الفن رساله نبيله لأنها تغوص فى أعماق الواقع وتتناغم مع حاجات المجتمع للتصويب ، أو التجويد ، أو التنبيه ، ورب عمل درامى أكبر تأثيرا من ألف خطبه ودرس دينى فى مسجد ، هكذا قال لى أستاذى الحبيب الكاتب الصحفى الكبير والمؤرخ العظيم جمال بدوى رحمه الله قبل مايقرب من أربعين عاما مضت يوم وجد على وجهى دهشه تأثرا بأننى القادم إلى القاهره من قاع الريف المصرى حيث بلدتى بسيون كيف له أن يتناول بقلمه الفن الذى ينظر إليه نظرة ريبه ، وأحيانا نظرة إستهجان ، وذلك تأثرا بتكليفه لى فى الثمانينات بتغطية مسرحيه كان يمثل فيها إبن بلدتنا الفنان محب كاسررحمه الله بمسرح يقع بشارع رمسيس ، رغم أننى لم أكن أعمل بقسم الفن ، وكانت تجربه ثريه بحق حيث منحتنى فرصه لمعرفة جانبا خفيا من حياة المبدعين ، وكيف أنهم على مستوى عالى من الإحساس والعطاء ، وكيف أن بهم أصحاب قلوب تنبض بأحاسيس الناس ، وأضاف لى صديقى العزيز المحرر الفنى حمدى بسيط جوانب كثيره عن هذا العالم كنت أجهلها .
رسخت لدى تلك التجربه أهمية الفن فى حياة الشعوب ، خاصة عندما يهدف إلى الرقى ، والإبداع الذين هما أحد أهم عوامل التقدم الذى ننشده بالمجتمع ، لأن به تتمخض الأفكار ، وتتولد الآراء ، وتتنامى الموضوعات وجميعها تخرج من رحم المجتمع ، وتهدف إلى إحداث حاله من التقدم والرقى ، وتنبيه المجتمع إلى أهمية التمسك بالفضائل ، والإبتعاد عن المساخر ، وتحفيز أبناء الوطن نحو العمل والإنتاج ، ويأتى حرية الإبداع من الثوابت المجتمعيه فى المجتمع المحترم طالما كان منطلقه هادف ويصب فى صالح مجتمعنا الذى يتمسك بالإحترام ، ويرفض الأسوياء فيه التدنى ، والإنحطاط ، ويبقى خروجه عن هذا الهدف جموح ، وجنوح ، وإنحطاط .
شأن كل عام عندما يأتى رمضان الكريم ، نجد أنفسنا مجبرين لمناقشة واقع الفن فى وطننا الغالى ، وذلك تأثرا بما يعرض فيه من ترديات ، باتت تهدد المكون المجتمعى برمته ، بعد أن عمق هذا الفن إنحطاطا فى الأخلاق ، إلى الدرجه التى معها إستشعرت وكان هناك محاوله لأفساد صيام الناس ، وإخراجهم من روحانيات رمضان ، وتحويل شهر العباده والرحمة الى شهر الإسفاف والإنحطاط والتدنى ، بما يتم عرضه من مساخر ، ومسلسلات هابطه بإمتياز ، وبرامج سخيفه بحق ، دون إدراك أن رسالة الفن هى فى المقام الأول إنسانيه نبيله ، لذا تتناغم مع معاناة الناس ، وأفراحهم وأحزانهم ، وتعكس تطلعاتهم بمستقبل واعد ، ودون إدراك أن الفن يخاطب فى الأساس الحس ، والمشاعر ، ويشكل الوجدان ، ويحدد معالم الفكر ، ويؤثر في تكوين الشخصية المصريه ، وذلك من خلال الأعمال الدراميه التى يتم تقديمها والتى تناقش قضايا مجتمعيه وحياتيه هامه ، تنطلق من الواقع ، وهو سلاح ذو حدين إما أن يكون فنا نافعا يعود بالنفع على الناس ، ويعمل على إحياء الأخلاق ، والقيم الإنسانية النبيلة ، وإما أن يكون هداما للقيم والأخلاق ، يبقى أن الفن رسالة عظيمة إذا تم توظيفه التوظيف الصحيح ، وله تأثير مباشر على العقول والفكر والمشاعر والوجدان وكل المجتمع خاصة على الشباب ، الذين هم الحاضر وكل المستقبل ، والقوة الحقيقية للمجتمع لأنه معنى ببناء الوطن وعمارته والدفاع عنه وحمايته .
شأن كل رمضان إسفاف إعلامى يتعاظم ويتنامى ، أعمال درامية سواء في السينما أو التلفزيون تعمل على إهدار الأخلاق ، وتدفع فى إتجاه إرتكاب الجريمه ، وأغانى هابطه لا مضمون ولا هدف لها ولا معنى ولاقيمه ، وتؤذي الأذن بالتلوث السمعي يتنافى تماما مع معنى الفن وحقيقته والأهداف النبيلة المرجوة منه ، وأصبح الفن هدام مخرب للعقول ومدمر للمجتمعات ، خاصة بعد انتشار المسلسلات العدانية المليئة بأعمال البلطجة ، والعنف ، وهدم القيم الإنسانية النبيلة والأخلاق الحميده ، والبعيدة كل البعد عن القيم الإنسانية النبيلة التى جاء بها ديننا الإسلامى الحنيف الذى يحث على القيم الفضائل ويعمق الأخلاق .
خلاصة القول .. من المعلوم يقينا أن الدين والأخلاق التى نستمدها من ديننا الحنيف ، محددات أساسيه لقوة المجتمع ، لذا فإن العبث بهما من خلال قالب درامى ، أو برنامج حوارى مصيبه كبرى ، وتوجه بغيض يدفع إلى دمار المجتمع ، لذا كان من الأهميه أن يكون كتاب الأفلام والمسلسلات والسيناريوهات على مستوى الفهم والوعى والإدراك لذلك ، لكنهم للأسف الشديد بدل أن يغرسوا في نفوس المشاهدين القيم الإنسانية النبيلة ، والأخلاق الحميده نجدهم يغرسون فيهم الرذيلة ، ويعمقون القبح ، ويروجون للفساد ، ويهيئون المناخ للبلطجة ، ويجعلون الأحقاد والكراهيات من الطبيعى حتى بين الأخوة الأشقاء ، وهذا يتم على مرآى ومسمع من الجميع الأجهزه الرقابيه قبل المواطنين ، الأمر الذى أدرك معه الناس أنه لا يوجد أى رقابة على ما يقدم للمجتمع ، تحت زعم حرية الرأى والتعبير ، وكم يرتكب من مصائب تحت هذا الزعم ، وتلك مصيبه كبرى ، الأمر الذى أدركنا معه أنه من الطبيعى هذا التراجع المفجع والمؤلم للفن الملتزم والراقي ، تناغم معه فنانونا ومبدعينا فتخلوا عن رسالتهم وأمانتهم ، المتمثلة في الفن الملتزم ، باعتباره وسيلة الإرتقاء بالفكر .