بقلم: د/ محمد بركات
من علماء الأوقاف
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد: في زمن البلاء..بدي الاستعراض ببذاءات اللسان التي تصدر عن البعض بخبث ما انطوي عليه القلب والجوارح.
فلا تدري أيها المسيء البذيء لمن تسيء؟!
ولقدر ومقام من تتجاوز وتتعدي حدودك؟!
لا يعرف قدر رسولنا المصطفي ﷺ إلا كل شريف وأصيل، فمثقفي وعلماء الغرب وإن لم يؤمنوا بالإسلام إلا أن معظمهم أنصفوا قدر ومقام ومكانة رسول الله ﷺ.
فبأبي وأمي ونفسي وروحي وحياتي كلها رسول الله ﷺ لا تساويه الدنيا كلها مدحا له واعترافا بجميله وحسن دعوته وطيب كلمته وعظيم بيانه.
فيا مَن تُسيءُ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، اعلَمْ أنك المسيء لنفسك وأنت بين العالمين من النكرات التي لا مسوغ لظهورها، فمقام رسول الله صلى الله عليه وسلم رفيعُ القدر، برفعة الله له، ولن ينالَ الشانئ ولا المستهزئ منه شيئًا.
يقول الله تعالى: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾، فوالله إنها للمنة الكبري والنعمة العظمي هذه الأنفاس الزكية الأبية فينا بسنة حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم.
فالحقيقة اليقينية أنه لولا وجود هذه النعمة العظيمة فينا لبقِيَ هذا الإنسان ضالًّا تائهًا، لا يعرف إلى الهداية سبيلًا، كما هو حالُ مَن لم يستجِبْ لدعوة النبي صلى الله عليه وسلم؛ فهو ضال تائه في دروب الحياة الشائكة، وإن كان يزعم أنه متحضِّر ومتقدِّم في شتى مجالات الحياة.
يقول الله تعالى: (إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ)، فاعلم أيها القارئ الكريم أنه علي مدار الزمان والمكان والشر تتساقط أوراقه بلا قيمة ولا ذكر.
بعض الناس كالأشياء التافهة لا قيمة لها ولا ذكر ، ودوا أن يذكروا ولو باللعن ، فالجمل المفيدة لا تناسبها سوي الكلمات المفيدة التي تفيد تمام اللفظ والمعني، ورسولنا المصطفي ﷺ يعلوا ذكره وقدره ومقامه ومكانه وأيامه وسنته وحياته فينا فوق أي وكل إهانات أو بذاءات.
فلم يكن بأبي وأمي ونفسي وروحي وحياتي كلها صلى الله عليه وسلم فاحش قط أو بذيء إنما كان قدوة حسنة ونموذج كامل في العطاء والهداية والرشاد.
وقد جاء في تفسير الإمام الطبري رحمه الله: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : إنا كفيناك المستهزئين يا محمد ﷺ ، الذين يستهزئون بك ويسخرون منك، فاصدع بأمر الله، ولا تخف شيئا سوى الله ، فإن الله كافيك من ناصبك وآذاك كما كفاك المستهزئين، وكان رؤساء المستهزئين قوما من قريش معروفين .
وقد ذكر أسمائهم حدثنا ابن حميد قال: ثنا سلمة، قال: ثني محمد، قال :كان عظماء المستهزئين كما حدثني يزيد بن رومان عن عروة بن الزبير خمسة نفر من قومه ، وكانوا ذوي أسنان وشرف في قومهم ، من بني أسد بن عبد العزى بن قصي: الأسود بن المطلب أبو زمعة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني قد دعا عليه لما كان يبلغه من أذاه واستهزائه، فقال :اللهم أعم بصره، وأثكله ولده، ومن بني زهرة: الأسود بن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زهرة، ومن بني مخزوم: الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن مخزوم، ومن بني سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي: العاص بن وائل بن هشام بن سعيد بن سعد بن سهم، ومن خزاعة: الحارث بن الطلاطلة بن عمرو بن الحارث بن عمرو بن ملكان، فلما تمادوا في الشر وأكثروا برسول الله صلى الله عليه وسلم الاستهزاء، أنزل الله تعالى ذكره (فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين إنا كفيناك المستهزئين) إلى قوله (فسوف يعلمون )
قال محمد بن إسحاق : فحدثني يزيد بن رومان ، عن عروة بن الزبير أو غيره من العلماء ، أن جبرئيل أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يطوفون بالبيت فقام ، وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنبه ، فمر به الأسود بن المطلب ، فرمى في وجهه بورقة خضراء ، فعمي ، ومر به الأسود بن عبد يغوث، فأشار إلى بطنه فاستسقى بطنه، فمات منه حبنا، ومر به الوليد بن المغيرة، فأشار إلى أثر جرح بأسفل كعب رجله كان أصابه قبل ذلك بسنتين، وهو يجر سبله، يعني إزاره، وذلك أنه مر برجل من خزاعة يريش نبلا له، فتعلق سهم من نبله بإزاره فخدش رجله ذلك الخدش وليس بشيء، فانتقض به فقتله، ومر به العاص بن وائل السهمي، فأشار إلى أخمص رجله، فخرج على حمار له يريد الطائف، فوقص على شبرقة، فدخل في أخمص رجله منها شوكة، فقتلته، قال أبو جعفر: الشبرقة: المعروف بالحسك، منه حبنا والحبن: الماء الأصفر، ومر به الحارث بن الطلاطلة، فأشار إلى رأسه، فامتخط قيحا فقتله .
