الرئيس الإيراني الجديد للسلطة التشريعية
أ.د. محمد السعيد عبد المؤمن
أستاذ الدراسات الإيرانية
استطاع محمد باقر قاليباف بعد أن حصل على أعلى أصوات الناخبين لعضوية مجلس الشورى الإسلامي عن العاصمة طهران، استطاع أن يحصل على تأييد التيار الأصولي في مجلس الشورى الإسلامي، فضلا عن كثير من المستقلين، مما جعله يفوز بأغلبية بلغت ٢٣٠ صوتا من مجموع أصوات نواب البرلمان الصحيحة التي بلغت ٢٦٧ صوتا، ليصبح رئيسا للسلطة التشريعية في إيران.
ولد محمد باقر قاليباف في مدينة مشهد بمحافظة خراسان في شهريور 1340هـ.ش. سبتمبر 1961م لأسرة متوسطة الحال، اكتسب أخلاقياته من مجاورة حرم الإمام علي الرضا، وما يكتنفه من محبة وتسامح وكرم ضيافة لزواره، وفي مدينته المقدسة تلقى تعليمه الابتدائي والإعدادي والثانوي، وخلال فترة تعليمه كان يعمل من أجل تحسين أحواله المعيشية.
شهد خلال دراسته الثانوية التحولات الثورية على الساحة السياسية، مما جعله يشارك في العمل الوطني والخدمة الاجتماعية، ويكتسب معلوماته في السياسة والدين، وقد شعر مع انتصار الثورة أنه ولد من جديد، فقد التحق بقوات التعبئة العامة مع بداية الحرب العراقية الإيرانية في شهريور 1359هـ.ش. سبتمبر 1980م، واشترك في القتال على الجبهة، وأبدى مهارة فائقة مما جعله يصبح قائدا للواء نصر في الثانية والعشرين من عمره. واشترك مع البسيج بعد انتهاء الحرب في عمليات التعمير وإعادة البناء، وأسندت إليه مسئوليات متعددة في هذا المجال منذ عام 1373هـ.ش.1995م، مثل إدارة مشروع بناء سد كرخه، ومشروع نقل الغاز الطبيعي من الجنوب إلى شمال البلاد وغربها، ومشروع توصيل المياه إلى مدينة قم.
وقد حصل على درجة الماجستير من جامعة التربية عام 1375هـ.ش.1997م في مجال الجغرافيا السياسية. حصل على درجة الدكتوراه في الجغرافيا السياسية أيضا من نفس جامعة التربية عام 1380هـ.ش.2001م، تحت عنوان تكوين الأجهزة المحلية في إيران في العصر الحديث. وتم تعيينه عضو هيئة التدريس في هذه الجامعة.
اختاره الزعيم خامنئي قائدا للقوات الجوية بجيش حراس الثورة الإسلامية عام 1376هـ.ش. 1998م، بعد حصوله على دورة في الطيران وقيادة طائرة الإيرباص، فدعم هذه القوات من المتخصصين الشبان. مع تصاعد أحداث الحركة الطلابية عام 1378هـ.ش. عينه الزعيم قائدا عاما لقوات الشرطة بجمهورية إيران الإسلامية برتبة لواء في شهر تير 1379هـ.ش. يوليو 2001م. حيث كان عضوا مؤسسا للجمعيات الإسلامية للطلاب، أي أنه على علاقة وتفهم للحركة الطلابية، فقام بعزل عدد من قيادات الشرطة المتورطة في عمليات قمع الطلاب، وعين القائد مرتضى طلايي مساعدا له، وقد أدت جهود طلايي، وكذلك إنشاء الفرقة 110 تحت شعار الشرطة في الخدمة السريعة، إلى ارتفاع نجم اللواء محمد باقر قاليباف، وقد دعم ذلك تصرفه مع حركة الطلاب عام 1382هـ.ش.2004م. حيث استبدل الأسلوب العنيف الذي كان متبعا من قبل بالابتسامة، كما قام بتغيير شكل ولون الزي الرسمي للشرطة، وقام بتحديث آليات الشرطة، مما ساعده على التمكن من تحرير الفتيات الرهائن في أحداث شارع نظام آباد بطهران العام الماضي، وإنهائها بدون إراقة دماء. كما زاد من النشاط الاجتماعي للشرطة، واتبع أسلوب التعامل الودي مع المسئولين في السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية. اختاره الرئيس سيد محمد خاتمي عام 1383هـ.