اليوم تسكب العبرات
بقلم: أ.د/ غانم السعيد
عميد كلية الاعلام بنين بجامعة الازهر الشريف
اليوم السبت الموافق ٦/٢٧ وبعد شهور عديدة، وأيام هي في حساب أهل الإيمان شاقة وطويلة ، ينادي المنادي : “قد قامت الصلاة ، قد قامت الصلاة” إيذانا بالعودة للمساجد، فتنسكب مع ندائه العبرات، وتنخلع له القلوب من الأشواق، وتسرع الأقدام إلى مدراج السمو والارتقاء ، وتطير الروح فرحا وسعادة وبشرا ، ولم لا ؟؟ وقد ناداها ربها بعد هجر هجير، وفراق موجع مرير. إيذانا لها بالعودة والأوبة حيث تسكن النفوس وتستريح.
نعم .
كان نداء :” صلوا في رحالكم” مع وجعه وألمه يحمل رسائل متعددة فيها الوعد والوعيد، والتبشير والنذير، يتدبرها أهل البصر والبصيرة، ويجهلها أهل الغشاوة والضلالة.
ومن أهم هذه الرسائل: ما في هذا الدين من السعة والتيسير مما يجعله صالحا لكل زمان ومكان، ومتجاوبا مع كل الظروف والأحوال، وغايته الأولى، ومقصده الأسمى سلامة الأبدان حتى يحسن قيام الأديان ، فإن كانت (كورونا) قد فرضت غلق المساجد، فقد صارت كل بقعة من أرض الله مسجدا لكل مسلم ، ألم يقل لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : “وجعلت لي الأرض مسجدا” ، فبعد أن كانت المساجد في الظروف العادية محددة في بقع معينة من الأرض ، جعل الوباء الأرض كل الأرض مساجد للمسلمين في كل مكان في تبادل بديع وفريد بين الفرائض والرخص غير موجود في أي ديانة إلا في الإسلام تيسيرا على أهل الإسلام.
لقد ذكرني هذا اليوم بِعَبَرَاته وشجنه بعَبَرَات الذكري، وأنين الشجن، يوم أن صعد سيدنا بلال مئذنة مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤذنا بعد عشرة أعوام من وفاته امتنع خلالها عن الأذان لأن نفسه لم يكن يطيب لها أن تؤذن بعد فقدانه لحبيبه محمد صلى الله عليه وسلم، فإنه في هذا اليوم أبكى بصوته النَّدِي كل من سمعه من أهل المدينة، بعد أن هيج في نفوسهم الحنين والشوق إلى زمن الحبيب صلى الله عليه وسلم.
وهكذا في فجر هذا اليوم هيج فينا المؤذن الأشواق إلى الصلاة في المسجد بعد انقطاع، فانسكبت مع ندائه العبرات ، واهتاجت الأشواق.
فاللهم لا تحرمنا من بيوتك، ولا تؤاخذنا بذنوبنا ، فأنت غني عنا، ونحن لا رب لنا سواك.