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد القرشي، عن رجل، عن ابن عباس، قال: كان رأسهم الوليد بن المغيرة، وهو الذي جمعهم ، بل جعلها الله صراحة في كتابه الكريم }:إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا{
وقد استهل الإمام ابن عاشور رحمه الله تفسيره لهذه الآية ببيان مناسبتها في السياق، فقال: “لما أرشد الله المؤمنين إلى تناهي مراتب حرمة النبي – صلى الله عليه وسلم – وتكريمه، وحذرهم مما قد يخفى على بعضهم من خفي الأذى في جانبه، بقوله : (إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ) وقوله : (وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ) الآية، وعلمهم كيف يعاملونه معاملة التوقير والتكريم … وعلم أنهم قد امتثلوا أو تعلموا، أردف ذلك بوعيد قوم اتسموا بسمات المؤمنين وكان من دأبهم السعي فيما يؤذي الرسول – عليه الصلاة والسلام – فأعلم الله المؤمنين بأن أولئك ملعونون في الدنيا والآخرة؛ ليعلم المؤمنين أن أولئك ليسوا من الإيمان في شيء، وأنهم منافقون لأن مثل هذا الوعيد لا يعهد إلا للكافرين.
فالجملة مستأنفة استئنافاً بيانياً؛ لأنه يخطر في نفوس كثير ممن يسمع الآيات السابقة أن يتساءلوا عن حال قوم قد علم منهم قلة التحرز من أذى الرسول – صلى الله عليه وسلم – بما لا يليق بتوقيره”. وأردف هذا البيان بالكشف عن سر الإتيان باسم الموصول (الذين) في الآية، فقال: “للدلالة على أنهم عرفوا بأن إيذاء النبي – صلى الله عليه وسلم – من أحوالهم المختصة بهم، ولدلالة الصلة على أن أذى النبي – صلى الله عليه وسلم – هو علة لعنهم وعذابهم”.
وبين أن اللعن معناه: “الإبعاد عن الرحمة وتحقير الملعون. فهم في الدنيا محقرون عند المسلمين، ومحرومون من لطف الله وعنايته، وهم في الآخرة محقرون بالإهانة في الحشر وفي الدخول في النار”. وأما العذاب المهين فهو “عذاب جهنم في الآخرة، وهو مهين؛ لأنه عذاب مشوب بتحقير وخزي”. وختم تفسيره للآية ببيان أن “القرن بين أذى الله ورسوله للإشارة إلى أن أذى الرسول – صلى الله عليه وسلم – يغضب الله تعالى فكأنه أذى لله. وفعل (يؤذون) معدى إلى اسم الله على معنى المجاز المرسل في اجتلاب غضب الله، وتعديته إلى الرسول حقيقة. فاستعمل (يؤذون) في معنييه المجازي والحقيقي. ومعنى هذا قول النبي – صلى الله عليه وسلم – من آذاني فقد آذى الله…”نعم.. فالخسران ثم الخسران لكل سفيه تجاوز الحد مع رسول الله ﷺ بكلمة تافهة أو رسم سيء أو همز أو لمز فالعقبي له ولمن خلفه من السوء والخزي والعار.. اللهم إنا نبرأ إليك من كل سفيه تجاوز الأدب مع نبينا ﷺ.