تأثرا بأجواء العيد يطيب لى أن أغرد بما في القلب ، ويتناغم مع مجريات الحياه ، كاشفا عن أهمية المواقف في حياة الإنسان ، لذا قيل الإنسان موقف ومن لاموقف له لاقيمة للتواصل معه ، تلك المواقف لاشك تحدد نبل الإنسان وقدره الإنسانى والمجتمعى ، يتعاظم ذلك عندما يكون الموقف له علاقة بالإنصاف ، وجبر الخاطر ، لأنه يستقر في الوجدان حتى يلقى الإنسان رب كريم ، ومن نعمة الله تعالى أن بهذا الوطن كثر من هؤلاء الكرام ، ليستقر اليقين أن مصر عظيمه برجالها ، كبيره بشعبها ، ذات سياده تتحكم فى إرادتها ، ليس هذا من قبيل التغنى إنما ماإستقر في الوجدان ، لأن بهذا الوطن عظماء بحق ، ولأننا مجتمع بشرى يكون من الطبيعى أن يكون هناك من نرفض مسلكهم ، ونعترض على نهجهم ، إلا أن هؤلاء يمثلون شريحه فى المجتمع لايتعين أن نبنى عليها إطارا عاما لوطننا الغالى ، أو نصدرهم على أنهم الدوله .. لذا مؤلم أن نجلد ذاتنا كل الوقت ، ونصدر حتى لأنفسنا أن كل المسئولين لايفقهون شيئا ، وأضروا بالوطن ، ونهبوا مصر ، ، تلك الرؤيه تنطبق على الماضى وكذلك الحاضر وبالقطع المستقبل ، ونظرا لهذا الموروث البغيض يتعين إنصاف من ندرك لديهم أداءا أو مواقف تتسم بالإنسانيه ، وتتحلى بالموضوعيه .
إنطلاقا من ذلك ذات يوم وبحكم تخصصى الصحفى كرئيسا للقسم القضائى بجريدة الوفد ومحررا متخصصا فى شئون وزارة الداخليه ، طرقت باب الوزير ، فرآنى مكتئبا مهموما حزينا ، طلب لى القهوه ، ونظرا لوجود قيادات بالوزاره كانوا جلوسا معه يعرضون عليه أمرا ، إستأذنت فى الإنصراف فأبى وقال عاوزك ، فأخذت جانبا فى الجلوس حيث أحد الصالونات فى جانب من حجرة المكتب بعيده عن جلسته مع القيادات ، ماهو إلا وقت قصير إنتهت فيه مقابلاته ، فأشار لى وجلست بالقرب منه ولم أستطع الحديث كما هو معتاد ، فأدرك ذلك جليا ، فسألنى مابك ، تؤمر ولاتنعى هم ، الوزير الإنسان ظن أننى بضائقه ماديه ، فأخرج من جيبه بعضا من المال مؤكدا أنه على سبيل السلف فاعتذرت ، مخرجا من جيبى ماكان بحوذتى من مال ليعرف أن معى مال ، قال مابك ، أنت من الرجال ظاهرهم كباطنهم لايستطيعون الإخفاء ، فالفرحه أدركها لديك ، والسعاده وحتى الحزن ، ولاتستطيع أن تقاوم مايظهر على وجهك ، فما بك طمنى .
قلت له بصراحه وتلقائيه .. معالى الوزير لى صديق زميل دراسه أحسن منى ملايين المرات ، رفضوا تعيينه معيدا بكلية الطب رغم أنه الأول على دفعته ومن النابغين وذلك لصدور تقرير أمنى بحقه أدرك أنه صدر مجاملة لإفساح المجال لآخر فى التعيين ، ومؤلم أنه فى مأزق وأنا أشعر بالعجز عن إنصافه وإنقاذ مستقبله ، وأعطيته إسمه والبيانات ، وأجرى إتصالا ، ولم يمر وقت إلا وكان ملفه أمامه فقال صدقت ، وأشر لاأعرف نص ماأشر به ، لكنه قال لى مبروك ، تسلم ياأبوحنف ، لقد أنقذ إخلاصك زميلك . وبفضل الله تم تعيينه معيدا بكلية الطب وهو الآن حاصل على درجة الأستاذيه .
بعد أيام حاصرنى أحد الضباط الكبار الذى تربطنى به صداقه بحكم أنه بلدياتى ، كيف إستطعت ؟ ، مشيرا إلى الأمر فقلت له والله هذا توفيق الله ، وذلك بعد أن عرف بأننى من تدخلت فى الأمر ، فقلت له واجبنا أن نتصدى لأى عبث خاصة الذى سيؤثر على مستقبل الناس بالكليه ، وليس لمجاملة منافس فقط ، كارثة هذا التقرير كما فهمت أنه يرسخ للحكم الأبدى على أى شخص وهذا منافى لطبيعة الأشياء ، وثوابت الدين ، حتى ولو كان هناك رؤية سلبيه بحق شخص لايجب أن تكون أبديه ، فالله تعالى يقبل توبة العبد وهو يحتضر فنأتى نحن البشر ونفرض الأبديه على الناس ، وندمرهم ، فهذا ياسيدى يزيد الكراهية والبغضاء ، إستشعرت وكأنه يريد أن يقبض على رقبتى بيديه من الغيظ ويخنقنى .
