مشروع قانون “حماية الأسرة من العنف” في الميزان
بقلم: د. محمد جمال أبو سنينة
عضو محكمة الاستئناف الشرعية بفلسطين
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم المرسلين وبعد: لا يخفى على المتابعين لنشاطات أغلب منظمات المجتمع المدني، تلقيها الدعم المادي من جهات خارجية مقابل تنفيذها لأجندات تهدف إلى تغيير المجتمعات الشرقية وخلخلة معتقداتها الدينية وقيمها الأصيلة.
هذه الجمعيات والمنظمات تعمل بجهد ودون كلل أو ملل من أجل تنفيذ خطط الأمم المتحدة، مستخدمة بذلك سياسة النفس الطويل، واضعة الخطط والبرامج بعيدة الأمد، مستغلّة جهل كثير من النساء والرجال، من أجل تحقيق النجاح في تعديل قانون أو تشريع.
وقد كان لكل هذه المنظمات والهيئات دورها في كل ما أُنجز من مواثيق دولية، وكان لها دور أيضا في السعي لتغيير القوانين المحلية، فبعد أن وظفت الأمم المتحدة قضية المرأة لتفرض قيمها الغربية من خلال الجمعيات النسائية النشطة في فلسطين والدول العربية، فإنها وبهدف فرض رؤيتها الغربية على العالم نجدها تنتقل من الدعاية والإعلام إلى الضغط على الحكومات لتعديل قوانينها الداخلية لتتماشى مع ما جاء في المواثيق الدولية ضاربة عرض الحائط مدى انسجام هذه المواثيق مع خصوصية كل بلد وما يحمله من ثقافة وقيم.
وفي هذا السياق كانت بعض الجمعيات النسوية السباقة في رفع شعارات الأمم المتحدة، والعاملة ليلاً ونهاراً للترويج من أجل تعديل القوانين الداخلية، وخاصة قانون الأحوال الشخصية، التي تزعم أنها تظلم المرأة وتسلب حقوقها وتميّز بين المرأة والرجل.
وقد لا يكون بعيداً أن يصدر عن أحد مؤتمراتهم القادمة فرض عقوبات ومقاطعة لكل دولة تتحفظ أو ترفض الانصياع لمقرراتهم، إذ لا نتوقع أن يتوقف الأمر عند حد تعديل النصوص القانونية، بل يتعدّى إلى استحداث نصوص تحت طائلة عقوبات رادعة، فتساهم في تغيير الذهنيات بما للقانون من تأثير جازم في هذا الأمر.
ملاحظات حول مواد مشروع القانون المعروض على مجلس الوزراء الموقر:
1- تعريف الاسرة الوارد في المادة الاولى تضمن أفراد العائلة (او من في حكمهم) فمن يكونوا هؤلاء، هل هم صديق البنت او صديقة الابن (بوي فرند أو جيرل فرند)؟، علماً بأن تعريف الأسرة الوارد في مشروع القانون يخالف التعريف المتبع عند علماء الفقه والقانون وغيرهم من المختصين.
2- تعريف الاسرة الوارد في المادة الرابعة فقرة (و) ضم إلى الأسرة من يرتبط بها بتبني وهذا محرم شرعاً أو أسرة بديلة وهذا ليس موجوداً في مجتمعاتنا الشرقية ولا يصلح لها بل هو نظام غربي.
3- ورد في الفقرة (ز) من المادة الرابعة أيضا أن من الأسرة من كانت تربطهم علاقة زوجية سابقة وهذا غير صحيح ولا يتلاءم مع مجتمعنا ولو مع وجود اطفال، وورد في نفس الفقرة أو عنف ناتج عن الزواج السابق فكيف يكون هذا ؟
ولعله لا يخفى على أحد الغاية من وراء تمرير مثل هذه التعريفات التي تخالف ما تعاهد عليه الناس، كما تخالف الرؤية الشرعية، وإدخال مفهوم الوصاية والتبني والمصاهرة حتى الدرجة الرابعة في محاولة للتوسع في إيقاع العقوبة، هذا إضافة إلى محاولة تمرير فكرة حق المرأة بتقرير مكان سكنها ولو كان بعيداً عن الزوج كما تدعو إليه اتفاقية سيداو.
