كتب: أحمد تركي
تضمن العدد الجديد من (دورية قلعة التاريخ) النصف سنوية التي تصدر عن مبادرة قلعة التاريخ بسلطنة عُمان، الكثير من الموضوعات الثقافية والتاريخية المتنوعة عن تاريخ سلطنة عُمان، لعل من أبرزها، مقال بعنوان:(الشيخ مبارك الهنائي وعلاقته بسعد زغلول في مُمباسا) للباحث والأكاديمي المصري الدكتور صالح محروس محمد، والمتخصص في تاريخ شرق أفريقيا.
تشير مذكرات شيخ مُمباسا (مبارك الهنائي) الخاصة, وبعض الأوراق والصور الفوتوغرافية, إلى أن الصداقة الحميمة جمعت بين الشيخ مبارك من ناحية, ومفجر ثورة 1919, زعيم الأُمة المصرية سعد باشا زغلول (1858- 1927) وبعض من رافقه من القيادات المصرية في عقد العشرينيات من القرن الميلادى المنصرم, من ناحية أخرى.
فتشير تلك المذكرات, إلى أن العلاقة بين سعد زغلول والشيخ مبارك الهنائي، بدأت عندما توقفت السفينة المقلة لزعيم الأمة ورفاقه, وهم في طريقهم من منفاهم في جزر السيشل إلى منفى أخر في جبل طارق, في ميناء مُمباسا الشهيرة، حيث دار حديث النصح والإحسان بين الزعيمين.
كان النظام يقضي بعدم السماح لهم بالنزول إلى اليابسة, لكونهم معتقلين, إلا أن الشيخ مبارك تمكن بنفوذه من اعتلاء الباخرة والتعرف عليهم, ثم الحصول على موافقة سلطة الحماية البريطانية باستضافتهم في منزله, خلال فترة التوقف في الميناء, والتي امتدت لمدة ثمانية أيام في الفترة من 9- 16 يونيو 1923.
وتشير المذكرات إلى أن الشيخ مبارك استقبل الزعيم سعد زغلول ورفاقة وهم: فتح الله بركات, وعاطف بركات, ومصطفى النحاس باشا, ومكرم عبيد باشا، بما يليق بمكانتهم الإجتماعية والسياسية فى مصر, وأنه أحضر من يفصل لهم ملابس جديدة, للمحافظة على كرامتهم, ووجاهتهم ومظهرهم, وإن كانت وجهتهم التالية إلى منفى أخر ، كما أقام لهم قبيل مغادرتهم ممباسا, حفلاً كبيراً فى بيته دعى إليه عدداً كبيراً من الجالية العربية ومجمل الأعيان من مختلف الأصول.
كما تشير مذكرات الشيخ مبارك الخاصة إلى أن تلك العلاقة استمرت لسنوات عديدة وأن النحاس باشا قام بدور الراعى أو الحاضن للإبن الأكبر للشيخ مبارك فريد عندما أرسله والده إلى مصر في عام 1938 لتلقي العلم وهو لا يزال لم يتجاوز عمره الثامنه.
ولقد التحق فريد بن مبارك الهنائي بمدرسة (كلية فكتوريا) العريقة في الإسكندرية وهي المدرسة المعروفة بدورها في إعداد زعماء الدول وقادة المستقبل وأن خريجيها كانوا يحصلون على قبول غير مشروط حسب رغبتهم إلى جامعة كمبريدج أو جامعة اكسفورد البريطانيتين لتمكنهم في اللغة الإنجليزية.
ومما يذكر أن الشيخ مبارك أرسل ابنه الثانى فيصل للدراسة في الكلية العريقة ذاتها بعد عامين من إرسال فريد إليها، وبعد أن تخرج فيها التحق بجامعة اكسفورد البريطانية حيث نال منها شهادة البكالوريوس في القانون.
وتشير مدونات الشيخ مبارك الهنائي الخاصة لعام 1927 إلى زيارته لمصر حيث سافر في الأول من أغسطس 1927 من ميناء مُمباسا قاصداً مصر على متن باخرة، وأن محطته الأولى كانت ميناء عدن ثم ميناء جيبوتى وأخيراً السويس وبور سعيد في 12 أغسطس ليصل القاهرة براً في 13 أغسطس.
وكان أول عمل قام به الشيخ مبارك الهنائي بعد أن حط رحاله في القاهرة زيارته لسعد زغلول باشا وفتح الله بركات، وبعد ذلك قام برحلات سياحية لتفقد معالم القاهرة, والريف المصري في 23 أغسطس، ثم اضطر أن يقطع رحلته بالمنصورة والعودة إلى القاهرة للمشاركة في تشييع جثمان سعد باشا زغلول وتقديم واجب العزاء ثم عاد إلى مُمباسا بتاريخ 29 نوفمبر من العام ذاته أي في 1927.
كما تشير مدونات الشيخ مبارك الهنائي الخاصة إلى أنه سافر إلى مصر للمرة الثانية وهو في طريق عودته من انجلترا في عام 1931، أما زيارته الثالثة إلى مصر فقد كانت في عام 1938 عندما قصدها من أجل إلحاق ابنه الأكبر فريد في مدرسة كلية فكتوريا بالأسكندرية.
وتشير مذكرات الشيخ مبارك الهنائي الخاصة إلى أنه في الحادي عشر من نوفمبر 1938, دعا رئيس الوزراء مصطفى النحاس باشا ومكرم عبيد باشا ومجموعة أخرى من رفاقه على وجبة غذاء في أحد مطاعم القاهرة الفاخرة وأنه اصطحب معه ابنه فريد إلى هذه المناسبة ليبحر بعدها بثلاثة أيام عائداً إلى ممباسا.
ولا شك أن هذا الرصد المهم لتاريخ العلاقات التي نشأت بين مصر وعُمان، يؤكد العلاقة القوية التي كانت بين الشيخ مبارك الهنائي ومصر وزعيمها سعد زعلول ومدى مكانة مصر.