كتب رفعت عبد السميع
قالت السفيرة هيفاء ابو غزالة أنه منذ بدء العدوان الغاشم على غزة نتساءل حول المفاهيم والشعارات التي بنينا عليها عملنا التنموي، هل لا زالت قائمة؟ إن أشلاء أبنائنا في غزة مطبوعة في اعيننا نراها حتى حين نحاول ان نستريح من الم المتابعة، صور الأمهات اللواتي فقدن ابنائهن، اصواتهن، صرخاتهن تطاردنا حتى في احلامنا، قوة الإرادة والإصرار على الصمود رغم الألم والدمار والرعب تعلمنا دروسا في الحياة لم نتخيل حتى وجودها. كل هذا وشعار التنمية العالمي ان لا يترك أحد خلف الركب وسكان غزة متروكون بين شهيد وجريح ونازح وطبيب ومسعف وصحافي.
السيدات والسادة
يسعدني ان أرحب بكم اليوم في بيت العرب، وأن أتقدم بالتهنئة الى معالي الاستاذ/ احمد أدام بخيت، وزير التنمية الاجتماعية ممثلا للجمهورية السودانية على تولي بلادكم رئاسة أعمال الدورة العادية الخامسة للمجلس العربي للسكان والتنمية مُتمنيةً كل التوفيق والنجاح لأعمالها؛ كما أتقدم بالشكر لمعالي الاستاذ/ فيصل بن فاضل الابراهيم، وزير الاقتصاد والتخطيط بالمملكة العربية السعودية، على قيادة دولته الموقرة لأعمال الدورة المنقضية بكل اقتدار.
انني أود اليوم ان اشارككم تتويج مسيرة عملكم العربي المشترك بمناسبة مرور خمس سنوات على تأسيس مجلسكم الموقر-المجلس العربي للسكان والتنمية؛
وايماناً منا بضرورة تخليد هذه العلامة الفارقة في تاريخ العمل السكاني العربي المشترك تم اعتماد يوم 28 اكتوبر/ تشرين الأول للاحتفال باليوم العربي للسكان والتنمية من كل عام.
ولكن أي احتفال بهذا اليوم هذا العام، في ضوء التصاعد الحاد في النزاعات المسلحة في عدد من دول المنطقة وبخاصةً ما تشهده جمهورية السودان الشقيق، وفي ضوء وطأة وشراسة الاحتلال الاسرائيلي لدولة فلسطين وما ترتكبه من مجازر وحملات تطهير عرقي وابادة جماعية وعنف ممنهج ضد سكان قطاع غزة الصامدين المقاومين المثابرين من الاطفال والنساء وكبار السن على مرأى ومسمع من العالم أجمع.
أنني أُؤكد من منبري هذا على ضرورة الوقف الفوري لإطلاق النار وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي السافر لدولة فلسطين؛ وأدعوكم لبذل مزيد من الجهد لدعم استمرار تدفق ودخول المساعدات الطبية العاجلة ولتوفير الاحتياجات الطارئة من ماء وغذاء ودواء ووقود للشعب الفلسطيني الباسل في هذا الوقت العصيب. فتقديم المساعدات الانسانية يجسد مبدأ عدم اهمال أحد الا انه تدبير مؤقت لا يمكن ان يكون بديل عن الحلول المستدامة طويلة الأجل؛ فغياب السلام يقوض الأمن البشري وفرص التنمية المستدامة ورفاه الشعوب نتيجة لخسارة مئات الألاف من الارواح وتدمير الممتلكات والبنى التحتية ونزوح الملايين وتزايد أوجه عدم المساواة وتفاقم مواطن الضعف والهشاشة بمختلف ابعادها، (فلا تنمية مستدامة بدون سلام ولا سلام بدون تنمية مستدامة).
وانني وبسبب ازدياد الازمة وتفاقمها أدعوكم من هذا المجلس لإغاثة أهلنا في غزة من خلال المساهمة في صندوق دعم صمود الشعب الفلسطيني في قطاع فلسطين في الأمانة العامة. هذا وقد قامت الامانة العامة بتدشين قافلة المساعدات الانسانية مع الهلال الأحمر المصري المقدمة من مجلسي وزراء الصحة العرب ووزراء الشؤون الاجتماعية. وهنا اتقدم بالشكر لمعالي الدكتور خالد عبد الغفار رئيس المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة العرب ومعالي الدكتورة نيفين القباج وزيرة التضامن الاجتماعي في مصر لتمرير هذه المساعدات لأهلنا في القطاع.
