هل أصبحت غزّة ساحة تجارب لإستخدام الذكاء الإصطناعي في الحروب
دكتور.محمد عسكر
مستشار التكنولوجيا وخبير أمن المعلومات
تشهد تكنولوجيا المعلومات والذكاء الاصطناعي فى الأونه الأخيره تطورات متلاحقه و متسارعة، بدأت تؤثر بشكل كبير وواضح على العديد من القطاعات المدنية والعسكرية على حد سواء. فى المجال الحربى تحديدا بات جليا الدورالفاعل للذكاء الإصطناعى كشق رئيسي بل وأحد أهم العوامل المساهمة في مضاعفة القوة العسكريه للدول، لاسيما وأنه قادرعلى جمع ومعالجة كميات هائلة من البيانات بشكل أسرع وأكثر فاعليه من أي إنسان وبالتالي ترجمتها إلى أهداف قابلة للتنفيذ . وأتوقع بأن تشهد التطبيقات العسكرية للذكاء الإصطناعي قفزة نوعية خلال السنوات المقبلة، حيث ستكون الجيوش في حاجة ماسة إلى توظيف هذه التكنولوجيا في الحروب من أجل تقليص عدد الضحايا في صفوفها من جهة، ولتكبيد االعدو خسائر مادية وبشرية فادحة من جهة أخرى، خاصة في ظل هذه المرحلة التاريخية التي يشهد فيها العالم تحولات جيوسياسية كبرى ستؤدي -لا محالة – إلى ميلاد نظام دولي جديد قائم على التعددية القطبية.
يتجلى تدخل الذكاء الاصطناعي في الحروب بشكل واضح من خلال ما يحدث من تطورات على جبهات القتال في غزة، حيث يتم إستخدام تقنيات الذكاء الإصطناعي بهدف الحصول على فاعلية أكبر في ضرب المواقع ومن أجل المساعدة ميدانيا فى تحديد الأهداف وإتخاذ القرارات. لقد أصبحت الحـرب الدائرة فى قطاع غزة، مسرحا لتجربة أسلحة فتاكة جديدة، تعتمد على الذكاء الإصطناعى يستخدمها جيش الإحتـلال الإسرائيلى ليتسبب فى سقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين. تستخدم قوات الإحتلال الإسرائيلية تقنيات مختلفه تغطي مجموعة واسعة من المجالات، بدءا من المحادثات مع الأشخاص في الميدان وحتى الإشارات الواردة من الهواتف المحمولة وأجهزة الراديو وصور الأقمار الصناعية وغيرها كثيرمما يشير إلى أن الذكاء الإصطناعي في القلب من الحرب على قطاع غزه. إن الحرب اليوم على غزة قد تشكّل منعطفاً خطيراً في سير عمليات الحروب كونها المرّة الأولى التي يتم فيها استخدام الذكاء الإصطناعي على نطاق واسع خلال عملية عسكرية واحدة، إذ تقوم إسرائيل بنشر التكنولوجيا لصد الهجمات الصاروخية وتحديد الأهداف، هذا وتعتمد إسرائيل على إستخدام الذكاء الإصطناعي لتحديد مسارات الصواريخ بناء على معلومات الرادار وبالتالي إعتراضها، حيث تمّ تصميم نظام القبه الحديديه بحيث يترك الصواريخ التي يستنتج بأنها سوف تسقط في مناطق مفتوحه لا تشكّل أهمية أو ضرر للإسرائيليين، وذلك لأن تكلفة كل صاروخ إعتراضي تقدّر بأكثر من 50,000 دولار أميركي، لذا فإنّ التوقّف عن عمليات الإعتراض التي لا طائل من ورائها يساعد في خفض التكاليف.