4- ورد في المادة الأولى تعريف العنف الأسري (كل فعل أو امتناع عن فعل) فالفعل مفهوم أما الامتناع عن الفعل فكيف يكون عنفا؟
5- ورد في تعريف العنف الأسري (هو ما ينشأ عنه أذى مادي أو نفسي ويشمل اساءة المعاملة البدنية أو النفسية أو الجنسية أو الاستغلال الجنسي أو الاقتصادي أو السخرة أو التهديد بهذه الافعال) إن استخدام العبارات والألفاظ المبهمة التي يمكن أن يساء فهمها وتأويلها بقصد وبغير قصد وتركها لمزاج الموظف أو لوجهة نظر الجهة القضائية التي ستنظر فيها لن تستقيم معها الحياة الاسرية، فهل يعقل طلب الأب من ابنه قضاء حاجة من حوائج البيت من أعمال السخرة أو فيها استغلال اقتصادي او اساءة نفسية؟ وهذا ينطبق على كافة العبارات المذكورة في هذا البند.
6- ورد في تعريف العنف الجسدي في المادة الأولى (هو أي ضرب من ضروب الايذاء البدني أو الجنسي الذي يوقعه أحد أفراد الأسرة على غيره من افرادها) هل هذا ينطبق بين الزوج وزوجته؟ وهل طلب الزوج لزوجته معاشرته في الفراش يعتبر ضربا من ضروب الايذاء اذا رفضت ذلك؟، وهل يجيز القانون المواقعة بالرضا بين أي فردين من أفراد الأسرة حتى ولو لم يكن بينهما عقد زواج.
7- ورد في تعريف التحرش الجنسي (كل مضايقة للغير …الخ) هل هو بين الزوجين؟ فإذا ما لمس الزوج زوجته جاز لها التقدم بشكوى ضده لعدم رغبتها، وما المقياس الذي يعتبر هذا تحرشا أم مداعبة؟ وهل يجوز هذا بالرضا لو كان بين فردين وليس بينهما عقد زواج؟
8- ورد في تعريف العنف النفسي (توجيه الفاظ بذيئة أو ممارسة التهديد أو الوعيد أو الذم أو الشتم…الخ) وبذلك لا يحق للأب أو الأم ممارسة أي تأديب على الابناء.
9- ورد في تعريف القاضي المختص (القاضي أو محكمة الأسرة عند تشكيلها …الخ)، القوانين المرعية جعلت من المحاكم الشرعية هي المختصة بالنظر في كافة قضايا الأسرة وفي هذا اعتداء على صلاحيات المحاكم الشرعية التي هي محاكم الاسرة.
10- كافة التعريفات الواردة في المادة الأولى مطاطة وفضفاضة وركيكة وسوف تؤدي الى ما لا يحمد عقباه لأنها ستخضع لمزاج وتفسير الموظف أو القاضي الذي سينظر في أي قضية معروضة أمامه.
11- من الملاحظ وجود تكرار بين ما جاء في المادة الثالثة وما جاء في المادة الخامسة من هذا القانون وخاصة الفقرة الثالثة من المادة الخامسة وهذا يؤكد ضعف الصياغة القانونية لمشروع القانون.
12- أعطت المادة التاسعة لمرشد حماية الأسرة مهمة التدخل الوقائي وهذا بالتأكيد سيخضع لمزاج هذا المرشد.
31- جاء في المادة 51 من المشروع المذكور (يلغى كل ما يتعارض مع احكام هذا القانون) وفي هذا مس بالقوانين المرعية وخاصة القوانين النافذة المعمول بها في المحاكم الشرعية.
14- ورد في المادة 15 من المشروع المذكور (يحق للضحية أو احد أفراد أسرته أو من يقدم له المساعدة أو شهود أي من الجرائم الناتجة عن عنف أسري إبلاغ مرشد الحماية، أو التقدم بالشكوى إلى نيابة حماية الأسرة أو الشرطة) إن ما جاء في هذه المادة فتح الباب على مصراعيه لإقامة الدعاوى من أي شخص كان دون مراعاة لخصوصية العلاقة الأسرية هذا من جهة ومن جهة ثانية جعل من مرشد الحماية أو النيابة المختصة أو الشرطة مركزا لتلقي الشكاوى دون الكشف عن اسم المشتكي وفي توسيع دائرة الإخبار لتصل إلى كل من اتصل إلى علمه، فيه خطورة التبليغ الكاذب، أو سوء الفهم، أو الكيدية، أو الحقد، وما إلى ذلك من أمور تبيح لكل من تسول له نفسه التدخل بشؤون الأسرة عن حسن أو سوء نية، وهذا ما يسهم في هدم استقرار الأسر، والتقدم بدعاوى من دون الرجوع إلى أصحاب الشأن مباشرة.
وهذا خطير خاصة فيما يتعلق بالقضاة الشرعيين الملزمين بموجب هذه المادة بالتقدم بإخبار النيابة، وبذلك تحول القضايا التي تحال إليهم إلى قضايا جزائية قبل أن يقوموا بالتحقيق فيها
وهذا الفعل يعتبر تدخلا سافراً في خصوصيات الأسر، ومانعا من مساعي الصلح التي يمكن أن تحدث بين الزوجين.
