بقلم أ.د/ السيد حسن عِشرة
أستاذ وقاية النبات
مركز البحوث الزراعية
تعتبر قضية التغير المناخي من أهم القضايا في الوقت الراهن وفى المستقبل القريب وترجع التغيرات المناخية على مستوى العالم إلى زيادة حجم الأنشطة البشرية الضارة بالبيئة وأن ذلك سوف يؤدى إلى عواقب وخيمة خاصة في الدول النامية في حالة عدم التصدي لها بشكل أقوى وأسرع إلحاحاً.
فالتغيرات المناخية لم تعد تمثل ظاهرة بيئية كغيرها من الظواهر المتفاوتة في تأثيرها، بل تحولت مع مرور الوقت وضياع الكثير من فرص تدارك نموها الخطير إلى تقلبات قد تهدد بخطر جسيم نحن في غنى عنه، من ارتفاع منسوب مياه البحر لدرجة خطيره وزيادة معدلات التصحر والجفاف ونقص الغذاء وانتشار الأمراض والأوبئة كما يمكن أن يضر بالأنظمة البيئية والتنوع البيولوجي بالإضافة إلى الكوارث الطبيعية المتلاحقة وما تخلفها من خسائر بشرية واقتصادية وبيئية مدمره.
وستكون للأسف منطقتنا العربية عرضة لكثير من هذه التأثيرات السلبية ومن المتوقع أن تكون مصر إحدى الدول الأكثر تضرراً من الآثار الناجمة عن تغير المناخ حيث تتعرض مصر خلال السنوات الأخيرة إلى تقلبات جوية شديدة تمثلت في ارتفاع درجات الحرارة والرطوبة في فصل الصيف والانخفاض الشديد في درجات الحرارة في فصل الشتاء.
وأدت تلك العوامل إلى تزايد غازات ثاني أكسيد الكربون وأكاسيد النيتروجين والميثان وتكوين غلاف جوى يحيط بالكره الأرضية وتحولها إلى ما يشبه الصوبة تعمل على تخزين أشعة وحرارة الشمس لسنوات طويلة وبالتالي ارتفاع درجة الحرارة عن معدلاتها الطبيعية وبالتالي نشأت ظاهرة الاحتباس الحراري.
وعلى الرغم من أن الانبعاثات التي تصدر عن مصر لا تتجاوز 0.06% من إجمالي الانبعاثات في العالم، تعد مصر واحده من أكثر الدول عرضة للآثار السلبية لتغير المناخ على العديد من القطاعات وخاصة القطاع الزراعي وكذلك قطاعات الموارد المائية والصحة والسكان وهذا ما يؤدى إلى إضافة تحدى جديد إلى مجموعات التحديات التي تواجهها مصر في إطار سعيها لتحقيق اهداف التنمية المستدامة ورؤيتها لتحقيق تلك الأهداف بحلول 2030 حيث تولى رؤية مصر 2030 أهمية لمواجهة الآثار المترتبة على التغيرات المناخية من خلال وجود نظام بيئي متكامل ومستدام يعزز المرونة والقدرة على مواجهة المخاطر.
أما عن تأثير التغيرات المناخية على القطاع الزراعي في مصر: –
نظرا لأن القطاع الزراعي من أكثر القطاعات التي سوف تتأثر سلبيا بهذه الظاهرة حيث من المتوقع أن تؤثر التغيرات المناخية على إنتاجية الأرض الزراعية بداية من التأثير على خواص الأرض الطبيعية والكيميائية والحيوية وكذلك تتسبب في انتشار الآفات والامراض وغيرها من المشاكل والتأثير على إنتاجية المحاصيل المختلفة وكذلك الاستهلاك المائي للمحاصيل الزراعية.
ولمواجهة الآثار السلبية الناجمة عن التغيرات المناخية: –
فلقد أجريت العديد من الدراسات في هذا الشأن وكان من أهم النتائج المقترحة في هذا الشأن ما يلي: –
1-استنباط أصناف جديدة تتحمل الحرارة العالية والملوحة والجفاف وهي الظروف التي سوف تكون سائدة تحت ظروف التغيرات المناخية وكذلك استنباط أصناف جديدة يكون موسم نموها قصير لتقليل الاحتياجات المائية لها.
2-تغيير مواعيد الزراعة بما يتلاءم مع الظروف الجوية الجديدة وكذلك زراعة الأصناف المناسبة في المناطق المناخية المناسبة لها لزيادة العائد المحصولي من وحدة المياه لكل محصول.
3-تقليل مساحة المحاصيل المسرفة في الاستهلاك المائي أو على الأقل عدم زيادة المساحة المقررة لها (مثل الأرز – قصب السكر).
4-زراعة محاصيل بديلة تؤدى نفس الغرض ويكون استهلاكها المائي وموسم نموها أقل مثل زراعة بنجر السكر بدلا من قصب السكر.
5-الزراعة العضوية أو ما يسمى بالزراعة النظيفة حيث تحد هذه الزراعات من ظاهرة الصوبة والتي تساهم في تحويل الأسمدة والمبيدات إلى غازات أوكسيد الكربون وأكاسيد النيتروجين كما أنها تحد من تلوث المياه السطحية والجوفية وبالتالي التخفيف من التكلفة البيئية والاقتصادية للزراعة التقليدية.
6-التدوير الآمن للمخلفات الزراعية للحد من تلوث الهواء والماء والتربة وذلك بعدم حرق تلك المخلفات واستخدامها بطرق مفيدة لإنتاج السماد والغاز الحيوي.
7-تعزيز نقل التكنولوجيا والابتكار بغية تسهيل التحول إلى النظم الزراعية المستدامة وكذلك زيادة الاستثمارات في العلوم والبحوث التي تستهدف تطوير الابتكار ونشرها واعتمادها.
8-مراجعة سياسات الدعم وتعديلها ليكون الربط قائم على أساس كل من حجم المساحة المزروعة ونمط زراعتها وأسلوب ريها ومستوى الميكنة الحديثة المستخدمة.
9-زيادة قدرة أصحاب الحيازات الصغيرة على الصمود في وجه التغيرات المناخية من خلال تبنى الممارسات الزراعية المستدامة والتنوع في الإنتاج.
10-الأهتمام بالريف المصري حيث يمثل سكان الريف 57.8% من نسبة سكان المجتمع المصري ويمثل الزراع بالريف عصب الزراعة وبهم تتقدم الزراعة وتزدهر لذلك فأن الاهتمام بهم وتزويدهم بالمعلومات عن كل ما هو جديد في الزراعة وكيفية مواجهة المخاطر الزراعية أمر هام لرفع مستوى معيشتهم وتحسين ظروف الحياة وتحويل الريف من مناطق طارده للسكان إلى مناطق جاذبة، لذلك فإن المدخل الرئيسي للتأقلم مع التغيرات المناخية والحد من آثارها يكمن في توعية الزراع بجوانب تلك القضية.
وهناك دراسات عديدة آخري في هذا المجال يجب الاهتمام بها لأن مثل هذه الدراسات هي الأمل الوحيد لخفض الضرر الناتج عن ظاهرة التغيرات المناخية.
اللهم أحفظ مصر وأهلها من كل مكروه وسوء