لاخلاف بين العلماء على أن يوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع ، و أنه خير يوم طلعت فيه الشمس ، وأن الله سبحانه وتعالى ذم من انشغل عن صلاة الجمعه بغيرها ، كما في قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ[9] فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ[10] وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ [11] ، كما أكد العلماء على أن خطبة الجمعه تبصير للمسلمين فى دنياهم وآخرتهم ، ومقاصد خطبة الجمعه كثيره ، منه الدعوة إلى الله ، وتعظيم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتذكير والتعليم والنصح ، وغير ذلك من المقاصد عظيمة الدلالة كالدعوه إلى الخير ، والتحذير من الشر ، والاجتماع ، والتعاون على البر والتقوى ، والإصلاح ، والتربية ، بالمجمل خطبة الجمعة منطلق عظيم يهدف إلى صلاح المسلم في دينه ودنياه .
بالأمس إستشعرت كل تلك الثوابت والمعانى الطيبه لخطبة الجمعه ، وذلك وأنا فى طريقى للذهاب لمقابر بلدتى بسيون للصلاه بالقرب منها لحضور تشييع جنازة أحد الأحباب ، حيث شاء القدر أن أخرج متأخرا وفى الطريق تعجبت أشد العجب وأنا أستمع لخطبة الجمعه من ميكروفونات المساجد وجميعها كانت تحت عنوان حماية المال العام ، المأساه أن الخطبه أحيانا كثيره يتلوها خطيب الجمعه من ورقة بلا أى تعايش وجدانى ، وإكتشفت أنها خطبة موحده يتم توزيعها على خطباء المساجد فيقومون بتلاوتها من ورقه ، أو حفظها لإلقائها على جموع المصلين ، وأغضبنى مستوى الخطبه ومضامينها وكأنه وضعها شخص أكاديمى غير مؤهل ، وليس أدل على ذلك من أن خطيب الجمعه فى كل المساجد يخاطبون الناس ويؤكدون عليهم بضروة حماية المال العام ، دون إدراك منهم أن الناس مساكين وليسوا فاعلين بل مفعول بهم ، وأنهم من المفترض أن يكون خطابهم للأجهزه وكل المعنيين المنوط بهم حماية المال العام ، وليس بترسيخ التوعيه للمواطنين ومناشدتهم حماية المال العام ، ولاأعرف هل يقصدون بذلك أن يتولى المواطنين نيابة عن الأجهزه أمر التصدى لمن ينهب المال العام ، ويقومون بردعهم مثلا ، أو يرجونهم ويستجدونهم ألا يفعلوا ذلك ثانية من أجل الوطن الغالى .
لاأختلف على الإطلاق من تحديد موضوع لخطبة الجمعه شريطة أن يترك لخطيب الجمعه حرية التناول والطرح والعرض ، لعل ذلك يجد مقتنعين بما يطرح من موضوعات ، مع ضرورة التنبيه بعدم إلقاء خطبة الجمعه مكتوبه من ورقه لأن ذلك يبدد أى محاوله للفهم أو الإستيعاب ، وفى هذا السياق تذكرت يوما شعر المصلين بالضيق من تلك الخطبه المكتوبه ، فسرقها أحد المصلين من خطيب الجمعه ووضع مكانها ورقه بها كلمات غير مفهومه ، ووقف خطيب الجمعه فى موقف لايحسد عليه حيث ألقى الإفتتاحيه التى يحفظها ، وأخرج الخطبه من جيبه وإذا بالوجوم يخيم عليه ، ويضطر أن يلقى خطبه يحاكم بسببها كل مسئول بالأوقاف لم يشارك فى تأهيل الأئمه وكان يوما مشهودا .
خلاصة القول .. أطرح ماأطرح ليس إنطلاقا من كونى مواطن يرصد خلل مجتمعى وفقط ، أو كاتب صحفى ينبه لمواطن الضعف لإصلاحه ، إنما إنطلاقا أيضا من كونى كاتب صحفى متخصص ، حيث تشرفت فى فترة من فترات عملى الصحفى برئاسة القسم الدينى بجريدة الوفد ، ومحرر متخصص فى شئون وزارة الأوقاف والأزهر الشريف ، وعضوية المجلس الأعلى للشئون الإسلاميه ، كما كنت أتشرف بالإشراف على الملحق الدينى الذى كانت تصدره جريدة الوفد فى شهر رمضان المعظم على مدى سنوات ، يبقى من الأهمية التنبيه لذلك وأن تعد وزارة الأوقاف برنامج تأهيلى للأئمه ، نظرى وعملى ، وربط ذلك بالترقيات والمكافآت ، كما كان يفعل وزير الأوقاف الصديق الدكتور محمد على محجوب رحمه الله تعالى ، وإخضاع الأئمه لدورات تدريبيه فى كافة المجالات الحياتيه لتأهيلهم لتلك المهمه العظيمه ، بالمجمل نحن فى حاجة إلى لغة خطاب تناسب التطور الحياتى والتكنولوجى وعالم الفيسبوك ، وأن يتولى ذلك أصحاب رساله وليس موظفين .