كما أن فيه اعتداء على حقوق المرأة نفسها التي قد تكون غير راغبة في تقديم الشكوى حفاظا على أسرتها وتماسكها، خاصة إذا كانت على علم بطبيعة الشخص المعنِّف وعدم وجود نية لديه بإيذائها، وكما يقول المثل: “مكة أدرى بشعابها”.
51- مخالفة قواعد الإثبات: فاستدعاء الصغير والقاصر إلى أداء الشهادة فيه مخالفة لمواد قوانين أصول المحاكمات الشرعية والمدنية، كما أن قانون أصول المحاكمات الشرعية منعت من سماع شهادة أصول وفروع المدعى عليه ضده.
16- كما أن في هذه المادة تحويل للمراكز الاجتماعية أو الصحية أو القضائية إلى دائرات استخباراتية لتلقي الشكاوى.
17- إن تشديد العقوبات على الرجل والتي يمكن أن تصل إلى السجن على أمور، قد لا تعد شرعا وعرفا من الجرائم، وكذلك التشديد في تدابير الحماية، التي من بينها إبعاد الرجل عن بيته قبل التحقق من صحة الشكوى، مما يشكل مادة ثرية للافتراء والتهديد .
18- وكذلك فإن في التشديد في العقوبة التي تصل إلى السجن فيه دمار لحياة الرجل المستقبلية وحياة أولاده، ناهيك عن النزعة الانتقامية التي تتولد لديه، الأمر الذي يمكن أن يحوّله إلى مجرم بعد خروجه من السجن. خاصة إذا وقع ضحية شكوى كيدية قد تكون المرأة مشاركة فيها من أجل الانتقام منه أو ابعاده عن المنزل أو رغبة في الارتباط بغيره، ومن الملاحظ على مشروع القانون أنه يغلب عليه الطابع العقابي الجنائي ويفتقد للفلسفة الخاصة بضحايا العنف الأسري القائمة على الوقاية والحماية والتأهيل.
19 – هذا القانون تم تقديمه من قبل وزير التنمية الاجتماعية ولا أدري ما هي علاقة وزارة التنمية الاجتماعية بمثل هذا القانون فهذا خارج عن اختصاصات وزارته.
20- إن صدور هذا المشروع يشكل مخالفة دستورية لأنه يتناول تنظيم الأسرة وأحكامها وحل نزاعاتها، والتي هي من اختصاصات المحاكم الشرعية.
وأخيرا: قد تكون فكرة القانون أحياناً عفوية، لكن التوجه نحو تبني قانون يجب أن الا يكون عشوائياً؛ بل يجب أن يكون مدروساً بدقة من حيث النص نفسه والشكل وتبعات تبني القانون على النظام القانوني القائم وعلى الآثار المحتملة بشأن التنظيم الإداري للدولة وتبعاته المالية والاقتصادية.
ولذلك هل يجوز إصدار قانون يلزم كل الفلسطينيين بالاستناد إلى اتفاقيات دولية وقعت عليها دولة فلسطين على حين غفلة وتتنافى هذه الاتفاقيات مع قيم وشرائع وأعراف المجتمع؟ ألا يحتاج أي قانون من أجل إصداره أن يكون نابعاً من ظاهرة مجتمعية موثقة بإحصاءات ودراسات تبين شدة الحاجة إلى إصدار مثل هذا القانون ؟
إن الإصرار على رفض هذا القانون لا ينتج من موقف التشبث بالرأي ولكن لكون هذا المشروع إذا أقر فستكون نتائجه وخيمة ليس فقط على المرأة لكن على المجتمع ككل.
من هنا فإننا نهيب بالمسؤولين إعادة النظر في هذا المشروع والتنبه للمخاطر السلبية التي يمكن أن تنتج عنه على الصعيد الأسري، ومحاولة تمريره في ظل قانون الطوارئ الذي أقره فخامة الرئيس لمجابهة جائحة كورونا، محاولة في غير محلها وفيها تصيد واضح في الماء العكر، ويستدعي من أهل الاختصاص التصدي له بالتفنيد وبيان عواره مستندين إلى نصوص الفقه والقانون التي استقر عليها المجتمع منذ سنين طويلة، إضافة الى توعية الجمهور بكل الوسائل المتاحة كل في مجاله، مع السعي الحثيث لإعادة النظر في بعض الثغرات في قوانين الأحوال الشخصية وفي إجراءات المحاكم الشرعية، التي يستغلها البعض من أجل التأثير على الرأي العام وكسب تأييده في الدعوة إلى التخلي عن القوانين الشرعية واستبدالها.