بقلم :
الكاتب الصحفى
النائب محمود الشاذلى
لحظه للتأمل والمراجعه فى ليلة القدر
فى ليلة القدر توقفت كثيرا وتذكرت طويلا حقيقة البشر وأدركت أنهم ظالمين حتى لأنفسهم ، يحكمهم الأنا ، ويسيطر عليهم الانتقام ، ويحدد معالم حياتهم القهر .هم جميعا يصلون لرب العالمين سبحانه وتعالى لكنهم لم يدركوا جيدا ما قاله رب العزة سبحانه فى حديثه القدسي : ” يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا “، ليؤكد بذلك رب العزة سبحانه على كثير من قواعد الدين وأصوله ، فنص على تحريم الظلم بين العباد ، وهو من أعظم المقاصد التي حظيت الشريعة بإقرارها .
هم جميعا يشهدون أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم لكنها شهادة باللسان وإلا ما كان مسلكهم عكس ما جاء به النبى الكريم صلى الله عليه وسلم الذى لم تكن أحكامه أبدية ، لكن البشر الذين يتبعون سنته أحكامهم على أنفسهم وعلى من حولهم أبدية .. من أخطأ يوما يظل يلاحقه عار خطيئته حتى ولو أصبح كهلا أو بات من الركع السجود ! ، تمنَّى صلى الله عليه وسلم أن يسلم أعتى الكفار فقال صلى الله عليه وسلم داعيا ربه عز وجل اللهم أعز الإسلام بأحد العمرين ويقصد بأحد العمرين عمر بن الخطاب أو عمرو بن هشام ( أبو جهل ) وحقق له رب العزة مبتغاه ، ولم يقل إنهم كفار وسيظلون كفارا ويكتب على جباههم الكفر حتى الممات .
بات يقينا أنه من أجل نعم رب العالمين سبحانه على بنى البشر أن خلقهم أطوارا ، وجعل لكل مرحلة من مراحل تكوينهم خصائص ، ومكونات ، وطبائع وميول وسلوك ، لذا كان من الطبيعى أن يتوقف الإنسان عبر مسيرة حياته فى محطات كثيرة ، قد يتعجب فى بعضها من بعض السلوك التى أدرك بعد حين أنها تناسب المرحلة العمرية التي كان يحياها ، وأن هذا السلوك المستغرب فى مرحلة سنية معينة ، هو أمر طبيعي في تلك المرحلة ، لذا فلا إنكار على الطفل إذا عاش مرحلته ، ولا لوم على الشاب إذا كان لديه شطط فى مرحلة مراهقته ، ولا ضير أن يكون للرجل قناعاته الفكرية ، وآرائه السياسية ، ومنطلقاته الأيديلوجية ، ومن الطبيعى أن يتراجع عنها بفعل النضج الذى يعترى فكره ، ومعايشته للأحداث المتلاحقة ، وإدراكه لفساد من صدروا له تلك القناعات على سبيل المثال .
من أجل ذلك ، فإنه من أعظم الخطايا التى تعمقت عند بنى البشر من خلال حاقدين مجرمين ، أو مروجين مدفوعين ، أو مأجورين : ” أبدية الحكم على الأشخاص “، وعدم الاعتراف بمراجعات البعض منهم التى هى حق لهم فى الحياة قد منحهم إياها رب العالمين سبحانه ، وليس أحدا كائنا من كان من بنى البشر ، ليحيا من حيّ عن بينة ، لذا كان طبيعيا أن يجعل رب العزة سبحانه وتعالى باب التوبة مفتوحا حتى لمن قتل 99 نفسا . لتتجلى الحقيقه اليقينيه فى الآفاق والتى مؤداها أن كل من يروج لهذا النهج اللعين ويتمسك بترسيخه بين كل فئات المجتمع حكاما ومحكومين أشد خطرا على الأوطان من الإرهاب نفسه بكل سوءاته .
إنه من الطبيعى أن يقتنع الإنسان بفكر ، أو يتعايش مع تجربة ، أو يسهم فى ممارسة سياسية ، ثم يكتشف أن جميعهم أو بعضا منهم فى حاجة إلى ضبط وأنهم ليسوا بالروعة التي رسمها فى خياله ، وليسوا المدينة الفاضلة التي كان يحلم بها ، فيراجع نفسه دون ضغوط ، ويضبط سلوكه طواعية وعن طيب خاطر ، بل قد ينتقل إلى خندق مغاير للخندق الذى كان لديه قناعة به فى السابق وكثيرا ما دافع عنه ، ليس ممالأة لأحد ، أو مداهنة لأجهزة ، إنما عن يقين وقناعة أفرزتها التجربة وحددت معالمها الممارسة .
