بيان الدكتور أحمد بن سالم المنظري
مدير منظمة الصحة العالمية
لإقليم شرق المتوسط بشأن
مرض كوفيد-19
لقد كشفت لنا جائحة كوفيد-19 الحالية التأثير الوخيم الذي لا يمكن تصوره لتهديد الصحة العامة على الأفراد والمجتمعات والبلدان. ونكرر دوماً أن الأمراض المُعدِية لا تعترف بالحدود، وأن اندلاع فاشية في أحد البلدان يمكن أن يهدد الأمن الصحي للإقليم والأقاليم الأخرى. واليوم نرى أن هذا التحذير قد أصبح حقيقة على نطاق مُثير للقلق وبنسبة تُنذر بالخطر.
وفي ظل إصابة خمسة ملايين شخص، منهم أكثر من 300,000 وفاة، وفرض حظر الخروج في بلدان بأكملها، وتراجع الاقتصادات، يعاني الناس في جميع أنحاء العالم من مستويات غير مسبوقة من العزلة والقلق والخوف مما يخبئه المستقبل.
ولكن في هذا الواقع المؤلم، هناك بصيص من الأمل وحالة من التضامن جعلت البشرية في أفضل حالاتها وهي تواجه عدواً مشتركاً. وأصبحت المجتمعات تتضافر على نحوٍ لم يسبق له مثيل، وتدعم بعضها بعضاً، وتدعم أيضاً جميع القوى العاملة المشاركة في الاستجابة.
فقد أنتج المتطوعون المجتمعيون في إيران مئات الآلاف من الكمامات لمساعدة الناس على الوقاية. وفي السودان، اجتمع طلاب كلية الصيدلة لتوزيع مليون مُطهِّر لليدين على الأسر الفقيرة. وفي مصر، تعاونت منظمات الشباب على إطلاق مبادرة لدعم الصحة النفسية لأقرانهم. وفي الأردن، حيث طُبقت أعلى درجات حظر الخروج، قام المتطوعون المجتمعيون والمجموعات الشبابية، بالتنسيق مع وزارة الصحة، بتوصيل الأدوية للمرضى المصابين بأمراض مزمنة.
كما نشهد مستويات غير مسبوقة من التضامن بين البلدان في إقليمنا، على مستوى الاستجابة العالمية والإقليمية، وهناك تركيز على اتخاذ إجراءات سريعة لدعم البلدان الأكثر عُرضة للخطر.
واجتمع الاتحاد الأفريقي، الذي تضم عضويته سبعة بلدان من إقليمنا، مرة أخرى تحت قيادة رئيس الوزراء الإثيوبي لدعم البلدان المحتاجة بإمدادات كوفيد-19.
وأرسلت مصر إمدادات كوفيد-19 إلى السودان وإيطاليا والصين والولايات المتحدة على متن ست طائرات مُحمَّلة بالمساعدات، بالإضافة إلى 10 أطنان من المعدات اللازمة لحماية آلاف العاملين في مجال الرعاية الصحية الذين يناضلون بلا كلل في الخطوط الأمامية للمعركة ضد هذا المرض.
وقامت المملكة العربية السعودية بتيسير رحلة جوية مستأجرة لنقل إمدادات المنظمة إلى اليمن للاستجابة العاجلة لمرض كوفيد-19، كما تبرعت المملكة بمبلغ 10 ملايين دولار أمريكي لتنفيذ خطة الاستجابة العالمية التي وضعتها المنظمة، و10 ملايين دولار أمريكي أخرى لمكافحة مرض كوفيد-19 في اليمن على وجه التحديد. ومؤخراً، تعهدت المملكة، التي تترأس حالياً قمة مجموعة العشرين، بتقديم 500 مليون دولار لدعم الجهود العالمية لمكافحة الجائحة.
وأرسل الأردن أطباء ومعدات طبية إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ومعدات وقاية للعاملين الصحيين إلى اليابان، وأدوية إلى تونس، ومعدات وقاية وإمدادات إلى بلجيكا.
وتظل الكويت واحدة من أهم الجهات المانحة التي تساهم في خطط الاستجابة العالمية والإقليمية لمرض كوفيد-19، مما يتيح للمنظمة توسيع نطاق أنشطتها في جميع أنحاء العالم، بما يشمل ستة بلدان في إقليمنا حيث توجد بعض الفئات السكانية الأكثر عُرضة للخطر، ومنهم اللاجئون.
كما تبرعت عُمان بمسحات وأدوات اختبار لليمن، وتكرمت بفتح حدودها لتسهيل نقل إمدادات كوفيد-19 إلى البلد الذي مزقته الحرب.
وقبل بضعة أيام فقط، أرسلت قطر شحنة من 10 أطنان من الإمدادات إلى الصومال، تلبية للاحتياجات الملحة في جميع أنحاء البلد. وفي وقت سابق من هذا الشهر، أرسلت قطر عدة شحنات تزن 25 طناً من المساعدات الطبية إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية وجمهورية ألبانيا وجمهورية أنغولا دعماً لجهود الاستجابة في هذه البلدان. كما أرسلت قطر 85 طناً من الإمدادات إلى إيران وإيطاليا ولبنان وتونس والجزائر ونيبال ورواندا.
ووفرت الإمارات العربية المتحدة أربع رحلات جوية مستأجرة من مركز الإمدادات اللوجستية التابع للمنظمة في دبي، مما أتاح للمنظمة وشركائها نقل الإمدادات والفرق التقنية المطلوبة على نحو عاجل إلى إيران والصومال وإثيوبيا. وفي الآونة الأخيرة، قدمت الإمارات لمنظمة الصحة العالمية منحة عينية بقيمة 10 ملايين دولار أمريكي من أدوات اختبار تفاعل البوليميراز المتسلسل، كافية لإجراء 500,000 اختبار للمرضى المُشتبه في إصابتهم بمرض كوفيد-19. وتسهم هذه الاختبارات بشكل كبير في تعزيز قدرات الاختبار في أفريقيا وإقليم شرق المتوسط، بينما نسعى لاحتواء انتقال المرض.
وهذه الأمثلة المُفرحة على التضامن الإقليمي والتعاون تذكِّرنا أنَّ الأمور المشتركة بيننا أقوى من الفروق. والآن، أكثر من أي وقت مضى، وفي حين تتعرض الصحة العالمية للخطر، علينا أن نواصل الوقوف معاً بقوة من أجل الصالح العام.
وبينما تم، ولا يزال يجري، القيام بالكثير، نحن بحاجة إلى زيادة هذا الزخم الإيجابي. فلنغتنمها فرصة، وننظر إلى الجائحة الحالية على أنها الفترة التي وضعت فيها البلدان خلافاتها جانباً. وتذُكِّرنا الجائحة بصورة صارخة بأنه لا أحد آمن، حتى يكون كل شخص آمناً، بغض النظر عن الموقع الجغرافي أو الانتماء السياسي. ولنجعل الصحة جسراً للسلام، كما فعلنا بنجاح في الماضي.
وبينما نعمل معاً من أجل الإنسانية، دعونا نتذكر الرؤية الإقليمية للمنظمة، التي أصبحت الآن أكثر وضوحاً من أي وقت مضى، والمتمثِّلة في أنَّ “الصحة للجميع” لا يمكن تحقيقها إلا “بالجميع”.