ( أبي وأمي ):
أبي زاد من الأمن
وزاد الحب في أمي
هما كالنور في عيني
هما في القلب والدم
وحين نتأمل قصائد هذا الديوان نجدها عزف على لحن واحد هو قيم الإسلام فنجده مثلا في قصيدته ( حكاية قطة ) يصور من خلال السرد القصصي العطف على الحيوان ، والأحاديث في ذلك مشهورة منها الحديث الذي ورد في صحيح مسلم عن المرأة التي دخلت النار في قطة حبستها فلا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض، والحديث عن الرجل الذي غفر الله له وشكره حين سقى الكلب العطشان وقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه ( في كل ذات كبد رطبة أجر ).
ويتكرر في نفس الديوان تنويعات على اللحن الأساسي إذ نجد شاعرنا يمجد العلم كقيمة في قصيدته ( العلم ) ونجده في قصيدته ( اللغة العربية ) يدعو إلى الانتماء لله والوطن والاعتزاز بالقومية وباللغة العربية وذلك لأنها لغة القرآن الكريم والحاملة لدين الله ولذلك يهدمها دعاة العامية كلغة بديلة للفصحى من أمثال الدكتور ( إبليس عوض ) أو لويس عوض ونجد شاعرنا يمجد الحرية في قصيدة ( بلاد الظلم ) إذ يقول:
بلاد الظلم لا تحيا
وإن طالت مبانيها
فأهل الظلم كالموتى
وإن أحيوا نواحيها
ونلمح الدعوة إلى الله في قصائد عديدة مثل قصيدة ( الصلاة ) وقصيدة ( الحج ) وقصيدة ( الزكاة ) وقصيدة ( شهر رمضان ) إذ يقول :
ومن صلى فقد أضحى
بنور الوجه كالبدر
وعون الله لم يترك
لذي الإيمان من عسر
ويقول أيضا :
رمضان يا نجم الشهور
يا رحمة الرب الغفور
ونجده يكرر في ديوانه ( زهور الأمل ) بل في كل دواوينه يمجد الباحث الصغير تمجيدا للعلم كقيمة بل إن قصيدته( زهور الأمل ) تعطينا الأمل لأنه على الشاعر أن يقدم لأمته الأمل حتى في أحلك الظروف التاريخية وأشدها سوادا وليس ذلك بمثابة زغرودة في مأتم وإنما هو بمثابة النبوءة الصادقة التي لم يكن يملكها سوى الأنبياء اما الآن فالشعراء الإسلاميون يحاولون تقديم هذه النبوءة لشحذ الهمم وتحريك الشعوب الإسلامية من وهدتها وسباتها :
إنما الأحلام سعي
طائر مد الجناح
يا زهور العمر هيا
سابقوا تلك الرياح
ونجد شاعرنا في قصيدته ( الصديق ) يمجد القيم الإنسانية كقيمة الصداقة باختيار صديق الخير لا صديق الشر لأن المرء على دين خليله ، ويدعونا إلى الانتماء لأمتنا العربية والإسلامية مثلما في قصيدته ( فلسطين ) وقصيدته ( وطني ) وقصيدته ( ثورة ٢٥ يناير ) وكلها في ديوانه ( زهور الأمل ) ويتكرر ذلك في كل إنتاجه الشعري الذي
يشكل منظومة واحدة فليس كل قصيدة في واد بلا رابط وإنما يجمعها وحدة هي وحدة الهدف والرؤية ومن أمثلة ذلك في ديوانه ( خيوط الشمس ) قصيدة ( مصر ) التي يقول فيها :
مصر في عيني وقلبي
مصر حازت كل حبي
في سماء الكون شمس
نورها في كل درب
وكذلك قصيدة ( الأقصر ) وقصيدة ( شواطئ مصر ) وقصيدة ( قناة السويس ) وقصيدة ( سيناء ) وقصيدة ( ذكرى نصر أكتوبر ) التي يقول فيها :
قف لمصر اليوم واشهد
فرحة في كل وادي
واسمع التاريخ يحكي
من أحاديث الجهاد
وقصيدته عن عواصم العالم العربي وقصيدته ( بغداد ) وقصيدته ( هنا أرضي ) و (حياة الريف ) وغيرها الكثير مما يعكس حب شاعرنا لوطنه مصر وحبه لأمته العربية والإسلامية.