لكن البشر في أحيان كثيرة يجعلون من أنفسهم آلهة وجلادين ، ونشأ عن ذلك “مصيبة” حقيقيه هي عدم قبول البعض من ذوى السلطة مَنْ يُنفض عن كاهله ما كان يعتقده من قناعات ، وكأنهم نازعوا رب العالمين في حكمه عز وجل متمسكين بفرض الإجرام عليه لمجرد أن له ماضيا يختلف عن حاضره، بالضبط كمن كان يقتنع بالفكر الشيوعي ، أو اليساري ، أو الإسلام السياسي ، ثم يكتشف ضآلة فهم قادته عند أو معترك أو محك ، وقد كان يضع لهم في تصوره أنهم من أروع البشر فكرا، ومنهجا ، وسلوكا ، وأداءً فيكون من الطبيعي أن يأخذ خطوة للخلف يعيد فيها حساباته ، ويؤصل للعديد من المراجعات الفكرية هو بذاته ، وينفض عن كاهله هذا الفكر ويعمل على ضبط إيقاع نفسه .
للأسف الشديد ، المجتمع بكل ما فيه من منافقين ، وحملة مباخر كل مبتغاهم إبهاج الكراسى حتى وإن كانت بلا جالسين عليها ، يدفعون بالأوطان إلى السير للخلف إمعانا فى ترسيخ الرجعية ، والتمسك بالتخلف منهج حياة ونبراس وجود ؛ لذا يتمسكون بأن يظل من كان له ” قناعة يوما ما ” فى أى إتجاه لايروق لهم ، أن يظل بعيدا طريدا تسد فى وجهه أبواب الرحمة لذا ليس من حقه الحياه إنسانا ، بل وحتى مجرد التفكير في مراجعة مواقفه ، لذا يرون أنه من الطبيعى وليس مستهجنا أن يتمسكون بمحاسبته على ماضيه ، ويصرون على أنه يجب سحقه سحقا ، وتدميره تدميرا ، فيتحول دون جهد منه أو منهم إلى معسكر ثالث بعد أن سدوا فى وجهه باب الرحمة والعودة فيخسر المجتمع طاقات عديدة قد تكون سواعد للبناء .. كل ذلك لأنهم تمسكوا بنعته بالإجرام فيكون أشد ضراوة وشراسة ، فيتحول إلى معول هدم لأن الجميع فرضوا عليه أن يكون منطلقه فى الحياة يكون أو لا يكون .
إنها الدوامة اللعينة التي يرسخها أعداء الأوطان من المنافقين ، فيخسر فيها المجتمع طاقات الشباب ، ويتبدد عطاء الرجال ، لذا فإنه من أكبر خطايا بنى البشر الإصرار على أن المواطن مجرم طالما كان له قناعة بفكر حتى وإن إنتهى من منبعه كالفكر الشيوعى ، وطالما كان له رؤية مؤيدة لنظام ولّى ، وقد تمتد لنظام قادم فى المستقبل يلعن رموزه ومناظريه من كانوا يؤيدون نظام أو فكر حالى ، وهكذا نظل ندور فى فلك الصراعات التى تضر بالأوطان وتقضى على زهرات الشباب.
لعلها فرصة فى “ليلة القدر” أن نراجع أنفسنا ، ونعيد تقييم مسلكنا ، حكاما ومحكومين ، رؤساء ومرؤوسين ، مؤسسات وشعوب ، عظماء وبسطاء .. هكذا أرى ، وهذا اجتهادي انطلاقا من عطاء سنواتٍ طوال وتراكم خبرات عديده ، فضلًا عن رؤية صاحب قلم ، لا أدعي أنها رؤية وحيدة وحصيفه لا يساورها نقصان ، لكنه اجتهاد محض ينطلق من قول الإمام الشافعى رأى خطأ يحتمل الصواب ورأى غيرى صواب يحتمل الخطأ ، من أجل ذلك مخطأ من يظن أنه يمتلك الحقيقه المطلقه وحده حتى أنا ، لذا من الطبيعي أن يكون هناك ما هو أعمق مما طرحت . ولعلها فرصه لأن يكون للأساتذة والمختصين والباحثين طرحا لهذه القضيه المحوريه تنطلق من بحث ودراسة علّنا نخرج بنتائج تضيف للمجتمع آفاق جديده ، وتعمق من وعيه فيحتوي الكثير من الكفاءات ، ويحتضن الكم الهائل من الطاقات .