شهر شوّال بين الجاهلية والإسلام
بقلم/ د. محمد العربي
من المسلمات البديهية في ديننا الحنيف أن الله خلق الإنسان لمهمتين أساسيتين الأولي لعبادته وطاعته سبحانه انطلاقاً من قولة سبحانه وتعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)، والمهمة الثانية هي إعمار الكون وإصلاح ما فسد منه قدر استطاعته.
لذا، فعلي المسلم أن يواصل بين بعض العبادات وبعض وألا يخلي وقتا من أوقاته فارغًا من الطاعة، فإذا فرغ من عبادة أتبعها بأخري، فإذا ذهب رمضان بصيام الفريضة فإن صيام النافلة متاح طوال العام.
ولا يزال باب الريان مفتوحا للصائمين، وإذا ذهب رمضان بصلاة التراويح فلا تزال أفضل الصلاة بعد الصلاة المكتوبة الصلاة في جوف الليل، ولقد أتي علينا شهر شوال ليقدم لنا فرصة عظيمة لمن يريد أن يتدارك بعض ما فاته من رمضان كما في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف مرة في العشر الأول من شوال ليقضي اعتكافا فاته في رمضان.
وكان العرب في الجاهلية يتشاءمون من شهر شوال فكانوا لا يتزوجون زعما منهم أن الزواج فيه لا يفلح وسبب تشاؤمهم ما في الاسم من الإشالة وهي الرفع والقلة وقيل إن طاعونا وقع فيه قديماً مات فيه خلق كثير من العرائس.
ولقد حارب النبي صلى الله عليه وسلم بأفعاله وأقواله التشاؤم لما قال: “لا عدوي ولا طيره ويعجبني الفأل الصالح”. بل إنه صلي الله عليه وسلم أسبغ علي هذا المنهج صبغة تطبيقية لمّا تزوج في شهر شوّال ليبين لنا بطريقه عملية بطلان ما يعتقده أهل الجاهلية.
عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: “تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم في شوّال فأي نساء رسول الله كان احظي عنده مني”.
وكانت عائشة رضي الله عنها تستحب أن تدخل نساءها في شوال. ثم سن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صيام الست من شوال فقال صلي الله عليه وسلم: “من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر”.
والأفضل أن تصام متوالية عقب يوم الفطر. وفي صيام هذه الأيام حِكم عديدة منها:
أولًا : أن صيام شوال وشعبان كصلاة السنن الرواتب قبل الصلاة المفروضة وبعدها فيكمل بذلك ما حصل في الفرض من خلل ونقص فإن الفرائض تجبر أو تكمل بالنوافل يوم القيامة.
ثانياً : أن معاودة الصيام بعد الصيام علامة على قبول صوم رمضان فإن الله إذا تقبل عمل عبده وفقه لعمل صالح بعده.
ثالثاً : من جملة شكر العبد لربه علي توفيقه لصيام رمضان وإعانته عليه ومغفرة ذنوبه أن يصوم له شكرا عقب ذلك. قال تعالى: (ولتكملوا العدة ولتكبروا الله علي ما هداكم ولعلكم تشكرون).
ويبقي أن نؤكد أنه إذا كان رمضان هو شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار قد انقضي فلا يزال الله عزوجل يبسط يده بالليل ليتوب مُسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتي تطلع الشمس من مغربها.