أصحاب المعالي والسعادة،،
بدأ العالم منذ عقد المؤتمر الدولي للسكان والتنمية عام 1994 اي قبل ثلاثون عام من الآن رحلته التاريخية نحو وضع حقوق السكان في صميم عملية التنمية والاعتراف بالصحة الإنجابية وبالحقوق الإنجابية كحقوق للإنسان والتأكيد على أن تمكين النساء والفتيات أمر أساسي لضمان رفاه الجميع؛ وكان اعلان القاهرة لعام 2013 بمثابة الإطار الإقليمي للنهوض بتنفيذ برنامج عمل المؤتمر الدولي للسكان والتنمية من خلال ركائزه الرئيسية الاربعة، وهي: (الكرامة والمساواة، الصحة، المكان والاستدامة البيئية، الحوكمة بما فيها التعاون الإقليمي والدولي والبيانات)؛ وتٌظهر عملية المراجعة الاقليمية في المنطقة العربية والتي توجت منتصف شهر سبتمبر من هذا العام بعقد “المؤتمر العربي الإقليمي للسكان والتنمية: التحديات والآفاق بعد عشر سنوات من إعلان القاهرة 2013” ان البلدان لم تحقق بعد اهدافها في تنفيذ الالتزامات التي قطعتها وان الطريق لا يزال طويلا قبل ان يتمكن كل فرد من ممارسة حقوقه في المجتمع بمساواة وعدالة وكرامة للجميع.
فلا تزال المنطقة العربية تتصف من جانب بانها مجتمع فتي، يشكل الشباب فيه في الفئة العمرية من 15-24 عام حوالي 82 مليون نسمة من اصل 473 مليون نسمة هم اجمالي عدد سكان العالم العربي عام 2023؛ وبالرغم من التمايز بين الدول العربية الا اننا نجد ان الشباب يواجهون تحديات مشتركة تتمثل في ارتفاع معدلات البطالة والفجوة بين مخرجات التعليم ومتطلبات سوق العمل وضعف المشاركة والتمثيل ويفاقم الصراع وعدم الاستقرار السياسي من هذه التحديات.
ولكن من جانب اخر نجد ان هناك مؤشرات لانتقال بعض الدول الي مرحلة الشيخوخة كلبنان وتونس والمغرب ومن المتوقع ان تبلغ نسبة كبار السن في الفئة العمرية 65 عام فيما فوق حوالي 11% بحلول عام 2050؛ ويأتي ذلك نتيجة لانخفاض معدلات الوفيات وتحسن فرص الحصول علي الخدمات الصحية وانخفاض ثمعدل الخصوبة الكلي الى 3.1 طفل لكل امرأة عام 2023.
الحضور الكرام،،
لقد شاهدنا جميعاً خلال العام الجاري الآثار المدمرة لتغير المناخ على كوكب الارض، فكان فصل الصيف في نصف الكرة الشمالي الأشد حراً على الإطلاق على مستوى العالم، كما قتل ما يقرب من خمسة آلاف شخص على الأقل في دولة ليبيا جراء العاصفة “دانيال” التي اجتاحت البحر المتوسط في سبتمبر الماضي؛ ما يقرع ناقوس الخطر لدينا بإنه اذا لم تتخذ الحكومات الاجراءات الكافية لتقليص انبعاثات الغازات الدفيئة فسيستمر ارتفاع درجات الحرارة في العالم الى مستويات قياسية ما سيتسبب سنوياً في خسائر متزايدة في الأرواح وسبل العيش في جميع أنحاء العالم، وسيفاقم من أوجه عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية وسيؤثر على العديد من حقوق الانسان كالحق في الحياة، والحق في السكن والغذاء والماء أو بمعنى أخر “الحق في العيش في حياة صحية”.
وها نحن اليوم يفصلنا ايام قليلة عن انعقاد “مؤتمر الأمم المتحدة السنوي الـ 28 لتغير المناخ” والذي تستضيفه دولة الامارات العربية المتحدة، والذي سيشهد للمرة الأولى تقييم مدي التقدم الذي احرزته الدول في التصدي لمواجهة أزمة تغير المناخ منذ اتفاق باريس المُوقع عام 2015؛ ما يشكل فرصة حقيقة امام الدول لتصحيح مسار مكافحة التغير المناخي.
وختاماً لا يسعني الا ان اتقدم بالشكر مجددا لكل من الجمهورية السودانية والملكة العربية السعودية على دعمهما للعمل السكاني العربي المشترك ولكل الدول الأعضاء التي ساهمت بتنفيذ قرارات المجلس ان كان حضوريا او افتراضيا، واخص بالشكر صندوق الأمم المتحدة للسكان مكتب الدول العربية الشريك الرئيسي للمجلس وكذلك الاتحاد الدولي لتنظيم الاسرة إقليم العالم العربي ومعهد الدوحة الدولي للأسرة. والشكر موصول الى كل من ساهم في الاعداد الجيد لأعمال الدورة الخامسة للمجلس، واسمحوا لي أن أخص بالشكر طاقم العمل بإدارة السياسات السكانية (الأمانة الفنية لمجلسكم الموقر)، ومؤكدة على مواصلة الجهود لتنفيذ القرارات الهامة المنتظر صدورها من هذه الدورة وبما ينعكس ايجابياً على المواطن العربي