مع جائحة كورونا بمداد قلبي
بقلم: عبد الرحمن المحمدى
مدير مركز يتلونه للدراسات القرآنية
أرى الناسَ في فزعٍ كأن القيامة بأهوالها تمهد لنا .. وكأنهم في صعقٍ بأرض المحشر يقفون كل يوم .. يفرُّ المرء من أخيه وأمه وأبيه وزوجته وأولاده .. رأوا بأعينِهم أن كورونا لم تفرق بين صغيرٍ وكبيرٍ .. رئيس ومرءوس .. غني وفقير .. طبيب ومريض .. الكلُّ سواء .. الكل في ابتلاء كورونا في فزع .. كأن إسرافيل قد نفخ في الصور ففزِع مَن في السماوات ومَن في الأرض إلا مَن شاء الله .
كلُّ يومٍ عشرات الآلاف مصابون وآلاف الخلق يموتون بكورونا .. وبالفعل لو ظلوا على أسِرَّتهم لماتوا في نفس الأجل .. فإذا جاء أجلُهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون .. ولكل أجلٍ كتاب .. في الوقت الذي لا يعرف فيه المشرق والمغرب كيف النجاة ؟! .. لا تخلو بلد أو ناحية من أي بلد من مصابي كورونا .. كلُّ يوم أتابع عندي على صفحات السوشيال مئات المصابين داخل وخارج مصر .. وعشرات الموتى .. ممن أعرف أو لا أعرف .. يموت الابن أمام عيني أبيه ولا تلحقه شفقته لينجو .. ويموت أمام أمه فلا يمكن أن يلحقه حنانها فيبرأ .. وتموت الزوجة أمام زوجها بقلب منكسر فيودعها .. ويموت أمام زوجته ولا يمكن أن يمد بكاؤها في عمره ليظل معها باقياً !!
الكلُّ يرحل .. وكوكبنا ينتفض بكورونا!
وماذا بعد ؟!
المشهد عميق .. وعمقه بعمق الأرضين السبع .. لن نصل إليه .. ولا مَلجأ ولا مَنجى من ابتلاء الله إلا بالله .. خلَق كل شيء بحكمته لحكمةٍ فقدره تقديراً ..
وحالُ البشر مع ازدياد فزعهم من كورونا متفاوتٌ .. ففي الوقت الذي يحرص فيه البعض على نفسه وأهله .. يهمل البعضُ الآخر ولا يبالي بكورونا .. وفي الوقت الذي تجد فيه قلوباً من فزعها من كورونا لانت ومن أهوال كورونا خضَعت .. فذلَّت لله وانكسرت .. فأقبلَت على الله بحسن العمل بعد طول اشتياق .. ربَّما تجد قلوباً لا زالت في قسوتها متغوغلةً .. وفي عدم قبولها أوامر الله ونواهيه غير مبالية .. لا زالت تحت هواها متأثرةً .. ثم قستْ قلوبُكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة!
وماذا بعد ؟!
إنني أرى من بعيد أن كورونا هي جند الله الخفي الذي لا يحيط به البشر علماً … وما يعلم جنود ربك إلا هو .. كأمواج البحر التي أغرقت قوم نبي الله نوح .. والبحر الذي انفلق لقوم نبي الله موسى .. والصيحة التي نزلت بقوم نبي الله صالح .. والريح التي نزلت بقوم نبي الله هود .. والأبابيل التي أرسلها الله على أبرهة الحبشي وجنوده .. كلها جنود يرسلها الله وقت ما يشاء .. أين ما يشاء .. ينجو منها من ينجو .. ويهلك من يهلك .. واتقوا فتنة لا تصيبنَّ الذين ظلموا منكم خاصةً واعلموا أن الله شديد العقاب!
إنَّ استعمارَ العدو لأي بلدٍ يحتاج من أصحابها وسكانها رجالاً ونساءً إلى مقاومةٍ وانتفاضةٍ بكل ما يمكنهم ليتخلصوا من إفساده .. وإلا استوطنها المستعمر بقوته فأفسدها وحوَّلها ملكاً له وفق هواه وحاجته وأهلك كل مواردها .. وإنَّ قلوبنا التي استعمرها الهوى وسكنتها الشهوات لا بد لها من انتفاضة ومقاومةٍ من صاحبها حتى ينجو ويتخلص من إفسادها .. وإلا أفسد الهوى قلبَه .. وأهلكت الشهوات صاحبها ! وإن القلوب متى عُمِّرت بالله لا تبالي بهذا المستعمر أبداً .
أمَّا كورونا .. فقد استعمرتْ بلاد العالم في خفاء فجأة … ولا تصبر على سكان العالم للحظة .. جندٌ مأمورٌ .. يُقتِّل فيهم تقتيلاً .. وينسف فيهم نسفاً .. وإنه ليحتاج منا إلى مقاومةٍ بالدعاء لمن قدَّرها علينا وحسن الصلة بالله آمرها مع الأخذ بأسباب النجاة التي لجأ إليها البشر – من الكمامة أو الكحول أو المكث في المنازل .
إنَّ أصحابَ المناصب نقفُ أمامهم لنطلب ما نطلب في أمور دنيانا بأجمل ما عندنا من كلام أو شكل أو ملبس .. وإننا مع كورونا نحتاج إلى إعادة النظر في حالنا مع مولانا القاهر فوق عباده .. لنقف بين يديه نطلب ما نطلب خالصين مخلِصين مخلَصين .. إنَّنا – حقيقةً – نحتاج إلى إعادة ضبط قلوبنا مصنع أعمالنا التي توجهنا إلى الله!
إنَّني لا أفكر في كورونا أكثر من تفكيري في حالي مع ربي إنْ عجَّل لي لأن أكون بين يديه اليوم أو غداً !! فحتماً سنموت في الأجل المكتوب .. بكورونا أو بغير كورونا .. وإنني أخشى أن أكون ممن يقف بين يديه غداً فيطلع على قلبه فيجد في قلبي ما لا يحب من الدنيا والهوى .. وتعرض أمام عينيه أعماله في دنياه فلا يجد منها إلا القليل الذي لا ينفع!
وماذا بعد ؟!
كلُّنا مع كورونا يا صديقي .. أنا وأنت .. نحتاج إلى تلك الوقفة الصادقة في حياتنا الحالية .. والتفكير الهادف لحياتنا الأخروية .. بما لا يقبل المراء ولا الجدال .. ولا يكون لونُه رمادياً .. لأن الطريق إلى الله واضح لا يقبل المناصفة .. هو أبيض أو أسود .. نختار طريقنا الذي سنلقى الله عليه مع حب لقاء .. فمن أحب لقاء الله أحب الله لقاءه .. ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه .. فإن قدَّر لنا اللقاء فالحمد لله كان لقاؤنا به بعد طول شوق .. وإن قدَّر لنا الحياة فالحمد لله أن أطال في أعمارنا وأحسن أعمالنا حتى نلقاه وهو عنا راض ..
تلك خواطرُ جالت بداخلي .. تراودني كل لحظة .. لا تغيب عني أبداً .. كتبتُها بمداد قلبِ محبٍ .. ناصحٍ أمينٍ .. ربما كانت فضفضة عن حالي مع المحبين .. دونتها لأعيد قراءتها يوماً بعد يوم علها تلامسُ قلبي وتصل إلى قلوبكم .. إنَّ في الجسد مضغةً إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله .. ألا وهي القلب ..
ربَّاه .. خذ بيدي إليك ..
ولا تخزني يوم يبعثون ..
يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون ..
إلا من أتى الله بقلبٍ سليم ..