الإسلام رؤية مستقبلية
أ.د. محمد السعيد عبد المؤمن
الإسلام في حد ذاته رؤية مستقبلية لمن أراد الدنيا والآخرة.. وتأمل: لماذا ندخل دین الإسلام؟ لأننا حریصون علي مستقبلنا، فی حياة طيبة في أيامنا القادمة في الدنیا وطمعا في الجنة في الآخرة!
لماذا ندعو الله؟ لتحقيق رغبة مستقبلية! لماذا لا يجيب الله الدعوات كلها مباشرة؟ لأنه يريدنا أن نتوقع الاستجابة!
لماذا عظَّم الله أجر الصبر؟ لأنه ترقب فعال لمستقبل أفضل. لماذا خلق الله الناس أطوارا؟ لأن الخلق مثال على التطور، حتى تكون الحياة متطورة في آفاق مستقبلية!
لماذا جعل الله سيدنا إبراهيم أبا للمسلمين؟ لأنه سمانا بالمسلمين! ولماذا سمانا بالمسلمين؟ لأنه يدرك أن الإسلام مستقبلي، وأنه سوف يسير على نهجه الإيماني!
وماذا كان نهجه الإيماني؟ أنه نظر إلى السماء بحثا عن الله، وتفحص ما فيها كوكبا فقمرا فشمسا، لكنه من خلال نظرتة المستقبلية. لم يؤمن بأحدها لأنها تأفل وتغيب، وهو يأمل الاستمرار والامتداد للمستقبل، فلابد أن يكون الإله خالدا لا يأفل!
القرآن الكريم آخر كتاب أُنزل للناس، ضمن الله حفظه ليبقى هاديا للناس إلى يوم القيامة، وليس في آية من آيات القرآن الكريم تخليد للماضي، بل استفادة منه بعد مناقشته والبحث فيه عن سنة الله في خلقه، ومنهجه الذي وضعه للناس، ومن يتبع النهج الإلهي في الرؤية المستقبلية هم المسلمون حقا، بل هم ليسوا ورثة الأنبياء فقط، بل هم أحد ثلاثة مقامات عليا في الشهادة التوحيدية العادلة (شهد الله أنه لا إله الا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط)، أما خير الدنيا فلا يستطيع أن ينكره من في هذا السلك الإلهي.
ماذا تعني العزة؟ ولمن هي؟
العزة ارتقاء للأعلى، ومن ثم هي لله ولرسوله وللمؤمنين! لذلك إذا افتقدنا العزة علينا أن ندرك أن لدينا نقصا في الإيمان، فالعزة أساس الإيمان، من يريد العزة فلله العزة جميعا، إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه، ومن هنا يكون من الضروري أن تكون له رؤية مستقبلية، سواء في كلامه أي خطابه، حتى يصعد طيبه لله، أو في عمله فالله سبحانه يرفع طيبه بنفسه.
إن وجود الأزهر الشريف ليس مانعا لوجود غيره، لأن الرؤية المستقبلية سباق إلى الله، وإن الدفاع عن الأزهر لا يكون من خلال ذكر مآثره القديمة، والتطورات التي أدخلت إليه في عهود سابقة، بل من خلال رؤيته المستقبلية.
ولقد سألت عددا لا بأس به من علماء الأزهر عن رؤيتهم المستقبلية للأزهر والدراسة في جامعة الأزهر، فلم يجيبوا!
وقد فسرت ذلك بأنهم سجنوا أنفسهم وفكرهم وعملهم في الماضي، وهو ما لا يتفق مع الإسلام، فرَبُ الإسلام خالد، والإسلام وكتابه له مستقبل إلى يوم القيامة!
عندما مرت مصر بعهد التنوير المشئوم ظنت أن التقدم نحو المستقبل في الغرب! فأرسلت الناس ليتعلمون في الغرب، حتى الأزهريين! فبم أتوا؟ وماذا قالوا؟
لعلنا لا ننسى موقف محمد عبده عندما قال: رأيت إسلاما في الغرب بلا مسلمين، وعندنا مسلمون بلا إسلام!
ورغم أن محمد عبده أبدى حيرته، لكنه لم يعبر عن رؤية مستقبلية للأزهر! ولم يدرك أن الشمس تشرق من الشرق وليس من الغرب، وأن الأديان كلها أتت من الشرق، وأن الإسلام أتى من بؤرة الشرق!
أستاذ الأزهر أو المعلم خريج الأزهر ليس موظفا حكوميا يخنقه مكتبه، حقيقة أنه يتقاضى مرتبه من الحكومة، ويخضع لقوانين وقرارات الحكومة، ويمكن للحكومة أن تفصله من وظيفته أو حتى تسجنه، لكن الأهم من ذلك ألا ينبغي أن ينسى أن الله هو الذي اختاره لسلك العلم، وسلك العلم لا ينفصل عن التعلم والتعليم، وهو سلك وضع الله قواعده وأصوله وغاياته، كما وضع خطوطه الحمراء.
أول قوانين هذا السلك الإلهي هو أن العلم فتح من الله له طريقه وهو التقوى (اتقوا الله ويعلمكم الله).
وثاني هذه القوانين واجب تبليغ العلم (بلغوا عني ولو آية).
وثالثها استخدام النهج الإلهي في البحث والتجربة والتحليل والاستنتاج والاستقراء، وهو ليس نهجا مكتبيا حيث يتجاوز المنقول، وهو نهج إبراهيم عليه السلام في التوصل لمعرفة الحقيقة.
رابع هذه القوانين استخدام أدوات العلم الذاتية قبل الخارجية، وهي وسائل سمعية وبصرية وفكرية (والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون).
أما الخطوط الحمراء فأولها الكذب لأن العلم حق من الله الحق، وما لا يثبت صحته من النظريات ناتج عن عدم استخدام القوانين الإلهية ووسائل العلم الإلهية،
وثانيها إخفاء كل أو بعض النتائج العلمية، أو الشح في التبليغ والتعليم،
وثالثها الانغلاق على الجزئيات في المعلومات أو المصادر.
أما مكانة من يتبع النهج الإلهي في هذا السلك فهي معروفة لدى الجميع ولكنهم لا يصدقونها ويستكثرونها على الله.
فمن لا يؤمن بسلك العلم الإلهي أو يضيق به، أو يبحث عن مساعد أو بديل من الفكر الليبرالي أو العلماني، فعليه أن يبحث له عن وظيفة أخرى، لأنه لن يكون عالما بل موظفا روتينيا، ناقلا أصم وأعمى وبلا فؤاد، وتكون أعماله كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدر على شيء مما كسب، أو كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا، ووجد الله عنده فوفاه حسابه.