كتب- أحمد نورالدين:
أصدر مركز الأزهر العالميّ للفتوى الإلكترونية بيانا حول صحة الطفل النفسية جاء فيه:
– راعى الإسلام صحة الطفل النفسية، وحذر من تعريضه لما يشوه فطرته أو يؤذي نفسيته.
▪ تبدأ عناية الإسلام بصحة الطفل النفسية من قبل أن يُولد، حين حثَّ الزوجَ على اختيار أم صالحة له، والزوجة على اختيار أب صالح؛ فقال سيدنا رسول الله ﷺ: «تُنْكَحُ المَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ، تَرِبَتْ يَدَاكَ» [أخرجه البخاري]، وقال سيدنا رسول الله ﷺ: «إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ، وَفَسَادٌ عَرِيضٌ ». )أخرجه الترمذي(
▪عاب القرآن الكريم على أهل الجاهلية استقبالهم المولود -إذا كان أنثى- بالحزن والتشاؤم؛ واعتبر الإيذاء البدني أو النفسي الذي يقع على الإناثِ من الأطفال بهذه السلوكيات من المحرمات؛ فقال تعالى: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ}. (النحل: 58، 59)
▪أمر الإسلام بحسن اختيار أسماء الأطفال، ونهى عن تسميتهم بأسماء مستقبحة تثير الاستغراب أو الاشمئزاز؛ مما يجعل الطفل عُرضة للسخرية، أو فقد الاتزان النفسي والسلوكي؛ وكثيرا ما ورد عن سيدنا النبي ﷺ أنه غيَّر أسماء سيئة إلى أسماء حسنة؛ ليرشدنا إلى هذا السلوك.
▪لا يخفى الأثر النفسي السيء المترتب على تفريق الوالدين في معاملة أولادهما، وتفضيل بعضهم على بعض؛ لذا أمر الإسلام بالعدل بين الأولاد في العطايا والمعاملة بما في ذلك المشاعر؛ فعَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُحَدِّثُ أَصْحَابَهُ إِذْ جَاءَ صَبِيٌّ حَتَّى انْتَهَى إِلَى أَبِيهِ فِي نَاحِيَةِ الْقَوْمِ فَمَسَحَ رَأْسَهُ وَأَقْعَدَهُ عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى قَالَ: فَلَبِثَ قَلِيلًا فَجَاءَتِ ابْنَةٌ لَهُ حَتَّى انْتَهَتْ إِلَيْهِ فَمَسَحَ رَأْسَهَا وَأَقْعَدَهَا فِي الْأَرْضِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «فَهَلَّا عَلَى فَخِذِكَ الْأُخْرَى» فَحَمَلَهَا عَلَى فَخِذِهِ الْأُخْرَى فَقَالَ ﷺ: «الْآنَ عَدَلْتَ». [أخرجه ابن أبي الدنيا في النفقة على العيال].
فى سياق متواصل وفي إطار مشروعه التثقيفي «حكاية كتاب» قدم مركز الأزهر العالميّ للفتوى الإلكترونية حكاية كتاب “الموطأ” لإمام دار الهجرة مالك بن أنس (93 – 179هـ) المتوفى في شهر ربيع الآخِر رحمه الله تعالى ورضي عنه.
مؤلف الكتاب في سُطور هو الإمام الفقيه المحدث: مالك بن أنس بن مالك بن عامر الأصبحي المدني، مؤسس المذهب المالكي، المولود في المدينة المنورة سنة 93 هـ، والتي لم يرحل عنها -إلا حاجًّا إلى مكة- حتى توفي بها في الرابع عشر من شهر ربيع الآخر سنة 179 هـ، ودفن بالبقيع.
وقد حباهُ اللهُ تعالى من الذكاء والفهم ودقةِ الحفظ ما أهله لطلب العلم والتميز فيه في سن مبكرة، وساعده على ذلك نشأتُهُ في مدينة سيدنا رسول الله ﷺ، التي كانت وجهة العلماء والفقهاء في ذلك الوقت، فلازم كبار العلماء أمثال الإمام ابن هرمز، والإمام نافع، وابن شهاب الزهري، وربيعة الرأي، وغيرهم من التابعين وتابعيهم؛ قال الإمام أبو القاسم الدولعي: «أخذ مالك على تسعمائة شيخ، منهم ثلاثمائة من التابعين، وستمائة من تابعيهم». [موطأ مالك ت الأعظمي (1/26)
كان الإمام مالك -رضي الله عنه- عالمًا موسوعيًّا بارعًا في علوم شتى، كعلوم الحديث والرواية، والفقه والاستنباط، والفُتيا والاجتهاد؛ حتى شهد له شيوخ عصره بالإمامة، وصار إمامَ أهل الحجاز، وانتهى إليه فقه المدينة.
