يقينا .. نحن نعيش فى تيه إلى الدرجه التي معها لايشعر أحدنا بفضل النعمة عليه إلا بعد زوالها ، فربما يعيش أحدنا كئيبا طوال الوقت لمجرد أنه لم يحصل على مبتغاه من المنصب والمال والمكانه الإجتماعيه ، إلا أنه ومع أول شعور بالألم لمجرد نزلة برد خفيفة فقد يشعر بأهمية نعمة الصحة ، فما باله إذا ذهب سمعه أو بصره ، وما باله إذا فقد أولاده فى فاجعه من فواجع القدر ، وما باله إذا كان فقيرا متعافيا ولكن متمردا على فقره ، فتذهب عافيته أيضا ، فوقتها حتما سيتذكرأنه كان في رغد من نعم الله عليه ، ولكنه تمرد عليها فأذهبها الله عنه .
بحق الله تنتابنى حاله من الزهد حتى فى الحياه ذاتها ، وأصبحت لاأشعر بلذة الطعام ، والحرص على تحمل أى مسئوليه شعبيه ، بل إننى كثيرا ماأضحك على الأحوال عندما كان الصراع لتولى منصب رفيع بالصحافه ، وكيف كان الصراع على الترقيه قبل أن أصبح منذ سنين نائبا لرئيس التحرير بصحيفه قوميه يوميه ، وكذلك الصراع الدامى فى الإنتخابات البرلمانيه الذى يمتزج بالتطاحنات ، وينطلق من الإشاعات ، لكن ماذا بعد ، لاشيىء سوى العمل الصالح ، بل أدركت أن المتعه الحقيقيه ليست فيما وصلت إليه من مكانه وظيفيه فى صاحبة الجلاله الصحافه ، ولامكانه شعبيه كنائبا بالبرلمان عن المعارضه الوطنيه الشريفه والنظيفه حيث الوفد فى زمن الشموخ ، نائبا خرج بكل فخر من رحم الشعب بإراده شعبيه حقيقيه ، وليس فى إطار تنازلات ، أو توازنات ، أو رجاءات ، أو إنبطاحات ، متعايشا مع ذكريات زياراتى لكل دوله من دول العالم فى مهمات صحفيه فى آسيا ، وأوروبا ، وأفريقيا ، بل المتعه الحقيقيه أن أكون خادما لأسيادى من المرضى البسطاء والفقراء الذين لايمتلكون حتى ثمن الكشف بعيادة طبيب ، هؤلاء أزود عنهم كل مكروه وسوء ، وأتحدى الظالمين من أجل رفع ظلم وقع عليهم . ولعل مصدر السعاده فى اليقين بعظم الأجر الذى أتلقاه وهو أجر لايقدر عليه بشر لأنه من رب البشر لذا أجدد النيه دائما فى كل عمل أقدمه .
لعل من نعم الله تعالى على شخصى أننى لم تعد تنتابنى حيره ، أوالشعور بالقلق من أى أمر أستشعر أنه قد يمس وضعى السياسى ، أو يؤثر على مكانتى الحزبيه فى ظل الساسه الجدد والسياسه ” الكيوت ” ، كما لم أعد أتأثر بوشاية كاره ، أو تآمر حاقد حتى ولو إنطلقت من شخبطة كلمات على أوراق يظن معها من حررها أنه بذلك يكون قد مهد الطريق لمشتاق لمكانه سياسيه ، أو موقع برلمانى ، دون إدراك منه أننى زهدت حتى فى عضوية البرلمان ، ولم يعد يشغلنى إلا العطاء لأهلى دون حاجه لأصواتهم ، بل إننى كثيرا ماأدعو الله تعالى أن يعافينى من بلاء عضوية البرلمان ، وبفضل الله وحده كثيرا مايعطينى رب العالمين سبحانه دروسا ليستقر اليقين أن للكون رب ، لتتجلى عظمته عزوجل أن مد فى عمرى لأرى من تعجب بإبتسامه خفيفه ساخره من قولى فى حوار معه أن للكون رب ، وقد سلبت منه السلطه ، وتوارى عن الأنظار ، وبات لايستطيع أن يظهر حتى فى الواجبات الإجتماعيه ، بعد أن كان ملىء السمع والبصر .
خلاصة القول يكفينى حالة الرضا التى تنتابنى حتى أصبحت لاأركن للراحه ، ولاأستحضر السعاده ، ولاتتملكنى السكينه إلا فى رحاب الأحباب الذين هم نبض القلب وكل الكيان ، الذين بهم ومعهم وفى رحابهم يستقر اليقين أن الدنيا بخير ، ولن ينعدم منها الأكارم الفضلاء ، بل إن إدراك نعمة الله تعالى فى تقديرى يحدد معالمها مايحاط به الإنسان من أحباب ، ويالاروعة الحياه عندما تغمض الأعين وقد إنتهت بصورة من أحببناهم مستقره فى الأعماق . دمتم طيبين وبخير .