أُمِّيٌ عَلَّمَ الدُّنْيَا
بقلم: أحمد محمد خلف
باحث في علوم العربية في جامعة الأزهر
تصفّحْتُ معاجمَ العربيةِ؛ علّنِي أجِدُ فيها ما يليقُ بوصف خير البشريّةِ فلم أجِدْ !فأمسكتُ قلمي حائرًا ، ماذا أكتُبُ لبَشَرٍ-ليس كالبشر- عجَزَت معاجمُ اللغةِ في وصفه، وما هي إلا لحظاتٍ قلائلَ وسال الحبرُ من القلمِ؛ فتشكّلَ الحِبرُ بصورةِ جُمْلةٍ؛ أصابت صميمَيْ عقلي وفؤادي ألا وهي: “تجسيدُ معاني الإنسانيةِ لكلّ الإنسانيةِ”، ومن هنا بدأت الحياةُ في العقلِ الراكدِ؛ فكتب: إنّ المُصطفى هو المثلُ الأعلى لكلِّ من يريدُ أن يكونَ إنسانًا، فقد وَضعَ أسس الإنسانيةِ بأخلاقياته، وسلوكياته، وبكلّ صغيرةٍ وكبيرةٍ في حياته؛ فإذا أردت أن تُنسَبَ إلى المدرسةِ المُحمّديّةِ؛فعليك باتّباعه؛ وخِرّيجو تلك المدرسة يحصُلون على أعلى شهادةٍ في الكون”تأشيرةُ الدّخولِ إلى دار النعيم المُقيم(الجنة)”.
وقد اجتَهَدَ كثيرٌ من العلماءِ في اسْتِظْهارِ سبب تسْمية النبيّ بهذَا الاسِمِ، وجُلُّ الآراءِ فَضْلًا عن كُلِّهَا تؤُول إلى: “لكي يكونَ محمُودًا في الأَرضِ وفي السٌمَاءِ” وتفكّرتُ في هذه التسميةِ من جهَةٍ أُخرىٰ (ومن أنَا حتّىٰ أَتَحدّثَ بعد كلامِ العلماءِ، ولكنّها بِضاعَةُ المُقِلِّ) فبدا لي: ” إنّ في حروفِ كلِمَةِ “مُحَمّدٍ” السِرَّ في التسميةِ” فَهْيَ مكونةٌ من خمسةِ أحرُفٍ (مُ-حَ-مْ-مَ-د)، فقد تَكرّرت الميمُ ثلاث مرّاتٍ، ومُنتصفُ الكلمةِ حرفُ (الميمِ)، وكما قال عُلماءُ التّجويدِ بأن حرفَ الميمِ من الحروفِ التي تحملُ صفةَ التَوَسّطِ(كما قال ابن الجزري: وبيْنَ رِخْوٍ والشّدِيدِ لِنْ عُمَر)، وفي هذا دليلٌ على أنَّ المُصطفَىٰ جاء ليُجَسِّدَ معنىٰ الوسطيّةِ التي نادتْ بهَا الشريعةُ السمْحاء، بقِيَ في الكلمةِ حَرفانِ هُمَا:(ح،د)، والحاءُ من حرُوف الرّخاوةِ، أما الدالُ فَهْيَ من حروفِ الشّدَةِ. فجمَعَتِ الْكَلِمَةُ بينَ وسطيّةِ المُصطفىٰ التي استغرقت معظم حياتِهِ (واستغرقت مُعْظم حروف الكلمة)، والرّخاوة والسماحة التي كانَ يُحاكيهما في حضرة أصحابِهِ، والشّدةِ التي كان يستعملها مع من نقضوا العهودَ من المُشركين. منَ المَعْلومِ حقيقةً أنّ النبيّ-صلى الله عليه وسلم- كان أُمّيًّا؛ فعلّمَهُ ربّهُ القرآنَ، فعلّم الدُّنْيَا كلَّها، وقد تفكّرتُ مليًّا في ذلك، فوَجدْتُ أنّ آخِرَ آيةٍ في سورةِ الفتحِ:” محمّدٌ رسول الله..”قد اشتمَلتْ على كُلّ حُروفِ الهجاءِ، وكأنّها إشارةٌ من اللهِ – تعالى- بأنّ اللغةَ لا يُحيطُ بها إلانبيّ، وإذا ربطنَا بين اسم السورةِ ( الفتح) وبين ما سبق ذكره؛ سنجد أنه من أراد أن يفتح الله عليه فتوحَ العارفين في العلم، وفي الحياةِ عُمومًا؛ فعليه بملازمة الصلاة على النبيّ!