ستظل القناعه راسخه بأن الإشاره إلى القامات المجتمعيه فى الماضى قبل الحاضر واجب وطنى بغية ترسيخ اليقين لدى كل أبناء الوطن أن مصرنا الحبيبه بها قامات رفيعه بحق ، وأبدا ليست بلدا فاشلا كما يزعم المغرضين ، أو من فيه من المسئولين فاشلين كما يحلو للحاقدين أن يروجوا ، يبقى أن الغوص فى أعماق الماضى منهجا وأشخاص يمثل إنطلاقه حقيقيه لأهمية الماضى فى حياتنا ، لأن من ليس له ماضى فلن يكون له حاضر ، أو مستقبل ، لذا هروبا من تطاحنات الحياه وتشابكاتها ، وتردياتها ، ومنعطفاتها السياسيه ، والمجتمعيه ، وهموم الناس ، وتجبر بعض المسئولين عليهم ، أتناول اليوم أحد رفقاء الماضى العظيم ، والزمن الجميل ، الذى كان فيه رجال .
إقتربنا مايقرب من ربع قرن ، وإفترقنا مايزيد على ربع قرن ، كنا نلتقى كل يوم بحكم طبيعة تخصصى الصحفى بجريدة الوفد فى فترة من الفترات كرئيسا للقسم الدينى ، ومحرر شئون وزارة الأوقاف ، وقطاع الأزهر جامعا ، وجامعه ، ومشرفا على الملحق الدينى الذى كانت تصدره الجريده فى شهر رمضان المعظم ولمدة سنوات ، ثم تغير تخصصى الصحفى فأصبحت محرر متخصص فى شئون وزارات البترول والداخليه ، والرى ، والبحث العلمى ، والحكم المحلى ومحرر برلمانى ، حتى إنتهى بى المقام الآن فى التخصص الصحفى نائبا لرئيس تحرير جريدة الجمهوريه للشئون السياسيه والبرلمانيه والأحزاب ، وأخذتنا الحياه طولا وعرضا ، وخرج على المعاش تلك القامه ، وذهب ليستمتع بحياته ببلدته الباجور محافظة المنوفيه التى أنجبت أعز الرجال الصديق العزيز أستاذ السياسه الوزير كمال الشاذلى الذى جمعتنى به علاقة تتسم بالخصوصيه فاقت حد القرابه .
بالأمس تواصلت معه تليفونيا لكن من رد طمأننى على صحته معتذرا لعدم تمكنه من الرد لظروف مرضيه شفاه الله وعافاه ، وذات يوم أثناء زيارتى للأخ والصديق والزميل العزيز الكاتب الصحفى الكبير الأستاذ محمد الأبنودى رئيس تحرير جريدة عقيدتى بمكتبه ، إسترجعنا معا القامات الدينيه العظيمه الذين تعايشنا معهم ، وإقتربنا منهم ، وتخلل ذلك مواقف وحكايات تحكى بكل فخر ، وكان من أبرز من قفز إلى الذهن العظيم حقا السيد الأستاذ المبجل عبدالحميد سعيد وكيل أول الوزاره لشئون مكتب وزير الأوقاف الدكتور محمد على محجوب رحمه الله ، وأشهد الله أنه كان من أنبل الناس ، ومواقفه جميعها تتسم بالرفعه ، والرقى ، والإحترام ، ومسلكه كان ينطلق من النزاهة ، فأعطانى تليفونه وهاتفته فإذا بصوته كما هو قوى ، ولكم أسعدنى ماأدركته من فرحه بدت من خلف تهليله أننى معه على الهاتف بعد الإفتراق كل هذه السنوات ، تعاظمت سعادته مؤكدا أنه وصل لعامه الخامس والثمانين متعه الله بالصحه والعافيه ويمكث فى بلدته الباجور يستمتع بحياته تاركا القاهره بضجيجها .
عبدالحميد سعيد بلاألقاب لأنه أكبر من أى لقب أو وظيفه وصل إليها كوكيلا أول لوزارة الأوقاف لشئون مكتب الوزير ، كان مسئولا قويا يعرف حدود وظيفته ، ويؤديها بالصدق والأمانه ، لذا لم يكن مصدر ثقة لوزير الأوقاف صديقى العزيز الدكتور محمد على محجوب رحمه الله فحسب بل كل من عرفه وتعامل معه لأنه كان ودودا محترما ، يقدم الخير ويحب صانعيه ، لذا لم يؤذى أحد ، ولم يقهر أحد ، وهو الرجل القوى بوزارة الأوقاف الذى كان إسمه يهتز له كل وكلاء الوزاره بالمحافظات ، وقيادات ديوان عام الوزاره ، أكبرت فيه حبه وعشقه للباجور مسقط رأسه .
بعد كل هذه السنين تلك رؤيتى بحق هذا الرجل المحترم المسئول صاحب المواقف والذى كان القادر على إتخاذ القرار المبنى على أسس موضوعيه ، السيد وكيل أول وزارة الأوقاف عبدالحميد سعيد فى عهد الحبيب والصديق والقيمه والقامه الدكتور محمد على محجوب وزير الأوقاف النشيط والخلوق والمحترم رحمه الله ، إنطلاقا من الحقيقه الراسخه التى مؤداها أن الصحفى جزءا من التاريخ ، لأنه أحد صانعيه رصدا أو إقترابا من الأحداث ، ومعايشة للمواقف ، بل أحيانا يكون الصحفى طرفا فيه ، لأنه شاهد على العصر بحكم إقترابه من الأحداث وتعايشه مع المواقف .. تحية تقدير وتوقير لشخصه النبيل وأسرته الكريمه ، وكل أهل الباجور الأحباب حيث يقيم الآن .