إيران وآفاق المستقبل
أ.د. محمد السعيد عبد المؤمن
أستاذ الدراسات الإيرانية
عندما طرحت بإيحاء من فكرة مواجهة فيروس الكرونا مشروعا بحثيا تحت عنوان “إيران وآفاق المستقل” لم أذكر إلا المجالات التي ينبغي بحثها تحت هذا العنوان، واخترت الدراسة الاستقرائية منهجا للبحث في الموضوع، لأني أومن بضرورة الوقوف على رد الفعل لأي مقترح أو رأي، ومنه يمكن تحديد المسار أو تعديله أو التراجع عنه، وهذا من صميم عمل الباحث في مجال العلم، وهو أقرب إلى فكرة عقد سمينار قبل تسجيل أي موضوع للحصول على درجة الماجستير أو الدكتوراه. وقد تبين لي من ردود الفعل أن الباحثين والمتخصصين انقسموا إلى فريقين، الفريق الأول متخوف من المشاركة في هذا المشروع البحثي لسببين أو أحدهما، وهما: الأول أن المعلومات التي يمكن الرجوع إليها في هذا البحث متضاربة، ويصعب الاعتماد عليها كأساس للدراسة الاستقرائية، والثاني أنهم لم يدخلوا حقل الدراسات الاستقرائية من قبل، مع أني سبق وتحدثت عنها باستفاضة، وقمت بتبسيط خطواتها البحثية في كتاباتي والمؤتمرات التي شاركت فيها، وأهميتها في رفع مستوى البحث العلمي، والحصول على الجديد من النتائج. أما الفريق الثاني فهو متحمس للمشاركة في المشروع، ولكني لمست من وراء هذا الحماس تحيزا إما لنفس الباحث وقدرته على ولوج هذا المعترك الصعب، وإما للدفاع عن إيران أمام المواقف العدائية التي تعاني منها من جانب الغرب أو العرب، أو الانحياز ضدها بتأثير من الرؤية الغربية والعربية تجاهها.
الحق أقول لكم إنه ينبغي أن أقوم بتوضيح عدد من الأمور التي تتعلق بهذا المشروع، أولها أن المتخصصين في الشأن الإيراني لابد وأن يكونوا قد أدركوا أنه مع أالأحداث التي مرت بها إيران خلال العام الهجري الشمسي المنصرم قد وجدت نفسها أمام مفترق طرق، وهو ما أشرت إليه في مقالي عن خطاب وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بمناسبة عيد النوروز، وهو ما جعلني أتحمس لهذا المشروع البحثي، فإن لم يكن المهتمون بالشأن الإيراني من مصر والعرب أسبق لدراسة هذا المنعطف المصيري، باعتبار أنهم أقرب إليه، وأن بلادهم أكثر المتأثرين به، فمن يقوم به؟! ثانيها أن هذا المشروع يطرح في وقت مناسب يتمكن فيه المهتمون من التفرغ له إزاء أهميته، ومن ثم تكون الفرصة مهيأة لمائدة من البحث الجماعي المتكاتف، وإحياء الروح العلمية في الوسط العلمي والبحثي. ثالثها: تعميد منهج الاستقراء ليصبح أهم مناهجنا الدراسية باعتباره أفضل وأحدث مناهج البحث العلمي التي تحبذها مراكز البحث العلمي في العالم، فضلا عن جذوره الإسلامية. رابعها أن مثل هذا المشروع البحثي سوف يكون له أكثر من أجر، الأول من الله سبحانه وتعالى إزاء سير المهتمين في الطريق الذي يرضاه، والثاني أنه سعادة الباحث النفسية بتقدير من يطلع على بحثه لهذا الجهد المطلوب والهام في سيرته البحثية، الثالث هو نشر جهده على الملأ بصحبة كبار المتخصصين، الرابع هو الأجر المادي مقابل الجهد الذي بذله، ولن يكون أقل من أية مكافأة أخرى يحصل عليها من بحث آخر، فضلا عن أن هذا البحث يدخل في إطار بحوث الترقية إلى أستاذ أو أستاذ مساعد لأهميته وجديته وتخصصه. خاصة وأني مسئول عن توجيه الباحثين لكي يخرج بحثهم بالقدر اللائق لهذه الترقية العلمية، سواء في المنهج أو الخطة البحثية أو صحة المعلومات وتوثيق مصادرها، أو الأسلوب العلمي الذي يدون به البحث.
واسمحوا لي في هذا المجال أن أعرض لكم تصريحا لأحد القيادات الثورية والفكرية والسياسية في إيران، لكي ندرك منه أهمية هذا المشروع، وضرورة دراسة موضوعه، يقول علي مطهري نائب طهران في البرلمان الإيراني وعضو هيئة رئاسته: إن ما مر بإيران من محن خلال العام المنصرم إنما يمثل عقوبة من الله سبحانه على خطأ أو تقصير، لم نلتفت إليه، أو ربما أخفيناه وتغاضينا عنه، من ثم كان الابتلاء بفيروس كورونا في شكل وباء، تحذير لنا جميعا مسئولين وأفراد، لكي نقوِّم اعوجاجا أو نصلح أخطاء أو نمنع ظلما. إن سياسة الاحتياط التي تتخذها قيادات البرلمان والحكومة تظهر ضعف هاتين السلطتين، لأنهم يعرضون المسائل على الزعيم ثم يعودون إلى الأعضاء فيوسوسون بأن الزعيم لا يحبذ هذه المسائل، ولا يعلنون هذا صراحة خوفا من أن يقال إن الزعيم يتدخل في شئون السلطات، ومن ثم يتراجع الأعضاء ويسحبون رأيهم، لكن من الأفضل أن يعلن رأي الزعيم صراحة، فإن كان رافضا يستجيب الأعضاء امتثالا لطاعته، حتى تكون الأمور واضحة للناس، ومن الأفضل أن تقوم الحكومة بطرح قوانينها بحرية على البرلمان، ثم يتخذ البرلمان قراراته بنفسه، وعندما يعرضها على مجلس الرقابة على القوانين، هنا يبدي الزعيم رأيه فيها رسميا، لا أن تكون رسالة من ديوان الزعيم، فديوان الزعيم ليس هو الزعيم، ومن هنا تكون كل سلطة قد مارست حقها وأدت وظيفتها. لكن القضية التي يمكن أن تثار عندئذ هي صلاحيات الزعيم، وهل هي أعلى من الدستور؟ أم أن المادة ١١٠ من الدستور التي حددت صلاحيات الزعيم هي التي تنفذ؟! لكن من الواضح أن الأصوليين ينتقلون بالنظام من نظام الجمهورية الإسلامية إلى نظام الحكومة الإسلامية (الخلافة أو الإمامة الإسلامية) من خلال مجلس الرقابة على القوانين الذي يقوم بتصفية المسئولين سواء في السلطة التشريعية أو السلطة القضائية، نحن نؤمن بولاية الفقيه، ولكن في مثل هذه الظروف لم لا تكون ولاية الفقيه جماعية من خلال مجلس فقهاء، خاصة وأننا ندرك أن التحول إلى نظام برلماني لا يعتبر مناسبا مع هذه الظروف.(ترجمة بتصرف وحذف التفاصيل من صحيفة التعمير سازندگی في ٢١/٣/٢٠٢٠م)