ش. 2004م ممثلا خاصا، ورئيسا لقيادة مكافحة تهريب السلع والأموال.وكان آخر منصب يتولاه هو رئيس العاصمة طهران، وخلال ذلك تقدم للترشح في انتخابات رئاسة الجمهورية إلا أنه لم يحصل على الأصوات الكافية ليصبح رئيسا للجمهورية، رغم البرنامج الانتخابي الطموح، والتصريحات القوية خلال الحملة الانتخابية، وكان من أشهرها قوله: أنا رجل عملي يؤمن بالعقل الجماعي والمشاركة الواعية للجماهير، وسجل نشاطي يدل على ذلك، كما أني لا أنتمي إلى أي حزب سياسي، ولا لليمين أو اليسار، رغم أني أنتمي إلى معسكر الأصوليين، ولكن ليس الأصوليين التقليديين بل أصوليو القيم، فأنا متعلق بالجماهير أقرن بين رعاية مصالحهم ورعاية حقوق النظام والبلاد، وأعتقد أنه لا معنى للحياة بدون حرية، وأنه لا يمكن الحياة بدون تقدم، ولا يتحقق التقدم بدون الاستفادة من كل الوسائل والأساليب، وليس الجنس مطروحا في المسئولية، فالرجال والنساء سواء. إنني أعي حقيقة المشاكل الاقتصادية ولست أحبذ كل أنواع الخصخصة، وسأعمل على رفع القدرة الشرائية للأسرة، وتوجيه الثروة للإنتاج وليس للسلع والخدمات غير الضرورية، وترشيد الدعم. أنا لا أحبذ العنف، وأسعى لحل المشاكل الأمنية بالطرق الودية دون أن نخرج عن الانضباط في الشارع. كما أن من الضروري إقامة علاقات طيبة مع جميع دول العالم، مع الأخذ في الاعتبار المصلحة القومية والأمن القومي، ومن ثم لا ينبغي أن يكون الملف النووي، أو ملف العلاقات مع الولايات المتحدة موضع بحث الأفراد والجماعات، أو ورقة في المنافسة الانتخابية، وينبغي أن يكون تحقيق مصالح الجماهير هو أساس سياستنا الخارجية. وهو في حملته الانتخابية لمجلس الشورى الإسلامي لم يخرج عما طرحه من خلال انتخابات الرئاسة.
وقاليباف أصولي من نوع جديد، سواء من ناحية نقده لإدارة النظام خلال الستة وعشرين عاما الماضية، أو من ناحية مخالفته للعادات التي اتبعها أصدقاؤه الأصوليون في التعبير عن مواقفهم، أو في التميز عنهم في طريقة ارتدائه ملابسه الفاخرة نوعا ما بألوانها الزاهية، أو في أسلوب محاورته للجماهير، بدءا من مناقشته للراديكالية الحادة إلى الديمقراطية الليبرالية، مرورا بنقد النظرة الإصلاحية بين الأمس واليوم، وكثيرا ما انتقده حتى الأصوليون على ملابسه وسترته الجلدية البنية التي يحضر بها الاجتماعات والمناسبات، ولعله يريد أن يبدو متحررا من الانتماء إلى حزب معين، وإن كان يؤكد انتماءه لتيار الأصوليين، موجة أصولية جديدة مختلفة مع موجة الأصوليين التعميريين، ولا شك أن دخوله المعركة الانتخابية كمستقل أربك حسابات الأصوليين، وخاصة أنصار أحمدي نجاد، لكنه استطاع أن يتعامل معهم ويعقد معهم الاتفاقات. ويعتقد قاليباف أن المدير الناجح عليه أن يدرس التهديدات والفرص، ويعرف كيف يستفيد من الفرص لتخطي التهديدات، ويستبدل نقاط الضعف بنقاط القوة في كافة المجالات، خاصة في المجال الاقتصادي الذي يسعى برنامجه التنفيذي إلى رفع المستوى الاقتصادي للجماهير وزيادة قدرتهم الشرائية، وتوفير الأمن للاستثمار، ورفع يد الحكومة، وزيادة المشاركة الجماهيرية والخصخصة، مع منع الفساد والمافيا الاقتصادية، حيث أن أعماله السابقة تشهد له بحسن الإدارة، فضلا عن ثقة الناس بأنه يستطيع أن ينفذ ما يعد به.
الحديث عن قاليباف لم ينته بعد، وسوف نتعرض له عند حديثنا عن توجهات البرلمان الجديد. إن شاء الله.