كما يدعونا الشاعر محمد الشرقاوي إلى جمال الطبيعة والكون ليربط الطفل المصري والعربي بمنظومة الكون التي تعكس عظمة الله في خلقه مثلما في قصيدته ( الزهرة الباكية ) التي يدعونا فيها من خلال القصة والحوار كوسائل درامية إلى عدم قطف الزهور تمجيدا لقيمة الجمال كقيمة إنسانية إسلامية إذ يقول:
سرت بين الزهر يوما
باشتياق وانبهار
إذ رأيت الدمع يكسو
زهرة خلف الجدار
قلت من أبكى صغيرا
في مساء أو نهار
قالت الأولاد قاموا
بعد لهو في حصاري
كنت فوق الغصن أحيا
مثل أسماك البحار
مثل أقمار الليالي
مثل شمس في المدار
زاد ذاك القول حزني
زاد عزمي واعتذاري
قلت للأصحاب هيا
نرتجي حسن القرار
كي نرى كونا جميلا
كي نرى خير الثمار
وهنا شاعرنا لم يصرح مباشرة بعدم قطف الزهور وإنما ترك هذا القرار الحسن للقارئ وأوحى إليه به فقط من خلال هذه الصورة ( كى نرى كونا جميلا ) والتي تدعو لتأمل جمال الكون والمحافظة عليه لأنه يعكس الجمال الإلهي ولذلك يتكرر في دواوين شاعرنا محمد الشرقاوي الدعوة إلى الله وتمجيد دينه ورسوله صلى الله عليه وسلم وصحابته مثلما في قصيدته ( نحو ربي ) وقصيدته (رسول الله) وقصيدته ( أبوبكر ) وقصيدته ( عمر بن الخطاب ) وقصيدته ( خالد بن الوليد ) وقصيدته ( الأزهر ) وقصيدته ( دعاء ) وقصيدته ( نعيم الله ) وقصيدته ( نعم عظيمة ) وكلها من ديوانه ( خيوط الشمس ) ولنستمع إلى شاعرنا في مسك الختام من قصيدته ( نعم عظيمة ) إذ يقول :
النور في قرآننا
عون لنا في سعينا
الدم في شرياننا
يجري فدا أوطاننا
وهنا يجمع شاعرنا بين الدين والوطن في منظومة واحدة وباسلوب بسيط فما سر هذه البساطة في التعبير ، إنها البعد عن ثلاثة أشياء أساسها البعد عن الغموض والتعقيد وهي الصورة المعقدة كما في التشبيه التمثيلي المعروف في البلاغة العربية والمعروف في رمزية بودلير ومالارميه وفي تعقيدات ( إليوت ) وفي تعقيدات اللفظ وصعوبته عند أبي تمام والمتنبي وهو ما عاب به عليه القاضي الجرجاني في كتابه ( الوساطة ) وكذلك الأمدي في كتابه ( الموازنة ) ولكن الشاعر محمد الشرقاوي ابتعد عن كل هذا واستعمل الألفاظ السهلة والتشبيه البسيط لا الاستعارة المعقدة وبذلك نجح في حل المعادلة الصعبة التي تقتضي في الشعر التعبير بالصورة من ناحية، كما تقتضي من ناحية أخرى الوضوح للرسالة والبساطة في التعبير لأن فلسفة البلاغة العربية لا تعرف الخيال المطلق ولا الرمز المغلق وإنما لابد في الكلام من قدر من الوضوح والمنطق ، فالتشبيه لابد فيه من وجه الشبه والاستعارة لابد فيها من جامع ، وقد نجح الشرقاوي في كل هذا من ناحية الشكل كما إنه من ناحية المضمون قدم لنا رؤية إسلامية لذلك نوجه رسالة لوزارة الثقافة لمنح محمد الشرقاوي جائزة الدولة في الأدب بوجه عام أو في أدب الأطفال بوجه خاص لأن محمد الشرقاوي كاتب قدير يستحق الدراسة والتقدير.
المراجع
——————-
١ – The Meaning of Art, by : Herbert Reed. P:21
٢ – القصة القصيرة – د : رشاد رشدي
٣ – Modern Age, by : Boris Ford P: 32
٤ – في انتظار جودو – مسرحية صمويل بيكيت
٥ – صحيح مسلم – ٣٧ كتاب البر والصلة
٦ – كتاب زاد المعاد – ابن القيم الجوزية
٧ – The literature of United States. by : Morcus Conliffe, P: 12
٨ – كتاب الوساطة بين المتنبي وخصومه – تأليف القاضي الجرجاني
٩ – كتاب الموازنة بين الطائيين – تأليف :الأمدي
١٠ – كتاب المجمل في فلسفة الفن – بندتوكروتشه – ترجمة د / سامي الدروبي