قصة قصيرة
بقلم الأديب: محمد الشرقاوى
يسارع صادق الخطى متجها إلى المسجد المجاور، خطوات قليلة تفصله عنه لكن عقله مشغول بسؤال هام: لماذا انقطعت المياه منذ الصباح؟ هل بدأ يظهر أثر سد النهضة في (أثيوبيا) الذي جعل الناس يضعون أيديهم على قلوبهم خوفا؟ يصل إلى المسجد مع انتهاء الأذان الأول لصلاة الجمعة، بعض الناس يتوضؤون، وآخرون يقفون ينتظرون انتهاء بعضهم ليباشروا الوضوء.
يقف صادق لحظاتٍ، ثم يتجه لصنبور فرغ أحد الأشخاص من الوضوء خلاله، يتوضأ ثم يتجه إلى الداخل، أصوات تبدو منخفضة تتساءل: أين الخطيب؟ ولماذا تأخر؟
بمرور اللحظات تزداد العيون حيرة، وتتجول بين الوجوه لتعثر عمن يمكنه أن يخطب الجمعة. يقترح أحد المصلين سماع الخطبة من خلال إذاعة القرآن الكريم بينما يعارض ذلك آخرون. تبدو على بعض الوجوه الرغبة في الانصراف أو الذهاب لمسجد آخر وما زال صادق في حيرة وتردد، فهذا بيت الله، ولمن ساهم في إعماره أجر عظيم، أفكاره ومعلوماته تدنو وتبتعد بين مشاعر الرغبة والرهبة، فهذا المقام وقف فيه سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم وكبار الصحابة الأطهار، وبينما هو سابح في أفكاره إذ تتجه إليه الأنظار بشدة.
لحظة فارقة تهبط خلالها الثقة والعزيمة فيرسل للمؤذن إشارة باستعداده لأداء الخطبة. تنفرج أسارير المؤذن، وكذلك وجوه الناس يكسوها التفاؤل، وتغمرها البسمة الصافية.
يصعد صادق المنبر، ويلقي السلام على الحاضرين، ينادي المؤذن للمرة الثانية، ويردد الجميع سراً وراءه، بينما يحاول صادق أن يستجمع قواه ومعلوماته لكي يؤدي هذا الاختبار المفاجئ. العيون تتجه إليه، والعقول تترقب ماذا سيقول، ومدى فصاحته، وما أدلته وبراهينه، فبين هؤلاء الجالسين طلاب علم، وأشخاص طاعنون في العمر يحفظون غالبية الخطب عن ظهر قلب.
يبدأ صادق بحمد الله والثناء عليه، ثم الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويبدو عليه الثبات والثقة منذ البداية، يمضي في سرد بعض آيات من كتاب الله، تحمل معاني الأمل والبشارة وتكريم الله للإنسان، فما أحوج القلوب أن تعيش مع مشاعر الأمل والسرور!.
ينتاب الجميع حالة من النشوة تبدو على الوجوه، وفي نظرات العيون، ثم يمضي صادق بسرد وتفسير بعض أحاديث النبي محمد صلى الله عليه وسلم طالباً من الجميع الإكثار من الصلاة والسلام على شفيعهم يوم الحساب، فتلك الأحاديث تبني الأمم والمجتمعات وتصونها.
يزداد انتباه الناسن ويزداد صادق ثقة ورسوخاً وحرصاً على سلامة لغته وفصاحته وتوزيع نظراته على كل المصلين.
تمر الدقائق، وينهي صادق خطبته بدعاء يشرح الصدور، ويستدعي النصر والعزة والكرامة وحفظ البلاد والعباد، ثم تقام الصلاة فيصطف الجميع خلفه.
يؤدي صادق صلاته كخطبته بصوت واضح جهوري، يفرغ الناس من صلاتهم ليتقدم نحوه عدد كبير من المصلين يرحبون به ويهنئونه بحسن الأداء معبرين عن إعجابهم الشديد بقدرته ومهارته وفصاحته، يمضي صادق نحو منزله، ولا يكاد.