بقلم : منى الدحداح زوين
أستاذة جامعية وناشطة إجتماعية
دائما نسمع خلافات حول تسمية الخليج العربي اوالفارسي وبالحقيقة أنه صراع سياسي وليس واقعي.
والواقع يقول ان هذا الخليج يمتد من خليج عمان جنوباً حتى شط العرب شمالاً بطول 965 كيلومترا.
تبلغ مساحته نحو 233,100 كيلومتر، ويتراوح عرضه بين حد أقصى حوالي 370 كم إلى حد أدنى 55 كم في مضيق هرمز يبلغ طول الساحل العربي على الخليج 3,490 كيلومتر وهو أطول من الساحل الإيراني،
إذ يبلغ طول الساحل الإيراني 2,440 كيلومتراً على الخليج ، وبهذا فإن الساحل العربي أطول بحوالي 1,050 كيلومتراً من الساحل الإيراني.
يفصل هذا الخليج شبه الجزيرة العربية وجنوب غرب إيران، وتطل عليه ثماني دول هي العراق والكويت والسعودية وقطر والإمارات وعُمان وإيران
كما تحيط مياه الخليج العربي بدولة البحرين. يحده من الشمال والشرق إيران؛ بينما تحده من الجنوب الشرقي والجنوب كل من سلطنة عمان والإمارات العربية المتحدة، وتحده من الجنوب الغربي والغرب كل من المملكة العربية السعودية وقطر، وتقع كل من الكويت والعراق على أطرافه الشمال غربية، بينما تقع البحرين ضمن مياه الخليج الغربية شمال قطر.
يتبين أن ثلثي سواحل الخليج تملكه بلدان عربية، بينما تملك إيران حوالي الثلث فقط. وحتى السواحل الإيرانية ما تزال تقطنها قبائل عربية سواء في الشمال أو في الجنوب، تبيّن خريطة القوميّات الإيرانية بوضوح أن جميع سواحل الخليج العربي الجنوبية والغربية تخلو من الفرس.
وفي الواقع فإن الفرس لم يكونوا يركبون البحر، حتى في أوج عظمتهم. وإذا ما أنشأوا في الخليج أسطولاً، كان بحارته من غير الفرس.
وتارخيا إن العرب قبل الإسلام كانوا موجودين فعلاً في بلاد الرافدَين أو العراق القديم أو «آراكيا»، بحسب وثيقة آشورية من القرن الثامن ق.م.،
وهذا يعني أن العرب ظهروا تاريخيّاً قبل أكثر من قرنَين من تشكُّل أوّل كيانيّة سياسيّة للفرس الميديّين في زمن قورش سنة 559 ق.م. والخليج المقصود، الذي سمّاه الرافدانيون القدماء «البحر السّفلي»،
وبلاد الرافدين كلّها، خضعت، بعد سقوط بابل في عهد الغازي قورش، للاحتلال الفارسي الأخميني
ثم الفارسي الفرثي، ثم الفارسي الساساني، وأصبحت بلداً محتلّاً وجزءاً من الإمبراطورية الفارسية التي بدأت في رقعة طرفيّة صغيرة ومنعزلة في الهضبة الإيرانية ،
ثم اتّسعت لتشمل بلاد الرافدَين وجنوب الشام ومصر وشمال العربيا «شبه الجزيرة العربية»، وسقطت نسختها الساسانية بعد الإسلام، وقامت الدولة العربية الإسلامية الأموية ثم العباسية على أنقاضها.
إنّ أقدم اسم معروف للخليج هو اسم «بحر أرض الإله»، والذي ظلّ متداوَلاً في الوثائق التاريخية حتى الألفية الثالثة ق.م.، ثم أصبح اسمه «بحر الشروق الكبير» حتى الألفية الثانية ق.م.،
وسُمّي «بحر بلاد الكلدان» في الألفية الأولى ق.م.، ثم صار اسمه «بحر الجنوب» خلال النصف الثاني من الألفية الأولى ق.م.
وقد سمّاه الآشوريون والبابليون والأكاديون: «البحر الجنوبي» أو «البحر السفلي»، ويقابله «البحر العلوي»، وهو البحر الأبيض المتوسط. كما أَطلق عليه الآشوريون اسم «نارمرتو»، أي البحر المرّ.