أكشف عن هذا الجانب الإنسانى فى حياة معالى الوزير النقى التقى اللواء محمد عبدالحليم موسى وزير الداخليه ، دون أى شبهة لمجامله ، أو نفاق فالرجل فى رحاب الله تعالى لاحول له ولاقوه ، فى حاجه لدعوات الصالحين ، كما ينعم الآن بما فعله من خير للناس وينال عليه دعوات كل من قدم لهم هذا الخير وأنصفهم ، وهكذا نحن البشر ظالمين لاننصف الناس إلا عند موتهم ويصبحون ذكرى ، رغم أن حقهم أن ننصفهم أحياء وهم بالمنصب ولانلتفت لمن قد يلصق بنا فرية النفاق لأنه من الظلم أن يمنعنا ذلك عن إنصاف المسئولين ، يبقى من الواجب أن ننصفهم على الأقل بعد أن يتجردوا من المنصب ، لاينتبه إليهم أحد إلا من بداخلهم محبه حقيقيه لهم نشأت من جميل صنيعهم وهم بالسلطه .. على أية حال إن هذا الإنصاف أراه من واجبى وشهادة حق عن عمل طيب له لاشك هو له ذخرا يوم الحساب ، ولأن الناس لايعرفون عن وزير الداخليه إلا كونه جبارا فى الأرض ، وكذلك لأتندر على زمن كانت الصحافه فيه صاحبة الجلاله بحق وليست خادمه فى بلاط السلاطين ، ومقدار الصداقه التى كانت تربط بيننا كصحفيين ومصادرنا الصحفيه إنطلاقا من مصداقيه تجسدت من خلال التعامل والتعايش ، ولى أن أفخر أن صلتى بالوزير الإنسان معالى اللواء محمد عبدالحليم موسى رحمه الله ظلت حتى بعد خروجه من الوزاره ، وظللت كل جمعه ألتقى به بمزرعته بالنوباريه ، حيث أكون برفقة الحبيب والصديق والإنسان معالى الوزير اللواء جميل أبوالدهب مدير أمن الغربيه السابق ، ومحافظ بور سعيد السابق رحمه الله ، حيث كان ينتظرنى صباحا بمنزله بشارع النادى بطنطا ثم ننطلق إلى النوباريه لنقضى اليوم مع الوزير عبدالحليم موسى ويباشر مزرعته هناك ، وهناك كنت ألتقى بكرام كثر وكنت أأنس بالخلوق المحترم إبن أبوتشت ونائبها السابق بالبرلمان ، وإبن صعيد مصر الخلوق المحترم اللواء عصام بركات رئيس حرس الوزير عبدالحليم موسى ، عضو مجلس النواب بعد ذلك .
لم يكن فى هذا الوقت من الزمان إنصاف صديقى مجرد حاله عرضتها على وزير الداخليه ، إنما كان نهجا عندما تتضح الصوره ، وتظهر الرؤيه ، ويستقر الضمير بحقيقة الأمور ، الأمر الذى معه رصدت نهج الإنصاف فى مواقع كثيره يعليه المسئولين عندما يستقر يقينهم بأنه يتحتم رفع ظلم قد وقع ، الأمر الذى معه أرى أنه من الضرورى طرح المواقف المشرفه لكل مسئول كان إنسانا فأنصف مظلوما . يتعاظم هذا النهج لدى الآن حيث أكون فى خريف العمر أستعد للرحيل عن هذا العالم المزيف ، أنكفأ على ذاتى ، وألملم شتات نفسى ، وأجتهد لتقديم الخير للناس ، ومساعدة المرضى وأصحاب الحاجات ، ورفع الظلم عن المقهورين ، وأدعو لهذا الوطن الغالى ، وكل أبناء الشعب ، بالتقدم والإزدهار ، وأن يخرج من رحم الوطن مسئولين على هذا القدر الرفيع من الإنسانيه ، أيا ماكانت مواقعهم الوظيفيه ، وأن ينتبه الضباط جميعا خاصة المنوط بهم تقييم أحوال العباد أن العدل إسم من أسماء الله تعالى ، وأنه لاأبدية فى الحكم على الناس ، فكم من عاصى تاب ودخل الجنه ، وكم من صالح فسد ودخل النار ، فالقلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء لذا كان دعاء النبى صلى الله عليه وسلم ” يامقلب القلوب والأبصار ثبت قلبى على دينك ” ، هذا فى أمر الآخره ، فمن باب أولى أن يكون هذا النهج فى الدنيا ، لذا لابد وأن تكون المراجعات منهج حياه ، فجميعا إلى زوال ، نحن وكل المسئولين ، وأن شأنهم شأننا لن يؤنس وحشتهم فى الدنيا والآخره إلا العمل الصالح ، والمواقف النبيله التى تكون سببا لينالوا الدعوات الطيبات بالصحة والستر ، وهل هناك فى هذه الحياه أعظم من الصحه والستر .