كتب – عبد العزيز اغراز :
استهل، الدكتور مولاي منير القادري، رئيس مؤسسة الملتقى، السبت الماضي، كلمته بالإشارة الى أن أهمية الحديث عن الحاجة للقِيَم والأخلاق نابعٌ من أهميَّته وأثرِه البالغ في ضمانِ عمليَّة التنشئة السليمة، وبناء نموذجِ المواطن الصَّالح المرغوبِ فيه، وكذا تنمية وتطوير هذه القِيَم لديه، وتحصين مجتمعاتنا من التيَّارات اللاقِليَمية الوافدة عليها، خاصَّة في ظلِّ هذا العصر المُعَوْلَم، بقيمه المختلة ووعي أبناءه المغيب، الذي لم تَعُد تشكِّل القيمُ الأخلاقية النبيلة أيَّ اهتمامٍ فيه.
وأضاف، أنه أمام هذا الوضع المتأزِّم على المستوى الأخلاقي، المتمثِّل في الانسلاخ القِيَمي والتصدُّع الحاصل في الهوية الدينية والثقافية لمجتمعاتنا؛ تكمن الحاجةُ الماسَّة لإبراز ما تحتاجه للتصدِّي لهذه الأزمة الأخلاقيَّة وما تستدعيه من توفيرِ مناعةٍ قِيَميَّة ضرورية لمواكَبَة العصر بكلِّ نِدِّيَّة وكفَاءة.
ونبه، الى أن اللَّه سبحانه وتعالى حذر البشرية في كتابه العزيز من مغبة تَجاهل البعد الروحي، الذي يؤدي الى القلق الفردي، والاضطراب الاجتماعي، وضنك العيش، وشقاء الحياة، مستشهدا بقوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا﴾[سورة طه الآية124]، وقوله أيضا : ” ألا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ”( سورة الرعد ، الآية 28)، وزاد أنه أمام اتساع الهوة بين الجسد والروح، وفشل العلماء والخبراء في رأب الصدع بينهما، أصبحت الحاجة ماسة إلى وثبة روحية تعيد التوازن المفقود .
وأوضح، أن القيم هي إحدى أهم الركائز التي تضمن فعالية النشاط الإنساني؛ حيث تعمل على أن تكون المسؤولية بين الفرد والمجتمع تبادلية تضامنية متوازنة، تحفظ للجماعة مصلحتها وقوة تماسكها، وللفرد تماسُكه وحريته، واعتبر أن قضية التربية على القِيَم أصبحَت ضرورة ملحَّة وغاية أساسيَّة لتكوين مُواطنٍ صالح مؤمن بثَوَابته الدينيَّة والوطنية والثقافية، ومنفتحٍ ومَرِنٍ في تعامله، بعيدًا عن كلِّ تعصُّب وتطرُّف، وتابع موضحا، “تربية أخلاقية تسعى الى إحداث التغيير المرغوب في تكوين الشباب بصقل جواهر روحهم، ووقايتهم وتكوين وعيهم الديني وحسهم الوطني على نحو سليم، وان هدفها تحول البعد الروحي لمقام الإحسان من بعده التربوي النفسي الفردي إلى عملية بناء شاملة و فعالة لحياة الفرد و المجتمع ككل”.
وأكد رئيس المركز الاورومتوسطي، لدراسة الإسلام، أن التصوف، مقام الإحسان كان وما يزال يهدف إلى تقديم رؤية شمولية للرقي الحضاري تعتمد التربية على القيم الاخلاقية، أساسا لبناء شخصية الإنسان المتكامل، وبناء شباب هم عماد المجتمع والعنصر الأهم في ضمان مستقبل الأمم ونهضتها، وتحقيق تنمية متكاملة متوازنة، تنمية مستدامة، مادية في ظاهرها وروحية في باطنها.
