متابعة – عبد العزيز اغراز
اختار رئيس مؤسسة الملتقى الدكتور منير القادري تناول موضوع “القيم الإسلامية وحسن تدبير الحياة من أجل سعادة الدارين”، وذلك خلال مشاركته السبت 4 من الشهر الجاري، في الليلة الرقمية الواحدة والثمانين ضمن فعاليات ليالي الوصال الرقمية للطريقة القادرية البودشيشية.
استهل القادري مداخلته بالإشارة الى ارتباط أهم المفاهيم التي طبعت الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في العالم، خلال القرن الحالي بعملية تأسيس نظم اجتماعية جديدة، تعنى بتحقيق الرفاهية والطمأنينة وضمان النمو الاقتصادي والحد من مشاكل المعيشة في المجتمعات المعاصرة، من خلال التخطيط المحكم وحسن تدبير الحياة.
وأضاف أن حسن تدبير الحياة من القيم الإسلامية السامية، وأن القيم والأخلاق في الإسلام تمتاز عن غيرها من الفلسفات الوضعية التي تنادي بنفس القيم، بكونها قيما عميقة مرتبطة ببعدها العقدي والإيماني والإنساني الأصيل من خلال مطابقتها للفطرة الإنسانية.
وشدد على ضرورة تفعيل هذه القيم في مجتمعاتنا وذلك عبر مراحل، بدأ من تقرير المبدأ والإيمان به كأمرٍ وتكليف من الله تعالى، إلى تفعيل فلسفة مَقْصَدِهِ وقياس مردوه النفعي المباشر أو غير المباشر على النفس البشرية الملتزمة به والمجتمع الذي يحرسه، وصولاً إلى الحرص على غرسه في النفوس ليصير ثقافة مجتمع ككل، وتابع أن ذلك يوفر حمايةً أسوار القيم الروحية الأخلاقية في مجتمعاتنا من الانهيار بفعل العولمة والغزو الثقافي العابر للقارات، المهددة لموروثنا الثقافي وثوابتنا الدينية.
ونبه الى ضرورة الاستثمار في الرأسمال البشري، وتكوين المواطن المؤهل المتشبع بقيم ثقافية وأخلاقية كالمواطنة ورعاية الحقوق والواجبات باعتباره المدخل لتحقيق النمو والازدهار، مع تأكيده على أن المبادئ والقيم الاخلاقية ليست بذات قيمة في ذاتها من دون الاشخاص الذين يطبقونها بإخلاص ويؤمنون بها ويحرصون عليها.
ولفت الى أن القرآن الكريم أولى هذه القيم أهمية كبرى في البناء القيمي لأمة الإسلام باعتبارها الميزان الذي يحمي المجتمع ويحفظ توازنه، وان الله عز وجل أمر بالاعتصام بهذه القيم مستدلا بنصوص من الوحيين الكتاب والسنة.
وبين أن التّدبير يكون دائماً متناغماً مع العلم، والمعرفة، والخبرة، والعقل، مذكرا بقول النبي صلى الله عليه وسلم لابن مسعود(ض) “يا ابن مسعود، إذا عملتَ عمَلاً فاعملْ بعلمٍ وعقلٍ، وإيّاكَ وأنْ تعملَ عملاً بغيرِ تدبّرٍ وعلمٍ، فإنّه جلَّ جلالهُ يقولُ: وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثَاً”.
وأضاف أنه مفهوم أخلاقي سامي يزخر بمضامين تؤكّد على أهمّيّة حسن التدبير، والتي توحي لنا بالمعنى المراد اليوم من كلمة ترشيد الإدارة السائدة بين الناس، وتشمل مفاهيم البرمجة، والتّخطيط، والتّنظيم، والانسجام، والتّوجيه الصحيح، الكامنة في مبدأ تدبير الأمور.
وزاد أن حسن تدبير الحياة قاعدة ذهبية تشكل اللبنة الأولى لواقع اقتصادي متوازن ومدروس لكل دولة أو مجتمع أو أسرة، وأن البعد الأخلاقي في حسن التدبير يعتبر جزء مهما من التصور المتبصر لتحقيق التنمية الشاملة لأُمّة الإسلام غايته تعزيز الجانب الروحي ولفت الأنظار إلى مركزية الأخلاق في كل عملية تطور ونماء،وأن بناء الرجال مقدم على بناء المصانع، وأن الأمم تحتاج لنهضتها إلى الرجال أولي العزائم القوية، والقلوب الكبيرة قبل حاجتها للثروات والمعادن.
واستطرد شارحا أن الإعمار المعنوي للنفوس هو الأساس الذي ينبني عليه إعمار الأرض، وأنه لا يمكن أن نؤسس لحضارة إنسانية وارفة الظلال إلا بإعمار وتزكية الجانب الخلقي للإنسان فيها.
وأكد أن التنمية الروحية تسعى الى إحداث التغيير المرغوب في تكوين الشباب بصقل روحهم، ووقايتهم من الكفر والالحاد والانحلال الخلقي، وتكوين وعيهم الديني و حسهم الوطني على نحو سليم، من غير غلو أو تزمت أو تطرف، والدفع بحياة الفرد والمجتمع نحو بر الأمان وتحقيق نهضة حضارية وعمرانية تعم بخيرها البشرية جمعاء.
وأشار في ذات السياق الى حاجة العالم اليوم إلى حسن تدبير واستثمار الخزان القيمي الروحي والمعرفي للتصوف باعتباره لب الإسلام وجوهره، وأيضا الى حسن تنزيل وأجرأة القيم الإسلامية، في بعدها المحلي والكوني والإنساني، سواء في التزامات الفرد مع خالقه أو مع الآخرين بما فيه المخالفين له، وتحقيق التوازن بين المادة والروح، بين الدنيا والآخرة، وذلك في شكل مشاريع تربوية وتأهيلية وعلمية وإعلامية، تمد المجتمعات بالقيم المعنوية الضرورية لبناء الإنسان الكوني والحضاري، المنفتح والسباق إلى الخيرات المادية والمعنوية، المحلية والعالمية، بمحبة وتفان وإخلاص.
كما تطرق مدير المركز الأورومتوسطي لدراسة الإسلام اليوم، الى احتفال العالم في الخامس من شهر ديسمبر من كل سنة بـ “اليوم العالمي للتطوع”، الذي يبرز قدرتنا المشتركة جميعا على تحقيق التنمية البشرية المستدامة، للمساهمة في السلام والتنمية والعمل على تحقيق الأهداف الإنمائية من خلال جهود التطوع.
و أشار في ختام مداخلته إلى أن جلالة الملك محمد السادس نصره الله ما فتئ يوجه الدعوة إلى ديناميكية جديدة تكرس التكامل بين عمل الدولة وعمل جميع مكونات المجتمع، و تعبئة الحس الوطني واستدعاء التاريخ والهوية واستنهاض الوازع الأخلاقي واستحضار الوعي بطبيعة الواقع العالمي المحيط بنا وبلورة استراتيجيات تُمكِّن من تحرير الطاقات والنفوس من اليأس وفقدان الأمل و القهر الداخلي، واستعادة الثقة، و تربية جيل من الرجال يسعى بتجرد و نكران للذات من أجل بناء مستقبل الوطن والذود عن حدوده و صحراءه وتحرير تغوره والتأسيس لتنمية شاملة ومستدامة.