بقلم الشيخ: محمد عصمت الكيلاني
من علماء الأزهر والأوقاف
“الوقت هو الشيء ألوحيد الذي نشترك فيه جميعًا ولكنه أيضًا الشيء الوحيد الذي نستخدمه جميعًا بشكل مختلف” (كاثرين بوليسفر)، لأول وهلة حينما تسمع خبر شاب أو فتاة انتحر أو انتحرت يتبادر الي ذهنك أنه ألقي بنفسه من أعلي أو أنه قطع شريانه بشفرة أو أنه أخذ جرعة من مواد سامة أنهي بها حياته ومات، لكن أنا هنا لأن أتكلم عن الانتحار بهذا المعني لكن هناك من يقدمون على الانتحار وينهون أعمارهم وما زالوا بين الاحياء عزيزي القارئ هذا ما أعنيه بقولي (الانتحار البطيء).
أنا اتعجب كل العجب من حديثي مع بعض الشباب أنه قد يضيع من يومه 12 ساعة على شبكة الانترنت ليته استفاد منها معلومة واكتسب مهارة بل اضاعها في لعبة أخذت وقته ومجهوده دون أي استفادة حقيقة منها، فالوقت هو من أثمن ما نملك في حياتنا بل هو أغلى ما يجب على الإنسان أن يحافظ عليه ويستفيد منه دون هدر فهو من أعظم نعم الله علينا ومن خصائص الوقت التي لابدَّ من معرفتها أنّه لا يعود إذا انقضى ولا يُعوَّض إذا انتهى فالوقت غالٍ وثمين لا يُباع ولا يُشترى بل يُستثمر ليشعر الإنسان بسعادة الإنجاز وتحقيق الأهداف والفوز بالنجاح فباستغلاله يُطوِّر الإنسان من نفسه ويخدم مجتمعه وقد قيل في ضرورة استغلال الوقت (الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك) واعلم أنّ الوقت إنْ لم تملأه بالخير والنفع عاد عليك بالضرر.
ولأهمية الوقت والزمن في حياة الانسان اقسم به رب العالمين في اكثر من موضع في القران الكريم (وَالْعَصْرِإِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍإِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)، كذلك السنة المطهرة مليئة بالأحاديث التي تؤكد على أهمية الوقت في حياة الناس ففي الحديث الذي رواه الامام البخاري من حديث ابن عباس ان رسول الله صل الله عليه وسلم قال: (نعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس، الصحة والفراغ( وقل الرسول الكريم صل الله عليه وسلم (اغتنِمْ خمسًا قبل خمسٍ شبابَك قبل هِرَمِك، وصِحَّتَك قبل سِقَمِك، وغناك قبل فقرِك، وفراغَك قبل شُغلِك، وحياتَك قبل موتِك)، قال ابن مسعود رضي الله عنه ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه نقص فيه أجلي ولم يزدد فيه عملي.
قال أبو الدرداء رضي الله عنه ابن آدم إنما أنت أيام فكلما ذهب يوم ذهب بعضك ابن آدم إنك لم تزل في هدم عمرك منذ ولدتك أمك، قال بعض السلف كيف يفرح بالدنيا من يومه يهدم شهره وشهره يهدم سنته وسنته تهدم عمره كيف يفرح من يقوده عمره إلى أجله وتقوده حياته إلى موته، وقال بكر المزني ما مرَّ يومٌ أخرجه الله تعالى إلى أهل الدنيا إلا ينـادي ابن آدم اغتنمني لعله لا يوم لك بعدي ولا ليلة إلا تنادي ابن آدم اغتنمني لعله لا ليلة لك بعدي
الوقت مُعطى للجميع بالتساوي فجميعنا لدينا يوم مكون من 24 ساعة، لكن ما يميز أحدنا عن الآخر هو الطريقة التي نستخدم بها هذه الـ 24 ساعة.
إذا عرفت متى تقدم ومتى تحجم فقد مشيت نصف طريق النجاح كما أن كل فعل ناجح إنما يُفعل في الوقت فعندما تقرر إنجاز عمل عظيم فأنت لا تفعله خارج الزمن لذلك عليك أن تتخير له الوقت المناسب وأن تصبر على الجهد حتى تتمكن من الإنجاز (الوقت هو المال – (بنجامين فرانكلين)، ويشير فرانكلين إلى مفهوم اقتصادي معروف وهو تكلفة الفرصة بمعنى أن كل خيار تقوم به له تكلفته فإهدار الوقت له تكلفته واستخدامه الاستخدام الأمثل له منافع وستحقق من خلاله مكاسب الوقت لا ينتظر أحد فإذا كان الماضي من الوقت لا يعود ولا يتجدد فهذا أفضل دافع لكي تستغل كل دقيقة من وقتك على النحو الأمثل وإلا ستهدر حياتك فيما لا فائدة منه.
لذا على العاقل ألا يغفل عن هذ النعمة العظيمة وهي نعمة الوقت والعمر، وليعلم أن الله عز وجل سائله عن عمره يوم القيامة فيما أضاعه روى الامام الترمذي من حديث ابي برزة الأسلمي أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال (لا تزولُ قدَما عبدٍ يومَ القيامةِ حتَّى يسألَ عن عمرِهِ فيما أفناهُ وعن عِلمِهِ فيمَ فعلَ وعن مالِهِ من أينَ اكتسبَهُ وفيمَ أنفقَهُ، وعن جسمِهِ فيمَ أبلاهُ).