رأي الشرع في
اضطراب الهوية الجنسية (1)
بقلم الشيخ/ صبري عبدالباقي علام
إمام وخطيب بوزارة الأوقاف
الحمد الله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا والصلاة والسلام على صاحب الشريعة الغراء والمحجة البيضاء سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
فبعد ما أثارته الدكتورة الفاضلة حنان خليل في “صوت الشعب نيوز” من مسألة الاضطراب الجنسي وأنه من الأمور القديمة الجديدة في مجتمعات كثيرة. وما أكدته من أن ما يعرف بالاضطراب الجنسي أو عدم وضوح الحالة الجنسية للشخص مسألة غير الشذوذ الجنسي الذي يكون عن ميل غير فطري للشخص نحو الجنس الآخر.
أقول: دفعتني مقالة الدكتورة حنان عن الاضطراب وعدم توازن هرمونات الجسم الطبيعية، إلى الإدلاء بدلوي في هذا الموضوع الخطير من خلال عدة مقالات تبين الرأي من الناحية الشرعية ، أما من الناحية الطبية فأهلها أولى بالحديث عنها لأنهم أهل الاختصاص والخبر وأهل الذكر في هذا الباب.
نقول: اضطراب الهُوية الجنسية، هو اضطراب نفسي سلوكي، يعبر عن عدم رضا المريض ذكرًا أو أنثى عن هويته الجنسية التي ولد بها، إنَّ المتحوِّل ليس هو مثل ما يسمَّى عند الفقهاء بـ (الخُنْثى)؛ بل هو ذكرٌ طبيعيٌّ، له كلُّ المواصفات الذَّكريَّة، فقط تُجرى له عملية؛ لاستئصال الذَّكَر والخصيتَيْن، ثم يقوم الأطباء ببناء مِهْبَل، وتكبير الثَّديَيْن، والحَقْن بـ (هرمونات) لمدة طويلة، حتى ينعم الصوت، وتتغيَّر طبيعة توزيع اللحم، ويظهر الشَّخص بمظهر الأنثى؛ لكنه في حقيقته ذكرٌ”.
وقد شكك الدكتور حسان المالح استشاري الطب النفسي في فاعلية عمليات التحويل، حيث قال: “ولكن بعد زيادة أعداد الحالات التي تم علاجها جراحياً من خلال تغيير الجنس، تبين أن هناك مشكلات نفسية واجتماعية كبيرة .. ومنها: ازدياد حالات الانتحار والاكتئاب لدى المرضى المتحولين جنسياً .. وأيضاً ازدياد المشكلات الإدمانية، ومشكلات الطلاق والدعارة وغيرها .. وبعضهم لم يستطع أن يتكيف مع جسده الجديد، وطلب إعادته لوضعه السابق .. وهذا غير واقعي طبعاً بعد استئصال الأعضاء الجنسية الخارجية للذكر، والتكوين الجراحي لأعضاء جسدية شبيهة بالأنثوية”.
أما قياس عمليات التحول الجنسي على بعض ما أجازه أهل العلم، من التلقيح المجهري عند الضرورة وغيرها – فقياس مع الفارق؛ لأن تلك العمليات الجائزة ليس فيها شيء من المحظورات الموجودة في عمليات التحول الجنسي، ثم إن نتائجها إيجابية في الغالب، بخلاف تلك التي تجعل الشخص ليس متمحضًا للذكورة ولا للأنوثة.
وكذلك قياس عمليات التحويل الجنسي على عمليات علاج الإبصار، فغير صحيح أيضا؛ لأن إجراء عمليه لإزالة عيب ناتج عن حادث أو وُلِد به، ليست تغييرًا لما خلقه الله، وإنما إعادة لوضعه الطبيعي، بخلاف تحويل من خلقه الله ذكرًا إلى أنثى، أو العكس.
ومن القواعد الشرعيَّة المقرَّرة: حُرْمَة التَّداوي بالدَّواء المحرَّم؛ فعن أبي الدَّرْداء – رضيَ الله عنه – قال: قال رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إن الله أنزل الدَّواء، وأنزل الدَّاء، وجعل لكل داءٍ دواء؛ فتداووا، ولا تتداووا بحرام))؛ رواه أبو داود.
وروى أحمد عن ابن مسعود، قال: “إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حُرِّمَ عليكم”.
فإذا خلق الله ذَكرًا بأعضاء تناسلية ذكريَّة؛ كان له أحكام الذُّكور، ولا يجوز له التَّشَبُّه بالنِّساء، فضلاً عن أن يُجري عمليةً جراحيةً يتحوَّل بها من الذُّكورة إلى الأنوثة؛ لما في ذلك من تغيير خَلْق الله، الذي هو من عمل الشيطان، الذي تعهَّد بغِواية بني آدم.
قال تعالى: {إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَانًا مَرِيدًا * لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا * وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آَذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا * يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا * أُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا} [النساء: 117-121].
وثبت في “صحيح البخاري” من حديث عبد الله بن عباس – رضيَ الله عنهما – أنه قال: “لعن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – المتشبِّهين من الرجال بالنِّساء، والمتشبِّهات من النِّساء بالرِّجال”؛ قال ابن حجر – رحمه الله تعالى -: “وتشبُّهُ النِّساء بالرِّجال، والرِّجال بالنِّساء من قاصدٍ مُختارٍ – حرامٌ اتِّفاقًا”.
وعملية تحويل الجنس، محرَّمةٌ عند جميع مَنْ يُعْتَدُّ بقولهم من العلماء المعاصرين، إلاَّ في حالة الخنثى المشكِل، فإذا قرَّر الثِّقات منَ الأطباء بعد إجراء الفحوصات اللازمة للجهاز التناسلي: أن الأجهزة التناسلية لدى شخصٍ ما هي أجهزةُ ذكرٍ، وإن كان الظَّاهر أنها أعضاؤه، أو العكس؛ فإنه لا بأس في إجراء عملية التَّغيير.
وقد سئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء عن تلك سؤال أحد هؤلاء، فأجابت:
أولاً: قال الله – تعالى -: {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ، أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا، إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} [سورة الشورى: 49، 50].
فعلى المسلم أن يرضى بخلق الله وتقديره، فإذا كانت حالتك كما ذكرت من أنك متحقق من رجولتك، وأنك يمكن أن تأتي بدور الذكر، وإن كنت لم تمارس الحالة الجنسية بالفعل، فعليك أن تحتفظ بذكورتك وترضى بما اختاره الله لك.
التتمة في المقال القادم.