ضحايا اضطراب الهوية الجنسية
بقلم د/ حنان عبد الباقي محمد خليل
الأستاذ المساعد بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا
التحول الجنسي أو ما يعرف علميا باسم “اضطراب الهوية الجنسية*”، هو مرض ينتج عن خلل في الجينات والهرمونات ويتحدد من خلال عنصرين أساسيين طبيا وعلميا وهما:
أولا: التركيب البيولوجي
وهو ما يعني بالجينات وشكل الجسم الخارجي.
ثانيا: التكوين النفسي والدور الاجتماعي وهو ما يحدد ( صورة الشخص عن نفسه).
وفي الأشخاص الطبيعيين يكون هناك توافق بين التكوين النفسي والتكوين البيولوجي.
لكن عند الأشخاص الذين يعانون من اضطراب الهوية الجنسية ينشأ عدم توافق بين الاثنين فيظهره التكوين على أنه ذكر لكن نفسيته تقول له إنه أنثى. والعكس صحيح، وهنا ينشأ ما يسمى علميا باضطراب الهوية الجنسية الناتج عن الخلل الهرموني والجنسي.
وعليه، فالشخص الذي يعاني من اضطراب في هويته الجنسية ليس له ذنب في إصابته بهذا الخلل وإنما يرجع أمره لسبب وراثي نتيجة لاضطراب هرموني في المرحلة الجينية.
ينشأ المصاب بهذا الخلل الهرمون/ الجنسي، رافضًا لجنسه ورافضًا لصوته ورافضًا لثيابه ورافضًا حتى لأعضائه الجنسية الأمر الذي يولّد لديه الرغبة الشديدة في التحول للجنس الآخر.
وهنا تتكون لديه الرغبة للبس ملابس الجنس الآخر والتصرف مثلهم ويكون لديه نفس مشاعرهم وردود أفعالهم.
هذا الاضطراب المتعلق بالهوية الجنسية من أصعب الابتلاءات في العالم، إذ يشعر المرء بأنه في جسم غير جسمه ويمارس وظائف اجتماعية ونفسية هو/ هي غير مؤهل لها مما يؤدي لخلل وظيفي/ اجتماعي/ جنسي ضخم.
ويُعرض الشخص المصاب بهذا الخلل لحالة اكتئابية عنيفة قد تصل به للأسف في كثير من الأحيان للانتحار.
لذا، يتوجب عرض الشخص الذي يعاني من أعراض “خلل الهوية الجنسية” على استشاري العلاج النفسي. وهناك تتم معالجته من الأعراض النفسية الناتجة عن هذا الخلل الجيني/ الهرموني، مثل الاكتئاب والقلق والأفكار الانتحارية وتقليل حدة هذا الصراع الداخلي العنيف وعلاج ثنائية الجنس الصارمة التي تكون موجودة داخل نفس المريض ومساعدته للتوصل لنوع من التقبل لذاته وتعزيز الجوانب الأخرى الإيجابية في حياته مثل النواحي الدراسية أو العملية وتوعية المحيطين به من أهله وزملائه بأهمية التعامل معه بصورة طبيعية لأن هذا الخلل أو الاضطراب ليس له فيه دخل لأنه ببساطة اضطراب جيني وراثي قهري.
والآن يتاح معالجة تلك الحالات بالتدخل الجراحي لتغيير الجنس وتتم بضوابط صارمة من حيث الفحص الطبي الصارم من لجان طبية متخصصه فضلًا عن أن الحالة تكون تحت الملاحظة الطبية طوال عام كامل قبل إجراء عملية التحول الجراحية مع الخضوع لعلاج هرموني مستمر.
ومن الملاحظ أن حل التحول الجراحي يتبعه للأسف اكتئاب شديد قد يوصل للانتحار بنسبة عالية جدا لشعور الشخص بأنه غير حقيقي وبأنه ليس طبيعيًا مثل بقية الناس، ويكون أكثر عرضة للسخرية للسخرية والتحرش والتنمر فضلًا عن الوصمة وتشويه السمعة من المحيطين به وبخاصة من يعرفون حالته. كل ذلك وهو يعيش في حالة صراع دائم/ معقد داخل نفسه.
وقد تناولت هذا الخلل الجيني/ الهرموني بعض الأفلام والأعمال الدرامية؛ منها: عمل للفنان إسماعيل يس وفيلم للفنان محمود عبد العزيز والفنانة معالي زايد رحمهم الله جميعا.
وفي الختام، فإن مرض “اضطراب الهوية الجنسية” من أصعب الاضطرابات النفسية وأكثرها تعقيدا ومعاناة على المريض، ويكفيه ما يشعر به. ولذا، فالواجب على المحيطين به والمجتمع من حوله تجنب التعامل معه على أنه وصمة عار أو أنه شخص مذنب يجب أن يتوب إلى الله!
وليعلم المجتمع أن الحالة من هذه الحالات لا دخل لها على الإطلاق فيما ابتليت به من هذا الخلل الجيني/ الهرموني.
وينبغي التنويه وحتى لا تختلط الأمور على الناس، أن الشخص الذي يعاني من مرض “اضطراب الهوية الجنسية” ليس شاذًا جنسيا.
فهذا اعتقاد خاطيء تمامًا وعار من الصحة، لأن “الشذوذ الجنسي” ببساطة انحراف جنسي وأخلاقي والشخص أمامه حرٌّ مختار أن يفعل وأن لا يفعل، أي مخير بأن يختار الحلال أو الحرام.
أما الشخص الذي يعاني من “اضطراب الهوية الجنسية”، فهو كما قلنا مريض بخلل جيني/ هرموني قد ولد به هكذا.
ومن ثم هو حالة مرضية يُرثى لها ويُعطف عليها ويتوجب على المحيطين به اخضاعه للعلاج النفسي خوفًا من اللجوء للانتحار.
كفانا الله وإياكم شر فواجع الأقدار والابتلاءات.
وكان الله في عون أسر وأهالي هؤلاء المرضى بهذا الابتلاء العظيم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*المادة العلمية أخذتها الكاتبة من الدكتورة Prof. Dalia Gamil استشاري الأمراض النفسية والإدمان، كلية الطب جامعة القاهرة.