يقينا .. الإنتخابات البرلمانيه أو أى إستحقاق إنتخابى على أى مستوى حق مشروع لكل مواطن مصرى ترشحا كان أو تصويتا ، حيث أن المادة 62 من الدستور التي وردت في الباب الثالث منه الخاص بالحريات والحقوق والواجبات العامة تنص على أن ” للمواطن حق الانتخاب والترشيح وإبداء الرأي في الاستفتاء وفقاً لأحكام القانون . ومساهمته في الحياة العامة واجب وطني “. ومؤدى ذلك أن الحقوق السياسية المنصوص عليها في هذه المادة . ومن بينها حق الترشيح الذي عنى الدستور بالنص عليه صراحة مع حقي الانتخاب وإبداء الرأي في الاستفتاء ، اعتبرها الدستور من الحقوق العامة التي حرص على كفالتها وتمكين المواطنين من ممارستها ، لضمان إسهامهم في اختيار قادتهم وممثليهم في إدارة دفة الحكم ورعاية مصالح الجماعة . ولم يقف الدستور عند مجرد ضمان حق كل مواطن في ممارسة تلك الحقوق وإنما جاوز ذلك إلى اعتبار مساهمته في الحياة العامة عن طريق ممارسته لها واجباً وطنياً يتعين القيام به في أكثر مجالات الحياة أهمية لاتصالها بالسيادة الشعبية ، ومن ثم فإن القواعد التي يتولى المشرع وضعها تنظيماً لهذه الحقوق يتعين ألا تؤدى إلى مصادرتها أو الانتقاص منها، وأن لا تخل القيود التي يفرضها المشرع في مجال هذا التنظيم بمبدأي تكافؤ الفرص والمساواة لدى القانون اللذين تضمنهما الدستور بما نص عليه في المادة 8 من أن ” تكفل الدولة تكافؤ الفرص لجميع المواطنين ” وفي المادة 40 من أن ” المواطنون لدى القانون سواء ، وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة. لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة “.
وجدت من الأهميه طرح تلك الثوابت ليدرك الجميع تقديرى لحق كل مواطن فى الترشح وأهمية تحمله لتلك المسئوليه ، بصدق وليس بتزيد ، كما تذكرت وأنا أطرح كل تلك الثوابت الدستوريه ماعايشته بهذا الشأن قبل مايزيد على ثلاثين عاما مضت إنطلاقا من حوار دار بينى وبين أستاذى الجليل الكاتب الصحفى الكبير والمؤرخ العظيم جمال بدوى ، إبن بلدتى بسيون اثناء تواجدنا بمكتب إبراهيم باشا فرج سكرتير عام حزب الوفد ، فيما يتعلق ببعض الجوانب الهزليه فى الإنتخابات البرلمانيه ، تابعها بإستغراب شديد إبراهيم باشا فرج سكرتير عام الوفد في ذلك الوقت ، تذكر أستاذى ما حدث فى الماضى إنطلاقا من الحمار ، مستبعدا أن يعيد التاريخ نفسه حتى ولو بصورة حديثه لأنه لم يعد الحمار الذى حمل ذات يوم أحد المرشحين الذى جلس عليه وجهه للخلف وظهره لوجه الحمار ، ولم يعد موجودا الأشخاص الذين فعلوا ذلك نكاية في أحد المرشحين ، والآخر الذى ساعد بعض الفلاحين فى أطراف دائرته الإنتخابيه ثم إكتشف أنهم تابعين لدائرة أخرى فنهرهم لأنهم لم يبلغوه قبل مساعدتهم فى ” دراس القمح ” ، وصاحب المطعم الذى كان يقدم وجبات ساخنه مجانيه حيث كان يخدعه الناس بأنهم سينتخبونه ثم لم يحصل على أصوات فأخذ يشتم الناس ، وصاحب محل بقاله رشح نفسه وكان تركيزه فى الدعايه توضيح مكان محله وماذا يضم من منتجات غذائيه وأسعارها ، وردا على تعجب البعض من هذا الأسلوب في الدعايه قال تلك دعايه هامه لمنتجى تساوى الآلاف لو أنفقتها ، وآخر كتب فى دعايته إنتخبوا صاحب عصارة كذا بشارع كذا .
