الاجتهاد جهاد مستمر بمعية الله
أ.د. محمد السعيد عبد المؤمن
إذا كان المستوى الثقافي منخفضا ينخفض مستوى الفكر والمفكرين، وإذا انحط المستوى الثقافي مات الفكر ولم يبق من يفكر، وإذا انخفض مستوى التعليم فهذا معناه انخفاض مستوى المتعلم ومنهجه ومادته التعليمية، ومات أستاذه، وإذا ساءت الأخلاق ساءت العلاقات، وتفكك المجتمع، وهذا معناه انخفاض مستوى الوعاظ، وقبلهم العلماء، وضعف الإيمان فصار الدين غريبا، ومع انخفاض مستوى الاجتهاد والثقافة والتعليم والأخلاق والتدين الحق ينخفض مستوى الأداء العام، وتتراجع المعنويات، ويتراجع الإنتاج في مختلف المجالات، وتظهر المحن وتتمادى الابتلاءات.
الحل الوحيد لوقف التراجع ومنع الانحطاط هو مراجعة التوجه، فمن كان توجهه إلى الله ورسوله فوجهته إلى الله ورسوله، ومن كان توجهه إلى دنيا يصيبها فتوجهه إلى ما توجه إليه.
ومراجعة التوجه معناها التوجه إلى معايير الله، والتفكر في آيات الله، والعمل بما أمر الله. يقول تعالى: وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون. (العنكبوت ٤٣).
العلماء هم أول من يقدم الحلول، لأنهم أول من يعاقب على التقصير، فهم من يعقل الأمثال التي يضربها الله، ومنها يرشدون الناس إلى الصراط المستقيم. فإذا عقلوا الأمثال أدركوا أن الله ضربها لكل زمان ومكان، وعقلها أيضًا يأتي بربطها بالزمان والمكان.
ومن ثم فإذا كان الأقدمون من العلماء قد عقلوها فقد عقلوها في إطار زمانهم وبيئتهم، ومع تطور الزمان يتطور العقل، ومع اختلاف المكان تتسع ساحة الفكر والاجتهاد.
من هنا لا بد من المراجعة، فالتوبة مراجعة والإياب مراجعة والاستغفار مراجعة، ومعنى المراجعة عدم العودة لما تم سابقا، وإنما الاتعاظ به، فلا ضير من مراجعة ما استقر عليه علم الأقدمين، وما قدموا من اجتهادات حول مقاصد الشريعة، ولو كانت من الأئمة الأربعة أو الإمام جعفر الصادق.
ألا يكفي قول الله تعالى: والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين! (العنكبوت٦٩) صدق الله العظيم.
الاجتهاد جهاد مستمر فإذا كان بتوجه إلى الله، فقد أكد الله أنه سبحانه يهدي المجتهدين سبله، وسبله معناه اتساع ساحات الاجتهاد وتخصصاتها، بل إنه تعالى يؤكد أنه يكون مع المحسنين في اجتهادهم على أية ساحة كانت.
ألا هل بلغت اللهم فاشهد.