بقلم أ. د محمود الصاوي :
الوكيل السابق لكليتى الدعوة الإسلامية والإعلام جامعة الأزهر بالقاهرة
البيئة هي كل مايحيط بالإنسان من موجودات ويؤثر عليه في جميع مناحي الحياة، أنها الأرض التي تقله والسماء التي تظله والهواء الذي يتنفسه والماء الذي يشربه والغذاء الذي يتقوت عليه والأرض التي يمشي عليها وقد حفلت النصوص المؤسسة الإسلام في كتاب الله عز وجل وسنة سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم بالعديد من الآيات والأحاديث التي تظهر للمسلم منزلة ومكانة البيئة في الإسلام وتؤكد علي أن البيئة في قلب وعين الشريعة .
وتظهر عناية الإسلام عقيدة وسريعة وأخلاقا بالبيئة وقضاياها في العديد من الدلائل:
اولا : حماية البيئة جزء من عقيدة المسلم وشعبة من شعب الايمان فالإيمان بضع وثمانون شعبة أعلاها قول لا إله إلا الله وادناها أماطة الاذي عن الطريق.. كما صح بذلك الخبر عن سيد البشر صلي الله عليه وسلم
ثانيا: أكثر من ألف آية في كتاب الله جل وعلا يتعرض فيها القرآن الكريم للكون بما فيه من السماوات والأرض والجبال والأنهار والبحار والشجر والنباتات والزروع والثمار والهواء بهدف الاستدلال علي قدرة الخالق العظيم جل جلاله وطلاقة قدرته وعلمه وحكمته بيده مقاليد كل شئ سبحانه وتعالي
ثالثا : التوحيد وما يرتبط به من مفاهيم الخلافة ( اني جاعل في الأرض خليفة ) والأمانة( انا عرضنا الأمانة علي السماوات والأرض والجبال فتبين أن يحملنها واشفقن منها وحملها الإنسان ) يؤكد علي أن الكون والبيئة أمانة الله للانسان والإنسان هو الوصي عليها المسؤول عن رعاية كل خلق الله وسيحاسب علي هذه المسؤولية أمام الله عز وجل احسن أو أساء في الدنيا والآخرة
ثالثا : الإسلام لايفصل بين المعرفة والعلوم وبين غاياتها وأهدافها الأخلاقية والقيمية ويؤكد علي أن المعارف والعلوم التي تؤدي بصاحبها الي خيانة الإنسان لأمانة الله – البيئة الأرضية- غير مسموح بها في منطق الأديان لان الإنسان يتحرك دينيا في أفق مفاهيم التوحيد والخلافة عن الله والأمانة والعلم وكلها مفاهيم مترابطة.
رابعا: البيئة الإسلامية تحكمها مفاهيم الحلال والحرام والمصلحة والمفسدة ، والحرام يتضمن كل ما من شأنه أن يدمر البيئة أو يفسدها ، كل ماهو نافع للفرد ومجتمعه منفعة حقيقية معتبرة يدخل في منطقة الحلال الفعل الحلال يجلب النفع العام .
خامسا : وضعت الشريعة جملة من الأحكام العامة البيئة فحرمت الايذاء بكل صوره وأشكاله لكل مخلوقات الله وأمرت بعدم الإفساد في الأرض بعد إصلاحها. وأمرت الإنسان بالمحافظة علي كل ماسخره الله له من حيوان ونبات وماء وهواء.
سادسا : تزخر الشريعة المطهرة بالعديد من التوجيهات المحذرة بكل قوة من الاضرار بالبيئة ببساطة شديدة لان الاضرار بها أضرار بالإنسان فهي كل مايحيط به أنها الأرض التي يمسي عليها الهواء الذي يتنفسه الماء الذي سر وجوده وحياته( وجعلنا من الماء كل شئ حي )
سابعا : حرمت بكل قوة الافساد في الأرض واعتبرته جريمة تستوجب العقوبة التي تنزل بأصحابها ولا ترتفع عنهم إلا إذا رجعوا لجادة الصواب وامتنعوا عن سلوكياتهم السيئة
( ظهر الفساد في البر والبحر . بما كسبت ايدي الناس . ليذيقهم بعض الذي عملوا. لعلهم يرجعون ) آية معجزة حددت المشكلة بوضوح وبينت سببها وحددت العقوبة المترتبة عليها . ثم ختمت بتقديم الحل الناجع لهذه المشكلة الرجوع عن القرارات والتصرفات السلبية علي كافة المستويات التي أفسدت الأرض ولوثت البيئة بأي شكل من أشكال التلوث أو الإفساد لتعود البيئة الأرضية التي هي أمانة الله الإنسان الي نقائها وفطرتها وصلاحها الي حالتها الأولي ليتخلص الإنسان بل البشرية كلها من أشكال المعاناة التي تلحق بها جراء الافساد في الأرض
ثامنا : قواعد الشريعة المطهرة تحمي البيئة في قواعدها الكلية مثل قاعدة ( لاضرر ولا ضرار) والقاعدة تشمل الضرر العام مايضر المجتمع سواء اكان الضرر من فرد أو جماعة كما تشمل الضرر الحاصل من الافراد فيما بينهم وتشمل الوقاية من الضرر قبل وقوعه وإزالة الضرر بعد وقوعه وتفرعت عنها جملة من القواعد الفرعية الضرر يزال .الضرر لايزال بضرر مثله حتي لاتتسع دائرة الإضرار في الأرض. الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف .الضرر العام يزال بالضرر الخاص
تاسعا : كلنا مسؤولون افرادا وجماعات عن حماية البيئة وليس كما يظن البعض انها قضية المنظمات والهيئات والوزارات وفقط ! فسلوكياتنا اليومية لها أثر كبير في الحفاظ علي البيئة أو تدهورها وبالتالي التأثير علي صحة الإنسان ونوعية حياته علي الارض . مثال بسيط: لو ترك شخص لمبة كهربائية ١٠٠ وات تعمل بدون حاجة إليها وافترضنا أن بالمجتمع ٤ ملايين منزل قام أصحابها بنفس السلوك اصبح لدينا ٤٠٠ مليون وات طاقة مهدرة! تحتاج محركات التوليد الكهربائية لتوليد هذه الطاقة لحرق المزيد من الوقود الذي ينبعث منه ثاني أكسيد الكربون C.02 الذي يعد أحد الأسباب الرئيسية لظاهرة الاحتباس الحراري ( ارتفاع درجة حرارة الأرض ) التي تشكل خطرا عليه وعلي الكائنات الحية . ومايستتبع ذلك من تغيرات مناخية علي الارض كالجفاف وقلة الأمطار وزيادة العواصف الرملية وارتفاع العوائق الترابية….
عاشرا: مما يؤكد علي أن البيئة في قلب الشريعة محاربة نصوصها للتصحر وطلب تجميل البيئة بتعمير الأرض واستصلاحها كما قال صلي الله عليه وسلم ( من أعمر ارضا ليست لأحد فهو أحق ) وحث علي الزراعة وزيادة البساط الأخضر وعدم تبوير الأرض والنهي عن قطع الأشجار كي لاتؤثر علي جمال الطبيعة وأمرت بإماطة الاذي وكافة مظاهر القبح في البيئة الأرضية وأمرت بالمحافظة علي المياه فحرمت هدر المياه أو تلويثها أو الاسراف في استخدامها لان ربنا جل جلاله هو القائل( انشأكم من الأرض واستعمركم فيها ) طلب منكم عمارتها بكل أشكال وصنوف العمارة المادية والمعنوية لانها أمانة الله للبشرية