كل عام وأنتم بخير .. وقتا طيبا قضيناه فى رحاب أجواء عيد الأضحى المبارك أعاده الله عليكم وعلى أسركم وأهليكم والأمه الإسلاميه بالخير واليمن والبركات .. غدا نستعد للعوده للتعايش مع دوامة الحياه ، ومنعطفات الأيام من تطاحن ، وصراعات ، وترديات ، كثيرا تمنيت أن تمتد السكينه التى لازمتنا فى العيد إلى كل أيامنا ، والتكافل الذى أدركته عند الميسورين من الكرام بحق الفقراء من الأهل والأحباب إلى مابعد العيد ، بحيث يشمل كل الأيام ، وطوال العام ، حتى أننى كثيرا أفكر أين الناس الطيبين بعد العيد ، متمنيا أن يمتد جبر الخاطر كل الأيام ، ويشمل كل الأوقات لأنه السبيل للسكينه والراحه ، ومنطلق السعاده ، متمنيا أن نودع التطاحن والبغضاء الذى خلفهما ضيق العيش ، وصعوبة الحياه ، وأن يختفى من حياتنا هذا الصراع الدامي بين الناس ، والذى جعل كثر من الذين يحترمون أنفسهم يغلقون على أنفسهم الباب ، وينكفئون على الذات ، ويتعايشون مع من تبقى من زمن جميل كان فيه الخير نبراسا ، والسعادة يقينا ، والمحبه صدقا ، لكنه أصبح الآن يتلاشى من الوجود بالكليه خاصة بعد تنامى الكذب والخداع والتضليل فى كل حياتنا .
ذهب الناس فى بلدتى إلى المقابر شأن كل عيد فى الريف ، ليسعدوا بالقرب من الراحلين من الأحباب ، هؤلاء الموتى الذين يندر وجودهم الٱن بالحياه ، حتى على مستوى التعامل الشخصى ، والسلوك العام ، يأنسون بهم ، ويحاكوهم ، ليقينهم أنهم فى عالم الصدق ، يطمئنونهم على أحوالهم ، وأنهم بخير ، وفى معية الله فى عالم بات فيه الكذب من المسلمات ، والخداع منهج حياه ونبراس وجود ، يبلغوهم بمن تزوج ، ومن مرض ، ويشكون لهم من ضاقت بهم سبل العيش ، وفى المساء نراهم يعج بهم قاعات الأفراح لحضور مناسبات سعيده ، ويالها من حياه بات الإنسان فيها يعيش فى تيه حيث ينازع كيانه السعاده والتعاسه ، وينصهر فى عالم المتناقضات .
بين الأموات الأحباب فى الصباح ، وقاعات الأفراح فى المساء ، يتعين أن نقف مع النفس كثيرا وطويلا ، ونزلزل أركان الوجدان ، وننبه الضمير بما يجب أن يكون عليه من حال ، لأننا فى لحظه إن ٱجلا أم عاجلا سنكون من ساكنى تلك القبور ، يزورنا الأحباب صباحا ، وفى المساء يكونوا فى رحاب قاعات الأفراح ، وهكذا الدنيا ، وهكذا الحياه ، بين حزن وفرح ، وسعاده وتعاسه ، ورحمه وقهر ، وعدل وظلم ، وإذا كان ذلك كذلك من حقائق يقينيه فلماذا يظلم الإنسان أخاه الإنسان ؟ ولماذا يقهر الإنسان أخاه الإنسان ؟ ولماذا الأحقاد والكراهيات تغوص فى أعماق النفوس ؟ ولماذا الجبروات ؟ ولماذا يمعن صاحب السلطه فى قهر العباد دون إنتباه أنه جزءا من كيانهم يجرى عليه مايجرى عليهم من أمور الحياه ؟ يعنى يمرض ويتألم إذا أصاب فردا من أسرته مكروه ، ويدخل الحمام لأنه بشر لايتحمل أن يحتبس فيه البول فيتسمم جسمه ويموت ، لايمنعه عن ذلك منصب أو جاه . وكذلك الأغنياء الذين أنعم عليهم رب العالمين سبحانه بالمال فأبدعوا فى زيادته بارك الله لهم فيه طالما كان من حلال ، يبقى أن ينتبه جيدا من نسى منهم حق الله فيه فبخلوا ببعضا منه ، يفكوا به كرب المكروبين من الفقراء ، دون إدراك أنهم وأنا وجميعنا سيضمنا القبر حين يحل مقدور الله تعالى رب العالمين علينا ، عرايا مساكين ، أجسادنا ملفوفه فى كفن من القماش البسيط .
لكم بكيت من العجز عن مساعدة أصحاب الحاجات حتى وددت لو أعطانى الله من المال الذى أنقذهم به من وحشة الأيام ، وترديات الزمان ، الذى أصبحنا فيه نسمع عما يسمى بالغريمات من النساء العظيمات اللائى يعرضن أنفسهن للسجن عبر تحرير شيكات ، ووصولات أمانه مقابل أجهزه كهربائيه ليسترن بناتهن ، وفيهن أرامل ، ومن خط الفقر خطا على جبينهن ، وبات يعرفهن الناس أصحاب القلوب الطيبه ، إسترشادا بقلوبهن ، وأخريات لايردن فى الحياه أن يذهبن إلى الساحل الشمالى ، وشرم الشيخ فى الصيف ، والأقصر وأسوان فى الشتاء ، إنما يردن الستر من خلال مساعدة أهل الخير فى تدبير مصدر رزق ولو كشك يعيشون منه وأطفالهن بعد وفاة عائلهن ، وذلك بلاضجيج ، أو إحداث زخم ، أو نصب زفه ممزوجه بالطبل والمزمار .. ماأحوجنا أن نخرج الإنسان الطيب الذى بداخلنا ليعم السعاده حياة الناس ، فهل نستطيع ؟ أم سيكون مصمصة الشفاه ردا طبيعيا فى زمن تلاشى منه الخير ، وودع فيه الناس السعاده ، ثقتى فى الله كبيره ، وأن الدنيا بخير، وأن هناك من يتحركن من داخلهن لعمل الخير ، أو تأثرا بتلك الكلمات التي تخاطب القلوب وكل الكلمات الطيبه ، فنرى الخير يجرى بين أيديهم إبتغاء مرضاة الله ، وسبيلا لرضوانه عز وجل ، وهم كثر بفضل الله ، وسيجعلهم رب العالمين سبحانه سببا فى صنع الخير ، ويافرحة من إصطفاهم الله لتلك المهمه الإنسانيه النبيله .