إن الجيش الإسرائيلي يستخدم التكنولوجيا الحديثه لشن حرب شاملة في قطاع غزة يمكن وصفها بأنها “حرب الذكاء الاصطناعى” الأولى ويخطو جيش الإحتلال الإسرائيلي خطوات كبيرة ومتسارعة في دمج الذكاء الإصطناعي عسكرياً وإستخباراتياً وعملياتياً في أنشطته الدفاعيه والهجوميه ، لإستغلال ما يقدمه من قدرات لا تستطيع القدرات البشرية توفيرها لتعزيز إمكانياته، ولا سيما في مجال الإستخبارات العسكرية وتحديد الأهداف. ولعل أبرز و أحدث أنظمة الـذكاء الإصطناعى التي تستخدمها إسرائيل في حربها على غزة هو نظام حبسورا (Habsora)، والإسم يعني الإنجيل في العبرية. لقد كان مستغرباً قول الجيش الإسرائيلي بعد حوالى شهر من شنّه عدوانه الهمجي على شعب غزة، أنه دمر أكثر 15 ألف هدف! وفعلياً، لا يُعقل وجود هذا الكم الهائل من الأهداف في منطقة تبلغ مساحتها الجغرافيّة 365 كيلومتراً مربعاً. ثم كيف لحركة حماس أن تستطيع بناء ذلك كله؟ فعلاً، كان أمراً غريباً. لكن موقع قوات الإحتلال الإلكتروني، أشار إلى إستخدامها نظام ذكاء إصطناعي يُدعى «حبسورا». وقبل مدة وجيزة من الحرب الحالية، تحدّث قائد الجيش الإسرائيلي السابق أنّه في عام 2019، أنشأت قوات الإ حتلال “القسم الإداري للأهداف”، وهي وحدة تتألف من مئات الضباط والجنود المخصّصين لإستخدام قدرات الذكاء الإصطناعي في تحديد الأهداف لتدميرها. كما أكد رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق، على نجاح الفرقة في عملية “حارس الجدران” ضد غزة عام 2021، متحدثاً عن ” آلة تحلّل كميات هائلة من البيانات بشكل أكثر فعالية من أي إنسان، وتترجمها إلى أهداف للهجوم”. وأضاف قائلاً “إنه بمجرد تفعيلنا هذه الآلة، أنتجت 100 هدف يومياً” رغم أننا كنا نُنتج في الماضي 50 هدفاً فقط في غزة سنوياً. والآن تنتج هذه الآلة 100 هدف في اليوم الواحد، وتتمّ مهاجمة 50% منها. إن استخدام هذه الحلول التكنولوجية يفسر كيف تمكن الجيش الإسرائيلي من قصف قطاع غزة بهذه الوتيرة المحمومة.
لقد عرفت هذه الحرب إستخدام إسرائيل لأحدث الأسلحة فائقة التطوربإستخدام أدوات الذكاء الإصطناعي، الذى يعمل على جمع وتحديد الأهداف بشكل دقيق ليتم إستهدافها على أيدى الجنود الإسرائيلين، ولعل من أبرز هذه الأدوات نجد برنامج ذكاء غصطناعي يدعى “غوسبيل”
(The Gospel) ، والذى تتم تغذيته بالبيانات، ليقوم باختيار “الأهداف” التي يراد قصفها في قطاع غزة، والتي تشمل عناصر حركه حماس وقادتها. يعتمد نظام “غوسبيل” على معلومات وصور من الطائرات المسيّرة وكذلك المعلومات القادمة من إعتراض الإتصالات، كما يستخدم بيانات أبراج المراقبة لرصد تحركات الأفراد المستهدفين، ثم يعطي إرشادات لأهداف يجب مهاجمتها، مع بيان حول عدد الأشخاص المحتمل قتلهم في القصف. ويتم إستخدام نموذجين لبناء مجموعة بيانات تعتمد على خوارزميات بشأن تحدديد الأهداف للطائرات المقاتله والطائرات من دون طيار، ولحساب الذخيرة المطلوبه، وتحديد أولويات الأستهداف، وكذلك