بقلم: د. علي زين العابدين الحسيني
أديب وكاتب أزهري
من حق أستاذنا محمد رجب البيومي مؤرخ الأزهر وأديبه على طلابه أن نقف على ذكرى وفاته وقفة الذاكر للعظماء، نحيي بجميل العرفان خلود مجده، ونحيي بالحسرة مصاب فقده، فقد توفي يوم السبت الثاني من ربيع الأول ١٤٣٢، يوافقه الخامس من شهر فبراير ٢٠١١م. إنّ للبيومي موضعاً منفرداً ومكاناً بارزاً، ففكره مستقيم، وثقافته شاملة، واطلاعه واسع، وأسلوبه ساحر، وبديهته حاضرة، وعقليته مبهرة، وبيانه أخَّاذ، وهمته عالية، ومشاعرة صادقة، ورأيه مسموع، ومكانته رفيعة. تميز رجب البيومي عن أبناء جيله بأربعة أمور: النفوذ التام في العلوم، والإدراك التام لضروب المعرفة، والإلمام المنقطع النظير بثقافة العصر، والعلم الواسع بأخبار الأمم وتراجم الرجال، ومن هذه الأربعة تكونت عقليته، فكان نتاجه العظيم، ولك أن تطالع ترجمة من تراجمه الفريدة ستجد فيها لسان العلم، وتنوع المعارف، واستحضار ثقافة جيله، والوعي بالتاريخ وصناعته.
ولعلّ سر نتاجه العظيم يرجع إلى الهمة العالية، والنبوغ الفطري، وتلك النفحة الربانية من روح الله، ومصاحبة الأولياء والصالحين، وله فريدة كبرى أنه راوية حافظ، فيذكرنا برواة الأخبار والأحداث الأوائل، ويستعين على ذلك بقوة حافظته، وكثرة مجالسة العلماء، كما أنه يجمع في كتاباته بين الإفادة واللذة، فقارئ كتبه يحصل العلم وصدق الأحاسيس. لقد ساعد البيومي على إنهاض الحياة الفكرية بمؤلفاته، وعلى إحياء الرجال الموتى بتراجمه، وعلى إنعاش الشعر بدواوينه، وعلى حراسة العربية بردوده، وعلى الافتخار بالحضارة الإسلامية بمقالاته.
وللبيوميّ شرف الريادة لمحبي التراجم، وفضل السبق إلى كتابة التراجم بصبغة أدبية، ورواية الأحداث بلغة راقية مشوقة، وحقّ إظهار محاسن الحضارة الإسلامية، وحفظ تراجم رجالٍ أثروا حياتنا الأدبية. والحقُّ أن البيوميّ خلاصةُ الجيل الماضي بأسره، ومظهرٌ من مظاهر الثقافة المعاصرة، وتطبيقٌ صحيحٌ للتصوف النقيّ. أجل، الأعوام تعقب الأعوام، والذكرى تجدد الذكرى، والأسى يبعث على الأسى، لكن سيبقى محمد رجب البيومي عالماً واعياً بصيراً بأمور دينه ودنياه، قلّ أن يجود الزمان بأمثاله، ورغم هتافنا به في كلّ مناسبة، والإشادة بمنجزاته العلمية إلا أنّه لا زال مغموط الحق، فالخواص أكثرهم يتجاهلونه، والعوام في معزلٍ عن كلامه، وفي ظني متى زالت الأمية الثقافية -التي نحياها- من العقول قد تكون لكتاباته يومئذٍ شأن، وأيّ شأن!