وأضاف، أن التصوف إذا ما قورب بصدق، وأحسن تدبير مخزونه القيمي قادر على صناعة إنسان كوني من غير استيلاب، إنسان يؤمن بالخصوصيات من غير انغلاق، يسارع إلى الخيرات بمحبة وتفان وإخلاص، ليخلص الى أن التصوف هو علم الإخلاص الباطني الذي يهتم بصناعة الإنسان وإعداده إعداداً متكاملاً دينياً و دُنيوياً .
وتحدث، منير، عن حرص الطرق الصوفية الأصيلة المتصلة بالسند الصحيح إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، على الاعتناء والاهتمام بالمضامين التي تجمع وتوحد وتقرب بين الخلق، مع ترسيخ القيم في نفوس الناشئة والشباب والنساء والرجال، وتابع قائلا، “قيم المواطنة الإيجابية والبناءة، وقيم الإبداع والابتكار وقيم التمسك بالثوابت الدينية والوطنية للتحصين العميق، والتمنيع المتين ضد كل أشكال الإستلاب الثقافي والأخلاقي والحضاري، وتشكل أساسا لبنية أخلاقية ومجتمعية متماسكة، فتكتمل بذلك أهم شروط الأمن الروحي الذي لا مناص منه لتحقيق الأمن الحضاري و السلم الاجتماعي”.
وأورد في هذا الصدد، مقتطفا من الرسالة الملكية التي وجهها، الملك محمد السادس نصره الله، إلى المشاركين في الدورة ال2 لملتقى سيدي شيكر : “إن انعقاد لقائكم العالمي الثاني من لقاءات سيدي شيكر، تحت رعايتنا السامية، لينطوي على العناية الفائقة التي نوليها لهذه الملتقيات الصوفية، باعتبارها منارات إشعاع روحي وحضاري، رسخها المغرب على مدى تاريخه الطويل،
ويطيب لنا بهذه المناسبة، أن نرحب بكم على أرض المملكة المغربية، التي تعلمون مدى إسهامها، على امتداد التاريخ، في صيانة صرح التراث الروحي للإسلام، وتشييد معالم الحكمة والإيمان، من خلال ترسيخ مناهج التربية الروحية، التي وضع أسسها صلحاء هذا البلد، الذين امتد إرشادهم، في الماضي والحاضر، وعبر الأزمان، إلى مختلف القارات والبلدان، ولدى شتى بني الإنسان، كما لا يخفى عليكم الالتحام الذي كان سائدا وما يزال، بين إمارة المؤمنين بهذا البلد الأمين، وبين مشيخات التصوف، حفاظا على عقيدته السنية، واختياراته المذهبية”.
وأكد المتدخل أن الطرق الصوفية في المغرب، عُرِفَتْ بعملها المنخرط في بناء المجتمع ووظيفتها الروحية الأصلية والمستمرة، التي تجعل منها مقوما من مقومات هوية المجتمع المغربي، وعاملا أساسيا من عوامل الحفاظ على رأسماله اللامادي الروحي والقيمي وجوابا شافيا لتساؤلاته الروحية و الأخلاقية، وشدد على أن تأهيل المجتمع روحياً من خلال تكوين أفراده على القيم الأخلاقية العليا، والتحقق بها على يد العلماء الربانين هو المدخل الحقيقي لبناء مواطنة صالحة، وانه لا انفصال بين الصلاح والإصلاح.
ونوه إلى أن “التجربة الصوفية هي ممارسة حية على التحلي بالأخلاق والقيم المحمدية التي لها دور فاعل في بناء الإنسان المتكامل وتحقيق توازنه، غايته النفع و الصلاح و الإصلاح للبلاد و العباد وتحقيق الازدهار والأمن والأمان ونشر قيم إسلام الرحمة والوسطية والاعتدال، إمتثالا لقوله تعالى لسيد البشرﷺ في كتابه العزيز: “وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ” (سورة الأنبياء الآية 107) “.
وكانت هذه المداخلات ضمن، فقرات ومواد الليلة الرقمية المائة، المنظمة من طرف مشيخة الطريقة القادرية البودشيشية ومؤسسة الملتقى بتعاون مع مؤسسة الجمال في إطار فعاليات ليالي الوصال ” ذكر وفكر “.