إقتراح جدول زمني للغارات. فالهدف من إحدى هذه الخوارزميات هو إقتراح الأهداف الأكثر صلة بالهجوم، داخل محيط معين، بينما أخرى تستخدم لتحسين خطط الهجوم للطائرات والمسيّرات إعتمادا على طبيعة الأهداف المختارة. هذا وتخضع تلك الأنظمة لمُشغِّل بشري يتولى فحص الأهداف وخطط الغارات الجوية والموافقة عليها، مما يعني أن هذه الأنظمة لن تتخذ قرارا مباشرا بإطلاق النار بشكل تلقائى، بل تتركه لقائد الوحدة الذي يضغط زر التدمير بعد أن تصله قائمة الأهداف ومن ثم الموافقه عليها. وهذا يعنى أن صواريخ جيش الأحتلال اللتى تطلق على غزة ليست عشوائية، بل إنها تطلق على أهداف تم تحديدها سلفا من قبل الذكاء الإصطناعى والموافقه على تنفيذها من قبل القاده فعندما يُقتل الأطفال والنساء في منزل بغزة، فذلك لأن فرداً بالجيش الإسرائيلي قرر أن موتهم ليس “مهما” فإسرائيل لا تتوانى عن إستهداف شخص حددته، رغم علمها بأنه دخل إلى منشأت مدنية مثل المؤسسات الرسمية أو المستشفيات أو الصيدليات، وأن هناك مدنيين حوله، وهو مايفسر قتل وإستشهاد عائلات بكامل أفرادها نتيجه قذف منازلهم بمنتهى الوحشيه. لقد فقد العديد من الأشخاص أرواحهم نتيجة استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التي لم يتم استخدامها من قبل في حروب العصر الحديث.
إسرائيل تعمل على تطوير تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي يوما بعد يوم ورأت أن الفلسطينيين يعيشون في مختبر بشري كبير يسمح بإختبار هذه التكنولوجيا. ولابد من الإشاره هنا إلى أن العديد من الشركات العاملة في مجال الذكاء الإصطناعي تستفيد من هذه الخدمة المقدمة لهم (حرب إسرائيل على غزة) لتطوير هذه التكنولوجيا المرعبه. هذا وتلجأ إسرائيل إلى الخوارزميات والنمذجة الثلاثية الأبعاد (3D) لتنسيق الهجمات على غزة حيث يتم تحليل كميات هائلة من البيانات التي يتم جمعها من الإستخبارات البشرية والمعلومات الجغرافية وبالإعتماد على صور الأقمار الصناعية وأجهزة الاستشعار وغيرها من المصادر ما يمكّن جيش الإحتلال من الحصول على معلومات جغرافية ثلاثية الأبعاد (3D) عن غزة، و تحديد مواقع منصات الصواريخ، كما يستطيع الذكاء الإصطناعي تقديم مقترحات عن أنواع الأسلحة التي تستخدم في الهجمات وعلى تحديد طرق أكثر أمانا للقوات البرية بالقرب من الخطوط الأمامية.
وبالرغم من كل هذا فقد عرفت فلسطين وأبنائها الأبطال وشعبها المرابط الجسور طريقه فى معركه كانت الأولى من نوعها في تاريخ النزاع القائم مع الكيان الصهيوني الغاصب تجلت في معركة ” طوفان الأقصى” التي قلبت موازين القوى وصنعت المستحيل، بل وأعطت دروسا لن تُنسى عن القوة والشجاعة وروح المواطنة والإنتماء وزعزعت أكثر الجيوش تطورا في العالم، ولازالت الحرب قائمة حتى الأن يشن فيها الجيش الإسرائيلي حربا شرسة وإبادة جماعية على الفلسطينين ولكن تبقى إراده الله فوق كل شئ وأن الله مع المؤمنين.
دكتور /محمد عسكر
مستشار التكنولوجيا وخبير أمن المعلوما