أزمة كورونا ومفهوم “إنفاق العفو” كقيمة أخلاقية كبرى
بقلم/ د. محمد العربي
كشفت أزمة كورونا عن واقع مرير تعيشه العمالة غير المنتظمة يوما بعد يوم خاصة بعد اضطرار أكثريتهم لفقد أعمالهم اليومية نتيجة لهذا الفيروس الخطير.
وكان لا بد من المسارعة إلي تلبية احتياجاتهم بدءً من تقديم خدمات ودعم غذائي وتوفير أجهزة ومستلزمات طبيه ودعم وقائي وإرشادات توعوية.
وعلى الجميع العمل بإخلاص وبذل كل ما في الوسع لمساعدة المتضررين لأن التكافل الاجتماعي مع التعاضد يعملان علي تقوية الروابط المجتمعية بين أبناء المجتمع الواحد دونما نظر لعرق أو جنس أو عقيدة.
هذه المفاهيم التي تبنتها الدولة المؤسسية انطلاقا من مناشدة الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي نبه علي خطورة وضع العمالة غير المنتظمة وضرورة استيعابها هي ذات المفاهيم التي تضمنها الفكر الإسلامي في قضية “موسوعية الإنفاق”، والتصدق خاصة في الأزمات الاقتصادية والأوبئة الفتاكة.
ويأتي مفهوم “إنفاق العفو” ليشمل الجهد المتعلق بالإمكانيات البشرية وكل ما هو فائض عن حاجة صاحبها من مال وجهد ووقت وصحة.
ويتعاظم هذا الدور حين يُكرس لبناء المجتمع وينمى ليشتمل علي المعنيين الكبيرين (الجهد البشري والمال)، لاسيما في المجتمعات الإسلامية التي تملك من الاثنين قدرا كبيراً.
هذا يعني أننا جميعاً داخلون في هذا التكليف وقادرون عليه بصور متفاوتة.
فالطاقات الفائضة والإمكانات الموهوبة للإنسان لا يباح للمسلم تعطيلها أو منعها عن خدمة المسلمين ومن ثم عن المجتمع كله.
ولا يعفي من المسؤولية من قام بتبديدها في مباح أو وضعها في محرم فنحن مكلفون بالبحث عن ميادين وقنوات الإنفاق في سبيل الله.
ذلك أن جهودنا وأعمارنا وعافيتنا ومواهبنا كلها ينبغي أن تكون لله.. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من كان في حاجة أخية كان الله في حاجته”.
ويفهم من هذا أن كل فضل مال أو جهد أو فتوة أو قدرة يجب أن تستغل لتصب في الصالح العام فيرتقي المجتمع ويظهر أثر ذلك علي الأفراد.
ويوجب عليك الإسلام البدء بالإنفاق الاستهلاكي علي نفسك ومن تعول، فإذا وجدت عفواً أو زيادة فلتخرج الزكاة بشروطها وما بقي فائضا يفاضل فيه المسلم بين الإنفاق الاجتماعي والإنفاق الاستثماري بحسب الظروف الاجتماعية وأحوال الناس من حوله.
ولا بد أن ننبه علي خطورة “كنز المال” حتي بعد إخراج الزكاة لأن البعض يعتبر إخراج الزكاة هي الضابط للتمتع بماله بعد ذلك مما يبعده عن الكنز وإن كانت الحقيقة مخالفة لهذا التصور لأن إخراج الزكاة لا ينفي صفة الكنز عن المال إذا منعت بقية الحقوق الواجبة فيه فيما يعود بالنفع على الناس من بناء الاستثمارات وإقراض المحتاجين وإطعام الجائعين وكفالة الأيتام وإعانة المريض وإغاثة الملهوف إلي غير ذلك من ضروب التكافل الاجتماعي التي تعبر عن طبيعة نظام الإسلام في الإنفاق.
تلك الطبيعة، أشار إليها النبي صلى الله عليه وسلم حين قرن بين قيمة الإنفاق العام وبين حفظ كرامة الإنسان واستحقاق الأمة نصر الله وعونه.
والقيمة الأخلاقية في مبدأ الإنفاق تركز على حق الضعيف في حياة كريمة وعدالة ومساواة.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا قدست أمة لا يأخذ فيها الضعيف حقه غير متعتع”.