بحق الله لو عاش أستاذى الجليل جمال بدوى لليوم لرأى كيف تطور هذا الهزل وإمتد للطبقه المثقفه ، حتى أن بعضهم جعل من تلك الأجواء التحضيريه للإنتخابات البرلمانيه القادمه بإذن الله منطلقا للهزل الممزوج بالصخب ، من خلال الدفع بأشخاص للترشح ترسخ لهزلية الإنتخابات ، حتى باتت كل المؤشرات تؤكد على أننا مقبلون على حاله من الهزل تتعلق بالإنتخابات القادمه لمجلس النواب ، يرسخ لهذا الهزل ليس الجهلاء إنما المثقفين للأسف الشديد ، حيث أصبحنا ندرك في كل مكان في ربوع الوطن حاله من الضجيج الممزوجه بالهزل ، لم يشهدها التاريخ من قبل ، حيث يعبث بعض الأشخاص بالعمليه الإنتخابيه من خلف ستار من خلال خداع بعض الطيبين بدفعهم للترشح لإحداث حاله من الهزل وترسيخ أجواء تتسم بالمساخر ، أو للكيد فى بعض النواب لعدم تحقيق مبتغى له كان ينشده لديهم ، وهؤلاء لايدركون أنهم يقزمون بلدهم ويجعلونها بلا قيمه أو أى قدر ، حتى أن أحدهم كتب لبعض الطيبين المدفوعين للترشح برنامج حالم للنهوض ببلده لا يحدث إلا فى أمريكا ، كما يتم الدفع بآخرين على وعد بالإنفاق عليهم للكيد فى مرشحين بعينهم وكذلك فى النواب الحاليين ، ليذكرنى هذا بأحد المرشحين من الطيبين في الماضى البعيد حيث كنت طفلا عندما حاول الإنتحار عند سقوطه في الانتخابات حيث هيأه من دفعوا به أنه ناجح الأمر الذى جعله مرارا وتكرارا يطلب من الذين حوله للضحك أن ينادوه بسيادة النائب ، حيث ترسخ اليقين لديه أنه سيفوز بالمقعد ويصبح عضوا بالبرلمان ، كل هؤلاء لايدركون أنهم بهذا السخف يعملون على تدمير كيان الناس وإحداث حاله من السخريه تتناقلها الأجيال دليل إنحدار حتى في مكون الشخصيه المصريه إنطلاقا من بعض أهالينا الطيبين المدفوع بهم وكذلك من دفعوا بهم للتسليه والضحك .
يبقى أن تلك الحاله من السعار التى إنتابت كثر للدفع بمرشحين من أهالينا الطيبين تساوى معهم فيها بعض الأشخاص البسطاء الذين يرون فى أنفسهم القدره على تحمل تلك المسئوليه ، الأمر الذى جعلنى وكثر نترحم على قيمة النائب ومستوى ثقافة الناس الآن ، وأحمد الله تعالى على نعمة التناغم مع النفس واليقين بعدم الترشح والمشاركه في هذا الهزل المجتمعى الذى لاشك يهدر قيمة البرلمان ، والنواب ، والشخصيه المصريه جميعها ، وهذا لايمنع أن هناك مرشحين جديرين بالإحترام والتقدير ، وشخوصهم محل توقير ، لكنهم ليس لديهم آليه تكون منطلقا لهم لخوض هذه التجربه ، كشاب بلا عمل ، أو موظف بسيط ، أو طبيب حديث ، أو شخص ينتمى لقريه يحترمه كل من فيها لكن ماذا عن باقى القرى خاصة وأنه بلا عمل ، الأمر الذى يجعلنى أكثر قناعه بما أكد عليه الخبراء من ضرورة أن يكون الشخص لديه في مكون الشخصيه مايجعله قادرا على تحمل تلك المسئوليه العظيمه ، والخلفيه الوظيفيه التي تساهم بأن يكون له علاقات قبل الترشح بمراحل كأن يكون قاضى ، أو محامى ، أو رجل أعمال لديه خبرات وتجارب وإحتكاكات ، أو إعلامى وصحفى لديه رصيد كبير من العلاقات ، لأنه طبقا للدراسه التي تم إعدادها بهذا الصدد مؤداها هب أن شخصا بسيطا لاعلاقات له حتى فى محيط منزله كيف له أن يطرح هموم الناس ويتبنى قضاياهم لدى المسئولين ، أو موظفا بسيطا حدود تعامله رئيسه في الوحده المحليه ، ونجح بقريته كيف سيستطيع أن يتعامل مع محافظ ووزير ويحاسب الحكومه إنطلاقا مما حدده الدستور للنائب من آليات محاسبه دستوريه من خلال تفعيل الإستجواب ، وطلب الإحاطه ، والبيان العاجل ، والسؤال ، بل كيف سيستطيع أن يناقش الميزانيه .
بعيدا عن العابثين الذين يفعلون ذلك على سبيل التسليه والضحك والسخريه ، دون إدراك منهم أن النتيجه بشر بلاقيمه ، وبلد منزوعة الإحترام ، أطرح رؤيتى لمن تبقى من الحريصين على قيمة هذا الوطن الغالى ، ويرفضون أن يوصم شعبنا بالهزل ، أعتقد أنهم فهموا الديمقراطيه بالخطأ ، أو أن من يدفع بهم يريد الخير لبلدنا ، ومؤلم أن أقول أن كثر من العقلاء هم على صواب إذا قرروا الخلود للراحه يفكرون في عدم المشاركه فى العمليه الإنتخابيه حتى ولو بالإدلاء بالصوت لعدم وجود شخصيه قادره على تحمل تلك المسئوليه فلعل ذلك فرصه لإيقاظ الغفلى بخطورة مايحدث ، خاصة وأن من يستطيعوا إحترموا أنفسهم ، وإبتعدوا حتى لايكونوا طرفا فى مسرحيه هزليه ، على أية حال وجدت من الأهمية التأكيد على تلك المفاهيم الدستوريه الراسخه ليدرك الجميع إحترامى لكل شخص يجد فى نفسه القدره على تمثيل أبناء دائرته ، وحتى لايعتقد أحد أننى أصادر على حق أى أحد فى الترشح ، لكننى فى نفس الوقت كان من الواجب التنبيه لهزلية مايحدث حتى لانكون أضحوكه يتندر بها الناس جيلا بعد جيل ، فهل ينتبه العقلاء أم أن الهزل بات قدرا مكتوبا علينا يتندر به الأجيال القادمه .