كما أجمع علماء عصره على ورعه، وأمانته، ودقة تثبته وتحريه لسنة سيدنا رسول الله ﷺ، فذاع صيته، وقصده طلاب العلم من كل مكان، حتى انتشر مذهبه في ربوع الدنيا، وتتلمذ على يديه أكابر العلماء، فهو الذي قال عنه الإمام الشافعي رحمه الله: «لولا مالك وسفيان بن عيينة لذهب علم الحجاز». [جمهرة تراجم الفقهاء المالكية (1/15)
سبب تأليف الموطأ: ذكر المحققون أن تأليف الإمام مالك لكتاب الموطأ كان استجابة لرغبة الخليفة أبي جعفر المنصور، الذي قال له: (إنّ الناس قد اختلفوا بالعراق، فضع للناس كتابًا نجمعهم عليه). [الجرح والتعديل (1/12)
أما عن سبب تسمية الكتاب بالموطأ ،نُقل عن الإمام مالك سبب تسمية كتابه بالموطأ؛ قوله: «عرضت كتابي هذا على سبعين فقيهًا من فقهاء المدينة، فكلهم واطأني – أي وافقني- عليه، فسميته الموطأ». (الحديث والمحدثون1/246)
منزلة الكتاب : اعتمد العلماءُ كتابَ الموطأ أصلًا من أصول كتب السنة النبوية، وعَدُّوه من أعظم الكتب وأجلِّها، ودرج العلماءُ وطلابُ العلم على الاعتناء به، واستنباط فوائده ومعانيه، والقيام على دراسته؛ روايةً ودرايةً وشرحًا وتفصيلًا، قال القاضي عياض: «لم يعتنِ الناس بكتاب من كتب الفقه اعتناء الناس بالموطأ». (ترتيب المدارك وتقريب المسالك 2/80)
بين يدي الكتاب : كتاب الموطأ من أهم كتب السنة التي جمعت بين الصنعة الحديثية والفقهية؛ والكتاب ليست له مقدمة، وهو مقسم إلى أربعة أبواب رئيسة أولها: باب العبادات، وثانيها: المعاملات، وثالثها: الجنايات، وخاتمتها: باب سماه بالجامع، وذكر فيه من الأحاديث والآثار ما يتعلق بالعقائد، والآداب، والفضائل، والشمائل، وغيرها من الأمور التي لا تُعتبَر ذات صبغة فقهية، ولا تندرج تحت باب من الأبواب السابقة.
ولم يُكثر الإمام مالك -رحمه الله- من التبويب في الموطأ؛ حيث جعل فقه كتابه في المتون، واعتنى بالترتيب أيما عناية، فوضع لكل كتاب عنوانًا، ولكل باب ترجمة تدل عليه، متحرّيًا للمناسبة والربط بين ترجمة الباب وعنوان الكتاب لتحقيق الغاية الفقهية، وقد اعتمده العلماء من المتقدمين والمتأخرين عمدةً في المذهب المالكي، وصار منهل العلماء وطلاب العلم من كل تخصص.
كما أن الإمام لم يكتف في تصنيفِ الموطأ على الموصول والمرفوع من أحاديث سيدنا رسول الله ﷺ، وإن كان ذلك جُلَّ كتابه، بل حوى الموطأُ على المرسل، والموقوف، وبَلاغَات التابعين، وأقوالهم، وأقوال أهل الحجاز التي توضح مقصود الحديث وفقهه؛ والتي بلغ عددها (1852) رواية، فكان رضي الله عنه يذكر في مقدمة الباب ما كان من حديث سيدنا رسول الله ﷺ، ثم يتبعه بما جاء من أقوال الصحابة رضوان الله عليهم وفتاويهم، ثم ما ورد من فتاوى التابعين ثم إجماع أهل المدينة أحيانًا، ثم يذكر قوله، وأحيانًا يقول: “عندنا”.
ومِن أَجَلِّ الكتب التي اعتنت بكتاب الموطأ شرحًا ودراسة:
– التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، والاستذكار في شرح مذاهب أهل الأمصار، وكلاهما للإمام ابن عبد البر.
– كشف المغطى في شرح الموطأ، وتنوير الحوالك، وكلاهما للحافظ السيوطي.
-شرح الزرقاني على الموطأ، للإمام الزرقاني المصري.
جزى الله إمام دار الهجرة عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، ونفعنا بعلومه في الدارين 🤲 آمين.