طوال ألف عام من الاحتلال الفارسي، اكتسب العديد من الأسماء الجغرافية صفة استعمالية ووثائقية فارسية،
أما الفرس الميديون، في عصر دولتهم الأخمينية،
فقد أطلقوا على الخليج اسم «بحر فارس». ويذهب بعض الباحثين إلى أنّ هذه التسمية عُرفت، في أوّل الأمر، في عهد الملك الفارسي، داريوش الأول (521-486 ق.م.)،
غير أن الراجح لدى باحثين آخرين، هو أن الإسكندر الأكبر المقدوني كان أوّل من أَطلق تلك التسمية عام 326 ق. م. بعد رحلة موفده أمير البحر نياركوس عام 326 ق. م.
وقد عاد من الهند بأسطوله بمحاذاة الساحل الفارسي فلم يتعرف إلى الجانب العربي من الخليج.
منذ عام 1935، لم تَعُد تسمية فارس و«بلاد فارس» موجودة سوى في السجلّات التاريخية، بعدما أصدر الشاه الإيراني، رضا شاه بهلوي، مرسوماً قضى بتغيير اسم بلاده إلى «إيران».
اما خلال فترة الفتح العربي الإسلامي لبلاد الرافدَين والشام، وتحديداً في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، اطلق على الخليج عدّة أسماء، منها: «خليج البصرة»، «خليج عمان»، «خليج البحرين»، «خليج القطيف»، و«بحر القطيف»، لأن هذه المدن الثلاث كانت تتّخذه منطلقاً للسفن التي تمخر عبابه،
وظلّ هذا الإسم متداوَلاً حتى العصر العثماني حيث تُرجم اسمه الأول إلى التركية بعبارة «بصرة كورفيزي»، وهي موثّقة في العديد من خرائط الأرشيف العثماني،ولا تزال مستعمَلة حتى في وثائق حديثة في الجمهورية التركية.
اول من أطلق اسم «الخليج العربي» المؤرّخ الروماني، بليني بلينيوس الأصغر، في القرن الأوّل للميلاد، وكتب بليني، في كتابه خاراكس (المحمرة) «مدينة تقع في الطرف الأقصى من الخليج العربي».
من ناحية أخرى، ذكرت بعض المصادر العربية أن هناك بعض النصوص الزرادشتية القديمة التي تثبت الهوية العربية للخليج،أطلقت تلك النصوص اسم “البحر التازي” على الخليج.
ومن المعروف أن كلمتي “تازي وتازيك” تعنيان العربي في اللغة البهلوية التي كانت تسود إيران إلى جانب الآرامية كلغة رسمية للإمبراطورية الساسانية قبل الفتح العربي الإسلام.
كما أنَّ هناك خرائط أجنبية تسمّي الخليج باسم «الخليج العربي»، ومنها : خريطة ميركاتور وهندويس، في خريطتهما لبلاد المشرق والمرسومة عام 1634، يَظهر فيها الخليج وقد كتب عليه باللاتينية اسم “sinus arabicus”، أي الخليج العربي، خريطة فرنسية قديمة تعود إلى سنة 1667، يَظهر فيها بوضوح إشارتها إلى الخليج العربي بأنه «الخليج العربي
وخريطة جوهين سبيد التي نشرت عام 1956 تحت إسم الامبراطورية التركية حيث ورد في الخريطة تسمية “بحر القطيف” ثم “الخليج العربي”.
يقول الدكتور عماد الحفيظ: “إن تسمية الخليج العربي ظلت معروفة منذ قبل الإسلام واستمرت إلى ما بعد الإسلام لدى سكان شبه الجزيرة العربية وما جاورها”.
حالياً، تُستخدم تسمية الخليج العربي رسمياً من قِبل جامعة الدول العربية، وكافة البلدان العربية. فضلاً عن المنظمات والمؤسسات العربية حتى الأمم المتحدة تستعمل لفظ الخليج العربي في وثائقها العربية، ومعلوم أن اللغة العربية هي من اللغات الرسمية الستة المعتمدة لديها.
وبعد كل ما تقدمنا به من وقائع جغرافية وتاريخية تثبت بان هذا الخليج هو عربي وليس فارسي.