بقلم – أحمد ترك:
من المبادئ المهمة التي حافظ عليها المجتمع العماني ولم تستطع المدنية والحداثة أن تؤثر فيه، مبدأ التكافل الذي يتحول فيه المجتمع إلى لحمة واحدة بالمعنى الحقيقي للكلمة، والقارئ لتاريخ المجتمع العماني يستطيع أن ملاحظة حضور هذا المبدأ وهذه القيمة الإنسانية في المقام الأول والدينية التي حث عليها الإسلام.
وإذا كانت المحن والكوارث الطبيعية التي مر بها المجتمع العماني قد كشفت معدن المجتمع وكشفت تلاحمه وتكافله، وبشكل خاص ما جرى في أكتوبر الماضي بعد مرور الإعصار المداري «شاهين»، فإن شهر رمضان المبارك من المناسبات التي يظهر فيها تكافل المجتمع العماني بعيدا عن أضواء الإعلام، وبعيدا عن أي ضجيج اللهم إلا إن كان بغرض التشجيع على الفضيلة وحث الناس عليها.
ومن بين المبادرات المهمة التي تكشف عن تكافل المجتمع العماني، المبادرة التي تتبناها سنويا في مثل هذا الشهر الفضيل، جمعية المحامين العمانية التي توجه جهودها في «فك كربة» عبر الإفراج عن المعسرين المحبوسين أو الذين صدرت بحقهم أوامر حبسن في قضايا مدنية، وعمالية، وشرعية، وتمكنت المبادرة هذا الشهر من الوصول إلى الإفراج عن 447 حالة معسرة، لتستطيع أن تقضي أيام الشهر الفضيل وسط أسرتها وبين أحبابها، وهذه النسخة ال9 من المبادرة، وقد حققت خلال السنوات الماضية نجاحات كبيرة ووصل علمها إلى أغلب أفراد المجتمع العماني، بل إنها حظيت هذا العام بحضور كبير وأسهمت فيها شخصيات كثيرة.
على أن هذه المبادرة ليست المسار الوحيد من مسارات التكافل في المجتمع العماني، في مجال فك كرب المعسرين، فهناك مسارات كثيرة تدور الكثير منها داخل العائلة الصغيرة، أو داخل الأسرة الأكبر أو في إطار القرية أو الولاية بعيدا عن أي حديث حولها، وهذا المسار هو المسار الأوسع ولا يقتصر على شهر رمضان المبارك، ولكنه مستمر طوال العام، ومتأسس على فكرة الترابط داخل العائلة الواحدة أو القرية.
وبشكل عام فإن هذا الأمر يدل على قوة المجتمع العماني وترابطه، وهو وإن أراد الناس جعله مخفيا لأسباب كثيرة ولكن لا بد أن يجد التعزيز من أجل أن يستمر ومن أجل أن ينتقل الإيمان به من الآباء إلى الأبناء والأحفاد، حتى تستمر مسيرة المجتمع العماني القوي في كل الأوقات.